صفحات سورية

المشهد السوري.. ليست حربا مقدسة

يحيى الأوس
يُصنع المشهد السوري اليوم بعدسات أجهزة الهاتف المحمول، ليس تلك الموجودة بأيدي المتظاهرين الذين يغامرون بحياتهم أو اعتقالهم في حال كشف أمرهم، وإنما بهواتف الجنود النظاميين أيضاً، فهؤلاء يوفرون بقصد أو بغير قصد مادة تفوق بأهميتها ما تأتي به كاميرات المتظاهرين أحياناً، ولا نبالغ إذا قلنا بان أفظع مقاطع الفيديو التي وصلت للرأي العام كانت مسربة من عناصر في قوات الأمن السورية أو من عناصر من الجيش النظامي، وأنها قد ساهمت إلى حد بعيد في تأجيج الرأي العام المحلي والعربي والدولي ضد النظام السوري عندما تصدرت هذه المقاطع الهمجية والمهينة شاشات أبرز المحطات الفضائية فأظهرت جنودا سوريين باللباس العسكري يقومون بتجريد متظاهرين من ملابسهم وجرهم كالحيوانات أو عناصر أمنية يدوسون فوق ظهور مواطنين عزل ويجبرونهم على ترديد عبارات التأييد للنظام أو آخرين يطلقون النار نحو المناطق المأهولة من على ظهور دبابات.
وإذا كنا نتفهم دوافع المتظاهرين للمغامرة بأرواحهم في سبيل التقاط صورة أو مقطع فيديو يوثق لنضالهم ويكسر الحصار الإعلامي المضروب عليهم، فإن ما يكشف مضمونه بأنه آت من جندي نظامي أو عنصر أمن، يضعنا أمام مسألة خطيرة وهي أن هؤلاء الجنود عندما يقومون بتصوير أنفسهم أثناء الاقتحامات أو العمليات التي يخوضونها، فإنهم يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم يخوضون ‘حرباً مقدسة’ لا بد من توثيقها، وان هناك من يدفعهم نحو هذا الاعتقاد و يعزز لديهم الشعور بأن هذه الحرب هي واجب مقدس، بما يقطع الطريق على أي شعور محتمل بالندم أو مراجعة النفس خشية أن يوصمون بالخيانة أو التخاذل، عندها يصبح المضي في هذه ‘الحرب المقدسة’ خيارا وحيدا بالنسبة لهؤلاء.
وإن لم يكن الأمر كذلك فما الذي يدفعهم إذاً لأخذ ‘تذكارات’ لهم فوق جثث أبناء جلدتهم من السوريين وفوق أنقاض المدن المدمرة التي يدخلون إليها وكأنهم جيش الفتح، ومن ثم يسربونها لاحقاً وهم يعلمون بأنها قد تجلب عليهم الانتقام أو قـــد تتسبب في موتهم أو محاكمتهم لاحقاً؟. الأمر الذي يعزز أفكار من يعتقدون بأن وصول بعض هذه المقاطع هو عملية مقصودة هدفها توجيه رسالة تهديد إلى المتظاهرين بأن مصيركم سيكون كذلك، من دون إهمال فرضية انتقال هذه المقاطع بالخطأ أو المصادفة.
على الجهة الأخرى يدرك آخرون منهم مدى الخزي الذي يجلل مهماتهم فيلجأون إلى التخفي وإخفاء الوجوه خوفاً من العار الذي سيلاحقهم؟.
ليست حرباً مقدسة تلك التي يقتل فيها السوريون بعضهم، ليست حربا مقدسة تلك التي تأتي على 7000 سوري ـ حتى الآن ـ وتخلف آلاف المهجرين والمصابين والمعتقلين ايا كان من يخوضها وباي طريقة كانت، وغداً عندما تعود الحياة إلى طبيعتها لن يبقى في ذاكرة جميع الذين تلوثت اياديهم بالــــدم ما يدعوهم للفخر أو استذكار ما فعلوه، بل على العكس ستـــثقل ذاكرتهم المآسي التي اقترفوها بأيديهم وسيتحول ما كانوا يعتقدون بأنها بطولات إلى آثام وجرائم حتى في نظر أقرب الناس إليهم.
لقد انتهى زمن الحروب المقدسة منذ أمد بعيد، ولن يتمكن أحد من إيقاظها، وإذا كان هناك من حرب تستحق الإشادة فهي الحرب الأخلاقية للشرفاء الذين يرفضون أن يقتل الأخ أخيه من أجل معركة قذرة.
‘ إعلامي سوري
القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى