صفحات العالم

إسرائيل بين نارين: بقاء الأسد أو سيادة الفوضى


يحيى دبوق

للوهلة الأولى، تبدو تصريحات بعض القادة الإسرائيليين حيال مستقبل الوضع في سوريا، متعارضة مع الموقف الإسرائيلي الفعلي. التدقيق في المواقف التي صدرت وتصدر عن عدد من هؤلاء، طوال الأشهر الماضية، يشير إلى أنها تعكس استخلاصات عدة توصلت إليها مناقشات المؤسسة الإسرائيلية، وهي واقعاً يُكمل بعضها بعضاً. موقف يتحدث عن «نعمة» سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وآخر يتحدث عن «قلق شديد» لإمكانات الفوضى بعد سقوطه، أي إنها نعمة ممزوجة بقلق شديد. قبل أيام، رأى وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في سقوط نظام الأسد، «نعمة على إسرائيل والمنطقة». ويوم أمس، استكمل قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، اللواء يائير غولان، موقف تل أبيب من واقع «ما بعد النعمة»، والساعة التي تلي «انهيار النظام وسيناريو سيادة الفوضى في سوريا»، مشيراً إلى أن هذا السيناريو يقلق الجيش الإسرائيلي، وقد «يمكّن حزب الله وجهات راديكالية أخرى من السيطرة على سلاح الجيش السوري، التقليدي وغير التقليدي».

حديث غولان ورد في سياق مقابلة أجرتها معه مراسلة مجلة «ديفنس نيوز» الأميركية في تل أبيب، بربرا روم، تُنشر في العدد المقبل من المجلة الشهرية. ورأى غولان أنه «يوجد خطر حقيقي (في هذا السيناريو)؛ إذ في ظل انهيار (النظام في دمشق) فإن مخازن السلاح المتطور لدى سوريا، بما في ذلك صواريخ أرض بحر، ومنظومات دفاع جوي، وصواريخ باليستية متنوعة، يمكن أن تصل إلى أيدي حزب الله، وجهات راديكالية أخرى». ولفت إلى أن الحدود بين إسرائيل وسوريا هادئة، «بل هي الأكثر استقراراً بين حدود الدول الأخرى مع إسرائيل، رغم التحالف الاستراتيجي بين إيران وسوريا، والدعم النشط الذي تقدمه سوريا لحزب الله، والمأوى الذي تمنحه للمنظمات الإرهابية الفلسطينية». لكنه أكد، في المقابل، الهاجس الأساسي لدى الجيش الإسرائيلي، بأنه «إذا انتقلت السيطرة إلى جهات أخرى غير مسؤولة، وعلى رأسها حزب الله، فإن الوضع سيكون مقلقاً جداً».

وعن إمكان أن يحوّل الأسد جزءاً من سلاحه إلى حزب الله، قال غولان إن «هذا السيناريو غير مهم وغير أساسي، سواء نقلت سوريا بإرادتها السلاح إلى حزب الله، أو سرق الحزب مخازن السلاح السوري، أو سيطرت جهات أخرى عسكرية معارضة للأسد على جزء من هذا السلاح، فإن النتيجة في كل هذه السيناريوات خطرة جداً»، مضيفاً أن «حزب الله سيخرج في هذه الحالة رابحاً، جراء التعاظم الهائل لقدراته العسكرية، وبالتالي ستزداد ثقته بنفسه، إلى حد يتيح له خرق نظام الردع القائم معنا».

وقارن غولان بين ما يحدث في سوريا والفوضى التي سادت في ليبيا قبل سقوط نظام (الزعيم المخلوع معمر) القذافي؛ إذ «بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، سُرق عدد من الصواريخ المضادة للطائرات وأخرى ضد الدروع من مخازن السلاح الليبية، ونقلت إلى غزة عبر شبه جزيرة سيناء»، مضيفاً أنه «ليس لدى الجيش الإسرائيلي معلومات أكيدة عن الجهة التي ستسيطر على سوريا بعد سقوط الأسد». وقال: «هناك جهات عدة معارضة للنظام، لكنها لن تنجح في السيطرة على الدولة في اليوم الذي يلي السقوط». وعرض مجموعة سيناريوات محتملة لفترة «ما بعد الأسد»، منها أن «يقيم الحرس القديم في النظام الحالي سلطة مغايرة لتلك المجموعات المعارضة لنظام الأسد، وهو واقع محتمل سيبطئ سيناريو آخر، يكون فيه مركز الثقل السلطوي خارج سوريا، رغم أن الحكم يكون بأيد سورية موجودة في الداخل».

مع ذلك، أكد غولان أن «احتمال أن يبادر الحرس القديم إلى تولي السلطة ليس كبيراً، كذلك فإن الاحتمال ضئيل بنشوء حكم موال للخارج؛ إذ إن المسألة ترتبط بمنظمات ما زالت غير متبلورة». واستدرك بأنه «واقع يصعب معه التقدير، والسوريون أنفسهم لا يعرفون ما سيحدث». وأشار في المقابل إلى أن «هناك أمراً واضحاً، يتمثل في أنه إلى أن تقوم سلطة مركزية مسؤولة في دمشق، فإن الجيش الإسرائيلي سيبقى في حال من الجهوزية والاستنفار العالي بشأن إمكان تصاعد التهديدات ضد إسرائيل».

وأسهب غولان في شرح الخطر المقدر إسرائيلياً لمرحلة ما بعد سقوط النظام في سوريا، وسيطرة الفوضى في هذا البلد، مشيراً إلى أن «التجربة علمتنا في إسرائيل شيئاً واحداً، أنه في كل مكان تضعف فيه السلطة المركزية، وحيث السيطرة والحكم ليسا واضحين في أيدي القوات المسلحة الرسمية، فإن النتيجة هي نمو مطّرد للإرهاب». وتابع: «عندما ينمو الإرهاب في الأراضي السورية، فلا شك لدينا في أن الجميع قادرون على تشخيص الجهة التي سيُوجَّه هذا الإرهاب إليها»، وهي إسرائيل.

وعن الاستعدادات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لمواجهة «السيناريوات المقلقة»، قال غولان إن «إمكان حصول صراعات داخلية في سوريا، وكذلك نمو الإرهاب فيها، يفرضان على الجيش الإسرائيلي أن يدرس جيداً، ومن جديد، العقيدة التي حكمت أفعاله وردود أفعاله طوال عشرات السنين الماضية، والتي نصت تحديداً على أن سوريا ولبنان هما جبهتان في ساحة واحدة»، مشيراً إلى أن «إسرائيل على وشك أن ترى عملية تفكك هائلة للدولة السورية، إلى حد يدفع باتجاه تغيير نظرية الجبهتين القائمتين في ساحة واحدة، هي الجبهة الشمالية، أي واقع جبهتين منفصلتين بالفعل، من دون أي علاقة بينهما».

يذكر أن مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أكد في دراسة صدرت أخيراً بعنوان «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل ـــــ 2011»، أن سوريا نجحت في تطوير صاروخ باليستي من طراز M 600، وابتاعت صواريخ أرض جو من طراز ستارليت وبانتسير S1، وأقامت منظومة حماية للسواحل مزودة بصواريخ خارقة لجدار الصوت من طراز ياخونت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى