صفحات العالم

سوريا في متاهة الحروب الصغيرة

 

    موناليزا فريحة

يفضح التدهور السريع للأزمة السورية عجز واشنطن وموسكو عن الاتفاق على آلية لوقف العنف. لم تعد مقاربة كيري – لافروف لحل سلمي تثير التفاؤل. القمة الاميركية – الروسية المرتقبة في دبلن في حزيران قد تمر على وقع مزيد من المجازر والخطف والتشرذم. وبالوتيرة التي تنزلق بها سوريا نحو الهاوية، يخشى ان تكون الازمة بحلول موعد القمة الثانية في بطرسبرج بأيلول قد تجاوزت قدرة الرجلين وأية قدرة بشرية، على وضع حد لها.

يبدو التعاون الروسي – الاميركي في أسوا أحواله منذ انتهاء الحرب الباردة قبل ربع قرن، ولا تبدو آفاقه واعدة، لا نتيجة التعقيد الكبير للمشاكل التي يواجهها الجانبان فحسب، وإنما أيضا نتيجة الخلفية السياسية العامة لهذه العلاقة.

منذ ضغط الرئيسان الاميركي باراك اوباما ونظيره آنذاك دميتري ميدفيديف “زر” اعادة اطلاق العلاقات بين بلديهما قبل اربع سنوات، احرز الجانبان تقدما كبيرا، وخصوصا بإقرار معاهدة “ستارت” الجديدة لتقليص ترسانتيهما النوويتين، وانضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية، وتصويتها في مجلس الامن على العقوبات على ايران. الا ان شيئا اساسيا تبدل اخيرا. عاد فلاديمير بوتين الى الكرملين ومعه بدأت تظهر ملامح مواجهة جديدة بين موسكو والغرب. فبعدما كان الملف الخلافي الاكثر سخونة في السنوات الاخيرة يتعلق بالدرع الصاروخية الاميركية، والمساعي لتوسيع حلف شمال الاطلسي شرقا، تصدرت السجالات الروسية – الاميركية مسألة انتهاكات حقوق الانسان والخطوات الهادفة الى التضييق على نشاط مؤسسات المجتمع المدني في روسيا.

أنهى بوتين 20 سنة من التعاون في مبادرات المجتمع المدني التي تديرها الوكالة الاميركية للتنمية الدولية. ألغى شركة مع واشنطن لتفكيك الاسلحة غير التقليدية ووافق على مبادرات لقمع المجموعات المؤيدة للديموقراطية. ولم يسلم الاولاد الروس من اطلاق النار السياسي بينه وبين الادارة الاميركية، بعدما حظر على العائلات الاميركية ان تتبنى روساً.

تكاد الحروب الكبرى تضيع في متاهات النزاعات الجانبية بين واشنطن وموسكو. من النيران السورية المشتعلة والتي تمد ألسنتها تدريجا في اكثر من اتجاه، الى التجربة النووية الكورية الشمالية الاخيرة والتهديدات التي اطلقها كيم جونغ – اون بهجوم نووي، الى التطور السريع للبرنامج النووي الايراني، وتفجيري بوسطن، يواجه الجانبان تحديات مشتركة تتجاوز تداعياتها “حرب اللوائح” المستعرة ومحاكمة نافالني.

باعتمادها اخيرا على موسكو للسعي الى تنظيم حوار بين فريقي النزاع في سوريا، بدا ان واشنطن قد ادركت ان محاولات حل النزاعات الدولية من دون بوتين محكومة بانتاج اكثر من سوريا واحدة. حددت واشنطن وموسكو الخيط الرفيع الذي يفصل بين التناقضات الاساسية والسياسية الواقعية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى