بشير البكرصفحات مميزة

سوريا..نار الطائفية: بشير البكر

بشير البكر

ما يجري في سوريا على يد النظام الحاكم من مجازر متنقلة ودمار وتهجير لن يكون أمرا عابرا.ولعله بالنسبة إلى هذا البلد المنكوب سيتحول إلى اضطراب دائم يؤسس لوضع طائفي راسخ ،وما يهم  اليوم هو ان تواتر المذابح بحق الابرياء على يد قوات النظام والشبيحة،بات مؤشرا حقيقيا إلى ان النظام لن يتورع عن أي شيء .وما كان يحكى في بدايات الثورة عن ان النظام يدفع سوريا نحو حرب أهلية،صار بمثابة تحصيل حاصل على مدى عامين من البطش والعربدة والدموية، التي لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث.ومن راقب ردود الفعل على مجازر بلدتي البيضاء وراس النبع في بانياس يومي الثاني والثالث من أيار/مايو،فلا شك أنه لاحظ كم التعليقات ذات الصبغة الطائفية في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي.

هل سنتوصل إلى صيغة في المستقبل نجعل فيها السوريين يتجاورون، ويتدانون، ويصبحون قادرين على العيش في سلام ووئام؟ هذا السؤال يطرح اليوم على كل سوري،كل حي،كل قرية،كل مدينة،كما على مستوى البلد بأكمله.ولا أحد يستطيع أن يقدم جوابا سواء تعلق الأمر بمناطق باتت صافية طائفيا،أو أخرى لا تزال مختلطة.

من الواضح أن عوامل الانقسام والتحريض والارتياب تتطور على نحو سريع، ما يهدد بالخطر كل اشكال التلاقي والتعايش من جديد، وحتى المساكنة البسيطة.فكم من كتابات ونقاشات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجري كل يوم،ولا نلحظ من خلالها الا تصاعدا قويا لنبرة التباعد، وبروزا لنوازع الكراهية،وخصوصا في المناطق المختلطة، التي كانت مثالا فعليا للتعايش والتسامح عبر قرون،وبتنا اليوم نشهد تصرفات طائفية مرضية ذات صبغة مغرقة في القدم،سببها دخول العامل الايراني كعنصر اساسي في المعادلة الداخلية السورية،ما يشجع على التمترس وراء هوية دينية،ويدفع نحو انحرافات مشبعة بالخرافة والبدائية ،لم يشهدها السوريون عبر علاقاتهم مع الدين.

هذا الهاجس لن يغادر السوريين بعد الآن،وهو سيرافقهم لوقت طويل،وسواء كان عنيفا او لطيفا،صريحا او ضمنيا،فإن الكراهية المتبادلة ليست مرشحة للرحيل سريعا،ولن تكون غيمة سوداء في سماء صافية،ذلك ان مصالحة البشر معركة طويلة، ليس الانتصار فيها كاملا ابدا.

إن التغلب على الكراهية لن يكون بالمسألة البسيطة،ولن يحلها سقوط النظام وحده،بل انها عملية معقدة تتطلب أن يتربى الناس من جديد، لكي يعيشوا معا في ظل تشريعات مناسبة ومؤسسات ملائمة،وهي معركة تخاض على مستوى البلد بأكمله،كما في داخل كل بيت،ومن قبل كل فرد.

هناك من لا يكدرهم هذا الأمر،اولئك الذين لا يقدرون ضخامة العنف الكامن وراء المجابهات العسكرية الراهنة،والذي بات يشكل تهديدا فعليا لمستقبل الجميع،ولقد شهدنا خلال العقود الاخيرة امثلة في ما حل من تدهور وتشقق عميق في البنية العامة في العراق ولبنان،وما ترتب على ذلك من اختلالات سياسية، واضطرابات اجتماعية، وانهيارات سياسية واقتصادية مدمرة.

في جميع الأحوال، لن يخفف من منسوب التدهور حسم المواجهات العسكرية لصالح طرف بعينه،وحتى لو انتهت المعركة بالتعادل،وجرى التوافق على حل سياسي بالتراضي،فإن المجتمع السوري لن يخرج معافى وصافي الذهن،وهو سيظل لسنوات طويلة يعاني من الصدمات التي عاشها خلال عامين من القتل بدم بارد على يد نظام تتحكم به عائلة الأسد.

على أن بلوغ الوضع قدرا كبيرا من التدهور،لا يقلل بشيء من الأمل من قدرة السوريين على إدارة الظهر رويدا رويدا للاحقاد المتراكمة،والاهتمام بتنظيم عيش مشترك،لكي يولد يوما،انطلاقا من الجراح،وطن أخلاقي.ولكن الشرط الأساسي لذلك هو أن تنأى الطائفة العلوية بنفسها عن النظام قبل فوات الأوان،ذلك أن هناك قناعة تنتشر على نطاق واسع، مفادها أن آل الأسد هم الذين يحتمون بالطائفة ،وليس العكس.ومن هنا فإن إمعان النظام في القتل والسير في طريق التطهير الطائفي، من دون ارتفاع أصوات علوية ذات قيمة مرجعية وازنة ومؤثرة،من شأنه أن يزيد الشرخ الطائفي،ويذكي نار الكراهية والحقد، التي ستلتهم كل شيء في طريقها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى