صفحات العالم

سوريا والعامل الخارجي


سميح صعب

لطالما كان التغيير السياسي في سوريا مرتبطاً بما يدور في الاقليم اكثر منه بالعوامل الداخلية البحتة. فالانقلاب العسكري الأول الذي قام به حسني الزعيم كان باسم الرد على نكبة 1948 في فلسطين. وبعد هذا الانقلاب وفي الفترات التي تلته كان النظام في سوريا يخضع للواقع السياسي المجاور.

وفي المرحلة التي تلت الاستقلال كان بعض الاحزاب السورية على علاقة ودية مع النظامين الهاشميين في العراق والاردن. وكانت أحزاب أخرى على خصومة مع هذين النظامين. وبعد ثورة 23 تموز 1952 في مصر بدأت أحزاب سورية تتعاطف مع الثورة وصولاً الى الوحدة في 1958.

لقد كان العامل الخارجي في صلب تشكل الجدل السياسي في بلد مثل سوريا. وبعد وصول حزب البعث الى السلطة عام 1963، كان العنوان الخارجي والحدث الاقليمي هما الابرز وباتت سوريا حليفاً للاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة على حساب روابط وطيدة كانت تربطها بالغرب حتى مطلع الستينات من القرن الماضي.

وعقب نكسة حزيران 1967، تشكلت قاعدة الحكم برمتها اعتماداً على السوفيات وصولاً الى حرب تشرين الاول 1973 التي شنتها سوريا ومصر على اسرائيل.

هذه الوقائع السياسية والتحولات الكبرى في الاقليم لم تهدأ فترة طويلة. وتوجهت سوريا الى ايران الخمينية عام 1979 بعدما فقدت حليفها المصري الذي اختار الخروج من الصراع العربي – الاسرائيلي وتوقيع سلام منفرد مع اسرائيل.

وشكل التحالف مع ايران ركناً اساسياً من أركان النظام السوري طوال العقود الـ30 الاخيرة، خصوصا ان العراق الذي خرج من الحرب مع ايران منهكاً لم يطل به الامر حتى دخل في عزلة بسبب حرب الخليج الثانية وما تلاها من حصار وصولاً الى الغزو الاميركي عام 2003.

وهكذا بقي العامل الخارجي هو الاقوى في رسم سياسة النظام السوري، على حساب التوجه نحو العناية بالداخل أكثر. وحتى في ظل سني الانفتاح الاقتصادي للرئيس بشار الاسد، كانت معالم السياسة الخارجية هي الطاغية، فكانت سنوات التطبيع مع تركيا والاتجاه نحو تصحيح العلاقات مع النظام العراقي الجديد.

واليوم عندما يربط البعض بين الحراك السياسي الذي تشهده سوريا وعوامل خارجية، فإن ذلك لا يخرج عن إطار التفكير السياسي السائد منذ الاستقلال، ولا يبدو انه شيء جديد.

فسوريا وليس النظام فقط لا يمكنها عزل داخلها عن المحيط او التأثر به والانفعال معه وبه. وهذا قلما يلاحظ في دول عربية أخرى قررت في لحظة ما التوجه الى الداخل فحسب بمعزل عن الاقليم والخارج. وربما لهذا السبب تبدو سوريا حالة فريدة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى