صفحات سورية

سورية: تسويات أم تطهير؟/ ناصر الحجازي

 

 

ما برح الساسة الغربيون ينعتون الثورة السورية بالأزمة، أو الحرب الأهلية، أو الحرب في سورية، وهي نعوت تطلق بغرض التهرّب من المواجهة الأخلاقية والقانونية للتوصيف الدقيق لما يجري في سورية، وهو ثورة شعبية طالبت بالحرية والتحرّر من نظام الإبادة الذي تجاوز الدكتاتورية بكثير.

ولم تكن صور المخرَجين من أرضهم وديارهم من داريا، بإشرافٍ دولي، ومن قبله أهالي مضايا والزبداني، إلا أبشع صور التطهير في العصر الحديث، بعد أن طبق أنصار بشار الأسد شعارهم “الأسد أو نحرق البلد”، وقذفوا، بصواريخهم وقنابل الطيران والمدفعية والبراميل المتفجرة، في شبه مسلسل يومي، لتكون حلقته الجديدة، اخيراً، نقل من تبقى من الأحياء والثوار خارج سكناهم ومناطقهم، فإذا لم يكن هذا تطهيراً، فما التطهير إذن؟

درج مصطلح التطهير العرقي في تقرير للأمم المتحدة، تناول الأزمة اليوغسلافية عام 1992، وتم تحديد ثلاثة عناصر لضبط المفهوم: الهوية الإثنية للمجموعة المستهدفة، والترحيل القسري، وضم الأراضي التاريخية للمجموعة المُرحّلة. وقد تم ضبط التعريف ليكون التطهير العرقي هو إيجاد حيز جغرافي متجانس عرقياً، بإخلائه من مجموعة عرقية معينة، باستخدام السلاح، أو التخويف، أو الترحيل القسري، أو الاضطهاد، أو طمس الهوية الثقافية واللغوية، عبر القضاء عليها نهائيا أو تذويبها في المحيط الإثني الذي يُراد له أن يسود.

ويلاحظ، بهذا التعريف، أن هذا الشرط قد حضر ليس مع قيام الثورة السورية فحسب، بل يمتد إلى أحداث حماة عام 1982 وانتفاضة الكرد 2004 في الجزيرة السورية، إلا أن الأمر مع أحداث الثورة السورية لا يخلو من أي لبسٍ، يبرّر التوصيفات الغربية لما يجري في سورية، من استباحة الأغلبية السنية، وتهجيرها بقوة السلاح والطائرات والبراميل المتفجرة، وقصف المساكن، وجعل المدن خاليةً من أهاليها، أقول لا يبرر نعتها ما يجري بكلمة: قد ترتقي إلى جريمة حرب، فهذه (قد) الاحتمالية التي يستعملها الساسة الغربيون تجعل الأسد وحلفاءه في حلٍّ من استباحة البقية الباقية من المدن السورية.

تهجير قرى ريف اللاذقية في جبلي الكرد والتركمان، وهدم منازلهم وحرقها، بعد التمهيد المدفعي والصاروخي، وصولا إلى ريف إدلب، وقبلها حمص، حيث نزحت الغالبية السنية من المدينة، وبقي جزء منها في حي صغير، واستهدف مسجدها التاريخي، وتم تهجير أهالي القصير. ومع ما يحدث اليوم من انزياح كتل بشرية من أمكنتها التاريخية، هو أبشع أشكال (وصور) التطهير والإبادة الجماعية في القرن الواحد والعشرين.

التطهير العرقي والديني الذي يمارسه النظام السوري، وحلفاؤه، بطريقةٍ خفيةٍ وذكيةٍ، لا تثير مجلس الأمن الدولي، ما يجعلنا نجزم بانهيار المنظومة الأخلاقية العالمية، وتهاوي شعارات حقوق الإنسان، ما يعني مستقبلاً أكثر دمويةً، مليئا بالثارات والانتقامات، في غياب المجتمع الدولي الذي تحول إلى مراقبٍ للصراعات، ومدير لها، بدل أن يلجم المجرمين الدوليين عن جرائمهم بحق شعوبهم.

أحداث الثورة السورية المتعاقبة، وما يجري من إخضاع وطن كامل لأكثر من محتل أجنبي، واعتقال عشرات الآلاف، ومقتل مئات الآلاف، وتهجير ملايين وترحيلهم وتطهيرهم، يضع هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن التابع لها، أمام اختبارٍ عسير، قد تتهاوى معه آخر إبداعات العقل السياسي في العصر الحديث، باعتبار أن المقصد الرئيسي من المؤسستين قام، بالأساس، على إنهاء الحروب والصراعات، وتحقيق العدالة الدولية ونشر السلام.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى