صبر درويشصفحات الناس

سوريا: ميثاق شرف أم خطاب براغماتي؟/ صبر درويش

 

البيان الصادر باسم “ميثاق شرف للكتائب المقاتلة في سوريا”، بتاريخ 17 أيار/مايو الجاري، يشمل عدداً من النقاط، قد تمثل تحولاً مهماً على صعيد اللغة السياسية المعتمدة من قبل بعض التشكيلات العسكرية المعارضة، وتحديداً ذات التوجه الاسلامي المتشدد. وإذا كان يغلب على هذه التشكيلات طابع التشدد الديني الإسلامي منذ وقت قريب، إلا أن صياغة البيان، تكاد تتطابق مع لغة أي تيار أو قوة علمانية، وهو أمر يستحق التوقف عنده ملياً.

البيان أصدرته مجموعة من التشكيلات العسكرية المقاتلة تعتبر من بين الأكثر تشدداً، والأكثر تنظيماً بين تشكيلات المعارضة المختلفة؛ وهي الإتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وفيلق الشام، وجيش المجاهدين، وألوية الفرقان، والجبهة الإسلامية. ولا يذكر على سبيل المثال، ورود مصطلح دولة العدل والقانون، عبر كل الأدبيات السياسية التي صدرت عن الإتحاد الاسلامي لأجناد الشام. بينما كلمة “الشعب” فتكاد تختفي من لغتها السياسية، لصالح “الأمة” ذي الدلالة الإسلامية.

استعاد البيان الحديث عن “الثورة السورية المسلحة”، في استبدال واضح لمصطلح “الجهاد” الذي حلّ سابقاً محل مصطلح “الثورة”. وحدد هدف “الثورة السورية” بـ”إسقاط النظام برموزه وركائزه كافة وتقديمه الى المحاكمة العادلة بعيداً عن الثأر والانتقام”. وهو ما يُعد تعديلاً خطيراً على صعيد اللغة؛ حيث كانت الثورة تهدف قبل وقت قريب، إلى الجهاد في سبيل الله وإقامة دولة الخلافة.

الاعتراف بـ”الشعب” السوري الذي قام “بثورة” ضد نظام الأسد، يعتبر أهم تطور في لغة التشكيلات الإسلامية، لا بل أن هدف الشعب صار إسقاط النظام وتقديمه إلى محاكمة عادلة! وتتابع التشكيلات في عرض رؤيتها السياسية، فتعترف بوجود “قوى ثورية” مختلفة، تجتمع على هدف اسقاط النظام، كمهمة تشاركية بين جميع “القوى الثورية” السورية.

في البند السادس من البيان، موقف سياسي وإشارة واضحة حيال المقاتلين الأجانب، الذي التحقوا بثورة الشعب السوري، تحت مسمى الجهاد في بلاد الشام: “قوانا الثورية تعتمد في عملها العسكري على العنصر السوري، وتؤمن بضرورة أن يكون القرار السياسي والعسكري في الثورة سورياً خالصاً رافضة أي تبعية للخارج”. ويلفت هذا الانتباه إلى موقف هذه التشكيلات من “العنصر الأجنبي”، الذي التحق بالثورة وفرض عليها رؤية سياسية وثقافية غريبة عنها، وعن مزاج الشعب السوري وثقافته.

وبعيداً عن المناخ التكفيري المتطرف، الذي وسم ثورة السوريين خلال الفترة الماضية، يأتي البند الثامن من البيان ليؤكد على أن “الثورة السورية هي ثورة أخلاق وقيم تهدف إلى تحقيق الحرية والعدل والأمن للمجتمع السوري، بنسيجه الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية”. وهو ما يذهب عكس الخطاب الطائفي الذي استشرى مؤخراً في خطاب فصائل محسوبة على الثورة السورية. هنا يتم الاعتراف “بالنسيج السوري المتنوع” وبطوائفه المتعددة وحتى أعراقه.

وفي الوقت الذي التبست فيه على السوريين، أهداف ثورتهم ومستقبل بلادهم، يأتي البيان ليؤكد أن “الشعب السوري يهدف إلى إقامة دولة العدل والقانون والحريات بمعزل عن الضغوط والإملاءات”. هذا التصريح يعتبر الأول من نوعه، من قبل تشكيلات عسكرية يغلب على خطابها التطرف. هنا استبدلت دولة الخلافة بدولة العدالة والقانون. لا إشارة في هذه الأخيرة، إلى أية مرجعية أخرى خارج إطار القانون والعدالة.

وفي ما يبدو أنه محاولة لطمآنة الخارج قبل الداخل، يورد البيان في بنده التاسع: “تلتزم الثورة السورية باحترام حقوق الإنسان التي يحث عليها ديننا الحنيف”. ولم ترد سابقاً أي إشارة لحقوق الانسان لدى هذه التشكيلات.

وأثارت المعارك التي تجري على تخوم المدن السورية وتحديداً مدينة دمشق، سخطاً واسعا لدى قطاعات متعددة من الشعب السوري حيال قذائف الهاون التي راحت تسقط على الأحياء السكنية وتحصد ارواح العشرات من الضحايا المدنيين. غالباً ما كان مصدر هذه القذائف قوات المعارضة، التي سعت إلى استهداف قوات النظام المتمترسة داخل هذه الأحياء. وبناء عليه يورد البيان موقفاً واضحاً حيال ذلك فيقول: “نرفض سياسة النظام باستهداف المدنيين بمختلف الأسلحة بما في ذلك السلاح الكيماوي ونؤكد على التزامنا بتحييد المدنيين عن دائرة الصراع وعدم امتلاكنا أو استخدامنا لأسلحة الدمار الشامل”.

وأخيراً، يحدد الموقعون على البيان موقفهم حيال مصطلح “الغنائم” سيء الصيت، حيث يرد في البند الأخير من البيان: “كل ما يسترد من النظام هو ملك للشعب السوري، تستخدمه القوى الثورية لتحقيق مطالب الشعب بإسقاط النظام”. وهو ما يمكن أن يضع حداً إذا ما تم تطبيقه، لعمليات النهب التي درجت التشكيلات المقاتلة عليها، حيال ممتلكات الدولة التي كانت تستولي عليها عبر عملياتها.

يبقى البيان بمحتواه الإيجابي، رهناً بالممارسة المقبلة للتشكيلات التي وقعت عليه. فهل نحن اليوم إزاء تعديل جذري في الخطاب السياسي للتشكيلات المقاتلة وتحديداً ذات الطابع الاسلامي المتشدد منها؟ أم سنكون أمام خطاب براغماتي يسعى إلى إرضاء الداعمين والجهات الأخرى التي تقف خلفها؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى