صفحات سوريةهوشنك بروكا

سوريا: هل بقي من حوارٍ وطني مع النظام؟

 


هوشنك بروكا

كعادته في التفافه على مطالب الشعب التي وصفها الرئيس بشار الأسد، ربما “لضرورة الشعر” ب”المحقة”، أطلق النظام السوري مؤخراً دعوةً جديدة إلى “حوارٍ وطني شامل”. أخبار سوريا الرسمية تتحدث عن تشكيل الرئيس للجنة “رفيعة المستوى”، مؤلفة من نائبيه فاروق الشرع ونجاح العطار، ومستشارته بثينة شعبان، ومحمد ناصيف.

ماهي ملامح هذا الحوار، مع من سيتحاور النظام، بماذا، وعلى ماذا، ولأجل ماذا، وتحت أي سقفٍ، وعلى أية أرضية وطنية سيتحاور النظام؟ كلّ هذا ليس معلوماً بعد.

المعلوم فقط، حتى الآن، هو النظام “الأعلم” بكلّ شيء، كما هو دائماً، والذي لا معلومَ فوق معلومه، وكل معلومٍ عداه، ليس إلا “نكرة” أو “مكتوماً مندساً”.

ولكن السؤال الأهم، الذي يمكن أن يطرح نفسه بعد كلّ هذا القتل وإطلاق النار “الوطني” تحت حصار شبيحة النظام ودباباته، هو،

هل بقي من حوارٍ وطني معه أصلاً؟

ماذا تبقى من وطنٍ في حوزة النظام، ليُتحاوَر عليه؟

هذا السؤال المفتاح يفتح الباب على أسئلة أخرى كثيرة، منها:

مَن سيحاور مَن؟

أيّ حوارٍ وطني هو هذا، الذي يطلقه النظام على ظهر الدبابات؟

هل بقي هناك من شعبٍ سوري، يثق النظام بوطنيته كي يحاوره أصلاً؟

أليس كلّ الشعب السوري الثائر في الشوارع الآن، هو “مندسٌّ” و”متآمر” و”مغرر به”،وفق فقه النظام؟

هل سيعترف النظام بثورة “المندسين” ويجلس إليهم إلى طاولة الحوار؟

هل سيعترف النظام ب”أخطاء” دباباته ونيران قناصاته “الصديقة” ضد شعبه؟

هل سينفتح النظام على العالم ومنظماته الحقوقية، للتحقيق في أحداث القتل المنظم التي جرت في درعا وأخواتها السوريات الأخريات، وما تعرضت لها مختلف المدن السورية، من حصار وتجويع وقطع للماء والكهرباء وكلّ وسائل الإتصال؟

هل سيسمح النظام السوري للعالم ومنظماته الإنسانية، بالوقوف على حقيقة أوضاع الإنسان السوري، تحت قصف ونيران دباباته، وتقييم مأساته، لتقديم ما يمكن تقديمه من مساعدات إنسانية، كما طالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بذلك؟

هل سيترك النظام ديكتاتورية “الحزب الواحد”، و”الرأي الواحد”، و”التلفزيون الواحد”، و”الجريدة الواحدة”، ويترك للآخر حيزاً ديمقراطياً من الإختلاف، مع هذا الواحد الأحد، الذي يحكم سوريا وحيداً، منذ أكثر من أربعة عقودٍ من ال”نعم” المطلقة، التي لم تشبها “لا” واحدة؟

هل سيفتح النظام صفحة وطنية جديدة مع الشعب، ويحاسب مسؤوليه عما جرى من “قتل وطني”، بأيدي قوى أمنية وكتائب كان من المفترض بها أن تكون وطنية، تدفع المواطنين إلى المزيد من الوطن واللحمة الوطنية؟

هل سيعتذر النظام للشعب السوري، عمّا اقترفته أجهزته الإعلامية وقنواته الفضائية من كذبٍ ودفنٍ للحقيقة السورية، التي باتت بفضل شبكات التواصل الإجتماعي، ووسائل الإتصال الحديثة، أكثر من واضحة؟

هل سيبيّض النظام المعتقلات ويفرج عن كلّ السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي القدماء والجدد، الذين اقتادتهم السلطات إلى “تحت الأرض”، لمجرد أنهم قالوا “لا” لمرّة واحدة، واختلفوا مع “نعم” رئيسٍ، فُرضت عليهم منذ أكثر من أربعين سنةٍ؟

هل سيقرّ النظام بالتعددية السياسية، ويسمح لأحزاب المعارضة، بأن تنافسه على السلطة، عبر صناديق الإقتراع، كما هي العادة السياسية في مجمل العالم الديمقراطي اليوم؟

هل سيسمح النظام بقانون انتخاب جديد، لإجراء انتخابات ديمقراطية حرّة نزيهة، ليفوز فيها من يفوز، ويخسر فيها من يخسر؟

هل سيقرّ النظام بالفصل بين السلطات، ويطلق الحريات، ويفتح المجال أمام الكلمة الحرة، لتمارس سلطتها الفعلية ك”سلطة رابعة”؟

هل سيتخلى النظام عن ايديولوجيا “الدولة القومية” بمفهومها البعثي القومجي، كما يقول الدستور السوري، ويعترف بوجود قوميات أخرى، تمّ اختزال أبناءها إلى مجرّد “عرب سوريين” سواء شاؤوا أم أبوا؟

هل سيعطي النظام السوري أبناء القوميات الأخرى، كالأكراد والآشوريين والسريان وسواهم، حقوقهم السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية، على أرضية المساواة الكاملة بين أبناء الشعب السوري الواحد، بإعتبارهم مواطنون سوريون، في “أمّة سورية واحدة”، أولاً وآخراً؟

هل سيتنازل النظام السوري عن “الدولة الأمنية الإستخباراتية” لصالح الدولة المدنية؟

هل سيحلّ النظام أجهزته الأمنية المصنّعة خصيصاً لقمع الشعب، كي تحلّ محلها مؤسسات الدولة المدنية؟

هل سيسلّم النظام السلطة إلى الشعب، لينتخب من يشاء ويسقط من يشاء؟

هل سيترك النظام الشعب ليحّب رئيسه كما يشاء ويكرهه متى وكما يشاء؟

الجواب على كلّ هذه الهلاّت وغيرها الكثير من الأسئلة السورية المزمنة، هو بالطبع لا طويلة.

ليس لأن الشعب السوري لا يريد الحوار، ولا يريد الجلوس إلى طاولته، وإنما لأن طبيعة النظام السوري، المؤسسة على الرأي الأوحد الممثل برئيسه الديكتاتور، لا تقبل بالحوار وأسسه.

فمتى كان الديكتاتور “متحاوراً”، حتى يحاور النظام السوري الأكثر من ديكتاتوري شعبه؟

الديكتاتور والحوار، لا يجتمعان على طاولة واحدة.

الحوار الذي يريد النظام له أن يكون، لن يخرج في تفاصيله عن “الحوارات” المتخشبة التي نشاهدها على أثير فضائياته، حيث لا رأي فيها أكثر من واحد، ولا رأي فوق الرأي الواحد.

الرأي، في مفهوم النظام، هو ك”تحية العلم”، ومن يخرج على هذه الأخيرة، هو “مندسٌ” و”عميل” و”خطر على أمن الدولة”.

لو كان النظام قادراً بالفعل على الحوار، ومؤمناً به أصلاً، لكان قد بدأ به، منذ بداية الثورة السورية، قبل ركوبه الخيار الأمني والعسكري، طريقاً لتحقيق الإصلاحات بالدبابات.

لو كان النظام واثقاً من خطواته، لكان قد مشى إلى الحوار كالملك، دون أن يطلق رصاصة واحدة.

لو كان النظام جديّاً في حواره المؤجل إلى أجل غير مسمى، لكان قد سحب دباباته من المدن، ليرتفع صوت العقل على صوت الرصاص.

ولكن النظام، إذ يطلق الآن مبادرة “الحوار الوطني الشامل”، لا يؤمن إلا بعكسها، ولا يفعل إلا نقائضها.

كنت أتمنى شخصياً، أن تنتهي فصول مأساة الشعب السوري، الذي دفع فاتورة حريته حتى الآن ما يقارب ال 1000 شهيد، وآلاف الجرحى والمعتقلين، بجلوس كلّ الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار الوطني، للعبور إلى سوريا حرّة، يختار فيها الشعب السوري مصيره بنفسه.

كنت أتمنى للثورة السورية، أن تنتهي إلى حوار وطني حقيقي وشامل بالفعل، من شأنه أن يخرج سوريا من دوامة العنف المفرط، الذي تمارسه أجهزة النظام وشبيحته بحق المواطنين العزّل، الذين لا يريدون إلا “الله..سوريا..حرية..وبس”.

كنت أتمنى لصوت العقل أن ينتصر، إلى الأبد، على صوت الرصاص.

ولكن الأرجح هو أنّ “رياح النظام ستجري بما لا تشتهي سفننا”.

أهل الثورة يريدون الحرية، أما أهل النظام فلا يريدون إلا عكوسها.

شعب الثورة يريد إسقاط النظام، أما النظام فلا يريد إلا إسقاط الشعب.

ما يجري الآن من قتلٍ للمدن وأهلها على أيدي النظام وأجهزته، لا يعكس أية نية “وطنية” لديه، للبدء ب”حوار وطني شامل”، كما أُعلن عنه.

في مقابلةٍ تلفزيونية عاجلة مع إحدى الفضائيات، قال مواطن نزح إلى لبنان، من مدينة تلكلخ السورية الحدودية، التي شهدت خلال الأيام الماضية قصفاً عنيفاً بالدبابات وقتلاً عشوائياً برصاص القناصات: “ما تفعله دبابات النظام بالمدينة وأهلها، لم تفعله إسرائيل بالفلسطينيين..بس إلنا الله!”.

هذا الكلام الوطني والمؤثر جداً، يختصر كلّ “وطنية” النظام السوري، الذي بات يستحق “وساماً” فاشياً بإمتياز.

النظام السوري “الصديق” ههنا، قتل من شعبه في يومٍ واحد(الجمعة العظيمة، 22.0411)، وسط تعتيم إعلامي كامل، بعيداً عن أعين الكاميرات والصحافيين، أكثر من 100 متظاهر، بينما “إسرائيل العدوة” هناك، قتلت أمس في ذكرى النكبة ال63، التي شهدت مظاهرات وفعاليات جماهيرية حاشدة، على طول حدودها مع فلسطين ولبنان وسوريا 12 شخصاً، وسط تغطية إعلامية عربية وعالمية مستمرّة، علماً أنّ هذه المواجهات وصفت بالأعنف منذ 63 عاماً.

لا شكّ أنّ القتل، سواء هنا أو هناك، هو أكثر من مُدان. العنف غير مقبول، من أيٍّ كان. ولكن بالمقارنة بين “إسرائيل العدوة” وسوريا الأسد “الوطنية، الممانعة والصديقة”، ألا تبدو “العدوّة” إسرائيل أرحم بكثير من النظام السوري “الوطني الصديق”، مثلما بدا للمواطن التلكلخي، ولمواطنين سوريين كثيرين، عاشوا تحت رحمة الرصاص “الوطني” في درعا وريف دمشق وحمص تلبيسة واللاذقية وبانياس؟

من يقتل شعبه، لا يمكن أن يحاوره.

من يحاصر مدنه بالدبابات، لا يمكن أن يجلس إليها في حوارٍ واحد، على طاولة واحدة.

ومن يقتل الوطن ويمشي في جنازته، لا يمكن أن يصنع فيه حواراً وطنياً.

ايلاف

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى