صفحات العالم

سورية الإصلاح.. أم القوة؟

 


طارق الحميد

يتردد أن هناك توجهين في دمشق يصارع كلاهما الآخر، حول كيفية التعامل مع الأحداث السورية الراهنة، بعد خروج موجة المظاهرات في عدة مدن؛ فطرف يرى أن ساعة الإصلاح قد حانت ولا مفر منها، بينما يرى الطرف الآخر أن استخدام مزيد من القوة لقمع المظاهرات هو الأجدى، فأيهما سينجح في الحالة السورية؟

المؤكد أن القمع قد يشتري للنظام، أي نظام، مزيدا من الوقت، لكنه لن يؤدي به للنجاة. وأبسط مثال، بل قل أمثلة، عراق صدام حسين، ومعمر القذافي، حيث استنفدا الحيل، وكل الأساليب القمعية، لكن لحظة التغيير قد حانت، وبقسوة توازي قسوتهما. فهل يمكن لدمشق أن تستمر في محاكمة كاتب صحافي، مثلا، بتهمة «وهن نفسية الأمة»، كما فعلت قبل فترة قصيرة، أو أن تقوم بسجن طفلة عمرها 15 عاما، كما حدث قبل أسابيع بتهمة تهديد الأمن القومي؟ أمر لا يستقيم في ظل متغيرات حقيقية حدثت في المنطقة، وأيا كانت نتائجها، سواء سلبا أو إيجابا، فالتغيير قد وقع في منطقتنا فعليا.

ففي حال أصبحت مصر ديمقراطية حقيقية، أو لا، وإن كان النجاح المصري الأولي سيتحقق في حال نجحت التجربة المصرية في ضمان تحديد فترة ولاية الرئيس فعليا، والأمر نفسه في ليبيا، وتونس، ودول أخرى، فهل يستطيع النظام السوري بعد كل ذلك البقاء وحيدا في مرحلة اللاتحرك، أو الجمود؟ بالطبع لا.. فما حدث في سورية يقول الكثير، حيث أسقط السوريون شعارات طال ترديدها.. أسقط السوريون شعار أن البلد مشغولة بالمقاومة، وعلقوا الجرس حول خطورة التلاعب بملفات الأقلية والأكثرية والطائفية، وذكر السوريون العالم بأنهم مثل المصريين ملوا من قانون الطوارئ الأقدم في المنطقة، وأشياء أخرى.

ولذا، فإن سير الأحداث اليوم بمنطقتنا، وسورية ليست بمعزل عنها، يقول إنه ليس أمام دمشق إلا المزيد من الإصلاحات، وفي التوقيت المناسب، لكي لا تأتي بعد فوات الأوان، ويرتفع سقف مطالب المعارضة لما هو أصعب وأقسى، فقد آن الأوان لتلتفت دمشق لشأنها الداخلي أكثر وتعمل جديا على توفير حلول حاسمة لقضايا الأحزاب، وتداول السلطة؛ فالجمهورية تظل جمهورية، ولا حل سحريا لهذا المأزق.

وبكل تأكيد، فإن ما أعلن عنه من قرارات في سورية ستتخذ، أو اتخذت، من إلغاء قانون الطوارئ، وقانون جديد للإعلام، وإقالة للحكومة، وخلافه، كلها تعد قرارات مهمة، وحيوية، بالمقاييس السورية. لكن السؤال هو: هل هذا يكفي؟ أم لا بد من مواصلة الإصلاح، واتخاذ خطوات جذرية؟ أعتقد أن سير الأحداث يقول إنه لا حل إلا بالإصلاح، فالجمود يؤدي إلى الموت. وعليه، فإن دمشق اليوم أمام لحظة حاسمة تتطلب التفكير جديا في نهجها الداخلي والخارجي.. فاليوم غير الأمس، وغدا قد يكون أصعب بكثير، خصوصا أن حاجز الخوف لم ينكسر في سورية وحدها، لنكون منصفين، بل في كل المنطقة العربية. وكلنا يعلم أن العنف يؤدي إلى مزيد من العنف، وبالتالي فلا حلول سحرية غير الإصلاح الحقيقي.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى