صفحات الناس

مقالات تناولت فيديو الطفلِ السوريّ الذي يتعرّضُ للضرب في لبنان على يدِ طفلٍ آخر

 

 

 

المجرمونَ الآخرون/ تمام هنيدي

ينتشرُ فيديو جريمة الطفلِ السوريّ الذي يتعرّضُ للضرب في لبنان على يدِ طفلٍ آخر بتحريضٍ من أهله انتشارَ النارِ في الهشيم، ويمنحُنا التطور التقني فرصةً كبرى ويتيحُ لنا المجالَ لنمارسَ “كعادتِنا” في الشرق الأوسط الرائع بهائميّتنا بأبهى صورةٍ ممكنة، إذ ينتشر الفيديو نفسه على شبكةِ اليوتيوب بأسماء متعدّدة، يُطلقُ كلّ منها حسبَ انتماءِ الجهةِ التي تنشرُ الفيديو سواء كانت سياسية أم دينية.

وكأنّ الجريمة في الفيديو – والذي يُركّز فيه على اسمِ: عبّاس، بشكلٍ يُذكّرُ بالتركيز على اللهجة أو الأسماء في الفيديوهات التي انتشرت عن جرائم النظام السوري في بداية الثورة – وكأن هذه الجريمة ستصيرُ أقلّ وطأةً فيما لو كانَ اسمُ الضاربِ مختلفاً. ومن المرجّحِ أن يكون هذا الأمر صحيحاً. ذلكَ أنّ شعوبَ المنطقة لا تملكُ جرأةَ الاعتراف بأخطائها، وتجدُ في الآخرين الشماعة المُثلى لتعليقِ كلّ بلوى أو انحطاط أخلاقيّ، ما يجعلُ المنطقة برمّتها مركزاً للتردي الفكريّ هذه الأيام، فطالما أنّ الأمرَ فيهِ انحطاط فهوَ حتماً من صنعِ هؤلاءِ الآخرين!

منذُ الصباح، وصلني الفيديو بأكثرَ من تسمية، إحداها: جريمة بحقّ الإنسانية. وأخرى باسم: عائلة لبنانية تطلب من ابنِها ضرب طفل سوري. وثالثة ذهبت أبعد من ذلك وكانت واضحة: عائلة شيعية لبنانية تعذب طفلا سنيا سوريا، وهذه الأخيرة أُرفِقت بكتابة في المنطقة المخصصة للتعريف بالفيديو على اليوتيوب جاءَ فيها “وزع المجرم حسن نصر اللات أيتام سوريا على عائلات لبنانية شيعية بدعوى رعايتهم لكن دين الشيعة مثل دين اليهود في قتل وتعذيب من ليس على دينهم ولو كانوا أطفالا.”

أما التسمية الرابعة فكانت: طفل مسلم سوري وآخر شيعي لبناني – إذا شاهدت الفيديو ولم تفهم فأنت مريض. وفي الجمل التعريفية جاء: “بكل بساطة – هكذا يتم تنشئة وتربية الشيعة لأبنائهم … بهذه الطريقة يربي شيعة إيران في لبنان والخليج أبناءهم على كرهنا والاعتداء على أطفالنا!!”

وإذا أعدنا النظرَ في التسمياتِ السابقة، نرى أنّنا إذا استثنينا الأولى “وهيَ الأهمّ!!” سنجدُ البقيةَ تؤيدُ فكرةَ أنّ “الجريمة يرتكبها الآخرون”. وشأنها شأن عبارات درجت في البلدان العربية ما قبلَ الربيع العربي بسنوات من مثل: الأردن أولاً، سوريا أولاً، مصر أولاً، لبنان أولاً… إلخ تعزّزُ التوهّمَ الذي يوصلُ للكارثة بأنّ بلداننا ومجتمعاتِنا مختلفة عن بلدانِ ومجتمعاتِ الآخرين.

الضخّ اللامتناهي لتغذيةِ الروحِ العدائية بينَ الشعوبِ (وهذه العبارة تبدو للوهلةِ الأولى بعثيةً)، يستمرّ بتسارعٍ مضطرد تزامناً مع حالة الغليان العامة التي لامسَ انفجارُها المقدّسَ لدى شعوبِ المنطقة، في خلخلةٌ قد تكونُ من المنجزات الأكثر أهمية للربيعِ العربيّ. لكنّهُ في الوقتِ ذاتِهِ ينذرُ بانفجارٍ باتَ قريباً أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى في المنطقة وصراعاتِها تبدو الحيلولةُ دونهُ ضرباً من ضروبِ المستحيلِ، طالما أنّ البنيةَ الفكريةَ لمجتمعاتِنا أساسُها أنّنا متميّزونَ عن سوانا مناطقياً أو دينياً أو مذهبيا أو حتى سياسياً.

في إحد مقاطعِ كتابه “بحث في الفكر الرجعي” يقولُ المفكر إميل سيوران: “الذينَ ينتمونَ إلى حزبٍ من الأحزاب، يعتقدونَ أنهم يتميزونَ عن أولئكَ المنخرطينَ في حزبٍ آخر، والحال أنّ جميعهم يلتقونَ في العمق، وفي طبيعةٍ واحدة، بمجرد لجوئهم إلى الاختيار، ولا يختلفونَ إلّا في الظاهر، أي حسبَ القناعِ الذي اختاروه. ومن الجنون أن نرى أنّ الحقيقةَ كامنة في الاختيار ما دامَ كلّ اختيارٍ أو تحديدُ موقفٍ يعادلُ الاستهانة بالحقيقة. ومن سوءِ حظنا أنّ الاختيارَ واتخاذُ الموقف قدرٌ لا مناصَ لنا منه. كلّ واحدٍ منا مكرهٌ على اختيارِ اللاحقيقة والخطأ.”

لا يعني ما تقدّم الرغبةَ في تبرئةِ المجرمينَ الذينَ كانوا وراءَ الفعلة الشنيعة في إجبارِ طفلٍ على ضربِ طفلٍ آخر، بل من الواجبِ متابعةُ المسألة قانونياً وإخضاعُ المجرمِ للعقاب الذي يستحقّ. كما لا يعني تبرءةَ فئةٍ ما بحكمٍ إطلاقيّ مثلما لا يعني أيضاً اتّهامها. ذلكَ أننا وقبلَ أيّ شيء أمامَ جريمةٍ لا يجبُ التساهلُ في محاسبةِ مرتكبيها، وتناسيها بكيلِ الاتهاماتِ يميناً وشمالاً بدوافعَ سياسية أو دينية مذهبية.

إنما يعني بالدرجة الأولى أننا أمامَ كارثة إنسانية وفكرية، تتمثّلُ في اختلافِ التعاطي مع الجرائمِ بحسبِ ميلِ أو انتماءِ مرتكبها. فماذا يعني السؤالُ عن دينِ أو مذهبِ أو حزبِ الشخص الذي قتلَ طفلاً ورماهُ في حاويةِ المهملاتِ قبلَ مدة، سواءٌ كانَت جنسيةُ المغدورُ أو الغادرِ سورية أو لبنانية؟ ماذا يعني هذا؟

ثمّ ما قيمة معرفةِ الناسِ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ اسم ودين وانتماء الطفلِ الذي يضربُ طفلاً آخرَ في الفيديو الأخير؟

هل ثمّةَ في القوانين الوضعيةِ ما يجعلُ الجريمةَ نصفَ جريمةٍ فيما لو كانَ عبّاس، اسمُهُ عمر أو جورج أو مارون أو معروف؟

لم يذكرِ التاريخُ أنّ جمال باشا السفاح مثلاً كانَ يقابلُ مناهضيهِ بأقلّ من الخازوق؟! كما لم يذكر أن جمال باشا السفاح كانَ صليبياً!

وتوخياً للدقةِ قدرَ المستطاع، يجبُ عدم تجاهل مسببات حالة الهياج لدى السوريّ إثرَ كلّ حادثة مشابهة يتعرضُ لها سوريّ في أيّ مكان، ذلكَ أنّ هذا الهياجَ مرتبطٌ بشكلٍ أساسيّ بالمظلوميةِ المحقّة التي باتت في نفوسِ السوريينَ عموماً، بغضّ النظرِ عمّا إذا كانَ شخصٌ أو جماعةٌ ما يعتبرونَها فرصتهم لممارساتٍ سلبية بدونِ عواقبَ كبيرة تترتب عليها.

السوريونَ تعرّضوا لمقتلةٍ بدونِ شكّ، ولحقهم ظلمٌ وحيفٌ عزّ نظيرهُ في العصرِ الحديثِ لأيّ من شعوبِ الأرض، وهذا الاعترافُ لا منّةَ لأحدٍ عليهم فيه. لكنّ الإشكالية الكبرى الآن هيَ في الدفاعِ عن فئةٍ بوصفِها متميّزةً أخلاقياً عن سواها!

الأمرُ الذي سيستمرُّ ما لم نواجه أنفسَنا بعيوبِنا، ونعترفَ بأخطائنا، لا كشعبٍ سوريّ أو لبنانيّ أو أو.. إنما حتى كفئاتٍ دينية ومذهبية.

عدا عن ذلكَ فإنّ الأمورَ ذاهبةٌ بانفجارٍ لن يبقي ولن يذر في المنطقة برمّتها.

 

 

 

عباس وخالد: ميراث الكاميرا الأسدية/ عامر أبو حامد

صادمٌ وإشكالي المقطع المصور الذي انتشر في وسائل التواصل الإجتماعي أمس. طفلٌ لبناني في الثانية من عمره، يحمل عصاً، ويضرب طفلاً سورياً بتحريض من أقربائه الذين يوثقون الحدث بالكاميرا. المقطع الذي يظهر فيه عبّاس مُحرَّضاً على ضرب خالد بعبارات “يلا يا عباس… ضربو يا عباس… عراسو”، أثار جدلاً واسعاً بين مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية. إذ أنه، ورغم بشاعة فكرة العنف الذي يمارسه طفل ويتلقاه طفل آخر، فإن السياق الإجتماعي والثقافي لهذه الحادثة، بنظر الكثير من المعلّقين على الفيديو، هو عائلةٌ شيعية لبنانية تعتدي على طفل سُني سوري.

من المتوقع في ظل الأوضاع الراهنة أن تندرج الحوادث التي تخرج إلى العلن في سوق الإتهامات الطائفية والمذهبية. وليس تمويهاً لهوية المحرضين للطفل عباس وأهله، لكن المقطع المصور يُرد ميديوياً واجتماعياً إلى ظاهرتين شاعتا في الآونة الأخيرة في منطقتنا. الأولى هي التعذيب والإذلال لأفراد معتقلين أو أسرى، غالباً بنفس انتقامي حاقد مرافقاً للتسلية والمرح بين الجلادين. والثانية هي توثيق هذا الفعل ونشره بقصد أن يخرج إلى العلن. وإذا أردنا أن نكون أكثر دقةً، فإن مؤسسي هذه المدرسة ونجومها في الأعوام الثلاثة الماضية هم شبيحة الأسد في سوريا.

لعنة التوثيق

عباس في الفيديو كان المحقق-الجلاد، لا قلب له ولا رحمةَ في عينيه. يضرب الضحية وهو يضحك ويلهو مع أقربائه، يتوسله خالد خائفاً ضعيفاً فيزيده ضرباً. هذا يشبه إلى حد بعيد مئات المقاطع المصورة على يوتيوب التي تظهر شبيحة الأسد يعتدون على مواطنين عزّل بالضرب والإهانة. خالد أيضاً يتمثل الضحية الخائفة، يتوسل ويطلب الرحمة من دون جدوى. لكن الحقيقة التي تخفيها الكاميرا الخبيثة، فإن عباس كان يلعب، هذا ما يظهره مقطع مصور آخر لعباس وخالد، فعندما يطلب المصور من عباس ضرب خالد على وجهه، يحار عباس ذو الأيدي الصغيرة الناعمة ماذا سيفعل فنراه يضم رأس خالد إلى صدره وكأنه دميته.

إذا الفعل الثاني، التوثيق، هو الذي جعل عباس الصغير يبدو جلاداً أسدياً، وهذا على ما يبدو ما أراده منتجو الفيديو. في الحقيقة عباس لم يكن يعلم أنه يقوم بفعلٍ قبيح، عمره ووعيه لا يخولانه التمييز بين الخطأ والصواب. أولاد عمه، بحسب رواية تلفزيون الجديد، هم من وجهوه، وضعوا في يده العصا، أرغموا خالد على الرضوخ، وطلبوا من عباس أن يضربه، أن يلعب، وأن يكون رجلاً.

بحسب ما تقول الرواية فإن عباس المعنِّف وخالد المعنًّف طفلان يقطنان حي الرمل العالي في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تم الاعتداء على خالد من قبل عباس بتشجيع أولاد عمه وتوثيقهم بغياب الأهل. هذه النسخة الأخيرة من الرواية روجتها قناة الجديد من خلال مقابلة مع أهل الطفلين. والد عباس، أحمد الطفيلي، ظهر غير مبال بما حدث. بنظره فإنهم مجموعة أولاد يتضاربون ولا يستحق الموضوع أن يأخذ أبعاداً طائفيةً. نافياً وجوده في مكان الحادثة، والد عباس لا يظهر كلمة اعتذار واحدة لخالد أو لأهله، أكثر ما يجده مناسباً، رغم إلحاح المراسلة، أن يعبر عن شفقته على خالد ويحمل والده المسؤولية.

ضحية مطلقة

خالد الطفل السوري، تقول أمه لتلفزيون الجديد أنها أخرجته من المدرسة بسبب تعرضه للتمييز. يعمل لدى الخضرجي في الحي المكتظ سكانياً حيث يعمل والده أيضاً لدى أسرة عباس. هو ضحية مطلقة، رغم تعنيفه والتنكيل به نفسياً من قبل عائلة عباس، فإن أهله قاموا بتعنيفه أيضاً عندما سمعوا بالخبر. تبرر الأم أنه “طاش حجرها” عندما سمعت الخبر. لكن استكمال التنكيل بخالد يأتي لاحقاً، عندما تقرر مراسلة تلفزيون الجديد أن تضع المايك أمامه لتسأله عمّا حصل.

عباس وخالد كانا موجودين في تغطية الجديد، عباس قرب والده الذي بدا مرتاحاً ومتفلتاً من أي مسؤولية، وخالد يختبئ خلف أمه التي تدفعه نحو الكاميرا ليتكلم. خالد ما زال خائفاً، تشده المراسلة من يده ليقف أمام الكاميرا وتسأله عمّا حدث عندما كان “يلعب مع عباس”. خالد لم يكن يلعب مع عباس، لذلك لا يجيب المراسلة وتلقنه أمه الكلام، ومن ثم يظهر عباس ليقبل خالد، بمشهد يتفوق على المصالحات الوطنية في التلفزيون السوري.

خالد يتقاضى ثلاثة آلاف ليرة لبنانية يومياً، لا يذهب إلى المدرسة، يضربه أولاد الحي ويصورونه ويسخرون منه، يضربه خاله عقاباً له، ومن ثم يُصادر حقه في التعبير عن وجعه. عباس طفلٌ أريد له أن يتعلّم العنف والتعذيب في عمر السنتين، وأن يصبح رجلاً قوياً، يضرب من دون رحمة، ويحمل السلاح في وجه الأعداء. خالد طفلٌ سوري نازح في لبنان، عباس طفلٌ لبناني رهينة منظومة تقدّس العُنف، في لبنان.

المدن

 

 

الطفلان عباس وخالد: الجريمة الكاملة/ عمر قدور

خلال ساعات قفز عدد مشاهدي “يوتيوب” تعنيف الطفل السوري خالد، من قبل عائلة لبنانية باستخدام ابنها الصغير عباس، إلى ما يزيد عن المليون. البعض على مواقع التواصل الاجتماعي أعلن أنه لم يستطع إكمال التسجيل القصير، والبعض الآخر رفض مسبقاً مشاهدته، والسبب في الحالتين هول الجريمة المرتكبة في حق الطفولة، مع أن ما يُرتكب من جرائم في حقها (في سوريا خاصة) بات من مألوف الأخبار. ما يجعل الجريمة مختلفة هذه المرة أن منفّذها ليس شبيحاً من شبيحة النظام السوري أو “داعش”، وأن أداة التنفيذ طفل آخر، مع احتفاظ التسجيل برمزيته لجهة نقل الصراع المذهبي من أمراء “داعش” الإيرانيين وصولاً إلى عائلة الطفل عباس.

بعد سنوات، إذا رأينا الطفلين عباس وخالد يحملان السلاح، أحدهما في “داعش” الشيعي والثاني في نظيره السنّي، سيكون التسجيل قد حظي بنهايته المتوقعة، وسنقول إن نبوءة الكثيرين قد تحققت حيال المآل الموعود. الأم التي تقهقه في التسجيل فرحة بضربات ابنها عباس للطفل خالد، لا يُستبعد أن تزغرد احتفالاً باستشهاده بعد سنوات، قائلة إنه فدا لصرماية من يكون حينها سيداً لها. لكن لندع التنبؤات البعيدة جانباً، فابنها الآخر الأكبر، كما ظهر في التسجيل، كان متحمّساً جداً للمشاركة في ضرب الطفل خالد، ومن خلال مروره السريع أمام الكاميرا نخمّن أن عمره يؤهله في وقت قريب لينخرط في ميليشيا تسعد بأمثاله وبالتربية المسبقة التي نالوها في بيوتهم. الابن الأكبر، الذي يزجره أبواه عن مساعدة أخيه في الضرب، هو دليل نجاحهما في ما يتوخيانه من عباس الصغير.

“بإجرك.. ع بطنو.. ع وجو.. بوكس ع وجو..” يقول الأب، بينما تُسمع ضحكات الأم، الضحكات التي تُنسينا أنها أم، وأن لها كأم أولوية الإحساس بالطفل المعنَّف، مثلما لها أولوية الإحساس بطفلها الذي يتعرّض لتعنيف من نوع آخر، لا أن تمارس مع ذكور العائلة العنف كأنه رياضة مسلّية. سيصعب علينا هنا استبعاد المؤثرات التي تدفع المرأة إلى تلبّس موقع النمط الذكوري في أشد تجلياته عنفاً ووحشية. ففيما عدا سعادتها بتمرين ابنها على أن يصبح ذكراً مُشبعاً بالعنف لا يمكن بسهولة استبعاد العامل المذهبي الذي يستلبها، وإذا كان الذكور عموماً هم من يقوم بدور “حرّاس الطوائف” فهي لا تستثني نفسها من هذه المهمة إذ تبدي فرحها بانضمام ابنها إليهم. هنا تُمتحن قدرة العصب الطائفي على مجافاة ما يُعتقد أنه طبيعي، لبنانية العائلة ليست بذات شأن على هذا الصعيد، هي لا تكاد تُرى أمام رمزية اسمَي الطفلين.

تواترت الأخبار سريعاً، بعد انتشار التسجيل، حول ملاحقة أو اعتقال والد الطفل عباس، وأيضاً حول حمايته من قبل ميليشيات لبنانية معروفة، وأيضاً ثمة أخبار تفيد بأن مؤسسة لبنانية ستقوم باتخاذ صفة الادّعاء الشخصي في حق الجناة، حتى لا يتم الالتفاف على والدة الطفل الضحية والضغط عليها للتنازل عن حقها الشخصي. إلا أن والدة الطفل عباس لا تظهر في الأخبار، بصفتها مشاركة فاعلة في جرم التعنيف المزدوج، كما أن السير في هذا المنحى القانوني الضيق يحيل الأمر برمته إلى اعتداء شبه عادي من قبل عائلة على طفل لعائلة أخرى. هذا المسلك القانوني، وإن كان ضرورياً، إلا أنه يهمل تماماً الحق العام، والحق الشخصي للطفل عباس الذي يتضح من خلال التسجيل عدم أهلية أهله لصيانته والدفاع عنه.

لا يكفي في هذا الصدد القول بأن الطفل عباس تعرض للتعنيف بدوره، ما لم يقترن هذا القول بإقامة دعوى الحق الشخصي والحق العام نيابة عنه، من قبل جهة تُعنى بحقوق الطفل. قد تكون عائلة عباس محمية حقاً من قبل جهة حزبية معروفة، وقد تتنازل الأخيرة بسبب الفضيحة المدوية عن جزء من حمايتها بالسماح بمحاكمة والد عباس على جرم تعنيف الطفل خالد، غير أن الامتحان الأكبر هو مقاضاة والد عباس ووالدته على جرمهما في حق ابنهما. المسألة شديدة الوضوح والسطوع على هذا الصعيد، فهذان الأبوان غير مؤهلين لتربية ابنهما، بموجب ما ظهر في التسجيل، وأيضاً بموجب السلوك العدواني الذي أبداه ابنهما الأكبر في التسجيل نفسه. حماية عباس، وحماية الآخرين منه لاحقاً، تقتضيان تجريد أبويه من حقهما في الوصاية عليه، ولو مؤقتاً حتى يثبتا قدرتهما على تربيته بشكل سليم. طبعاً ليس من المتوقع حدوث ذلك، لأن الجهة التي يُفترض أنها تحمي العائلة قد وقفت في وقت سابق، أسوة بمثيلات لها، ضد قانون في البرلمان يتصدى للعنف المنزلي. لن يكون مهماً حقاً أن يُحاكم والد عباس، وحتى أن ينال حكماً بالسجن، فالأهم بالنسبة إلى التركيبة السياسية والاجتماعية أن الطفل عباس سيبقى تحت وصايتها، ولن يكون صعباً العثورُ له على دريئة يتدرب عليها، دريئة لا تثير ما سبق من الفضائح.

التسجيل، فضلاً عن فظاعته، يشير إلى جريمة كاملة متعددة الاتجاهات، عدم التصدي التام لها وإبقاؤها في حيز مختزل لجانٍ ومجنيٍّ عليه لن يُنصف المجني عليه ما دام ذلك سيسمح بتنشئة جناة جدد.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى