صفحات العالم

سورية: ‘حتى أنت يا علي كرتي؟’


د. عبدالوهاب الأفندي

(1) تناقلت الأنباء أن سفير سورية لدى الجامعة العربية، الذي فقد أعصابه بعد قرار الجامعة شبه الإجماعي تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة، وأوسع القادة العرب شتماً، خص الوزير السوداني علي كرتي بقسط خاص من الهجوم، حيث استغرب وقوف السودان ضد سورية رغم أن سورية وقفت مع السودان في قضايا دارفور والمحكمة الجنائية والجنوب وغيرها. وكرر أن الرئيس السوري دافع عن السودان في قمة الدوحة عام 2009 أكثر من دفاع الرئيس السوداني، وأن سفراء سورية كانوا دائماً أشد دفاعاً عن السودان من سفرائه.

(2)

أوردت بعض المصادر كذلك أن تغيير موقف السودان، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس السوداني عقب زيارة نائب وزير الخارجية السوري إلى الخرطوم الشهر الماضي عن تعرض سورية لمؤامرة، وأن إضعافها هدية لأعداء الأمة، جاء نتيجة لضغوط قطرية. ولكن يبدو أن ما أغضب سورية أكثر هو ما أشيع من أن السودان أقنع كلاً من الصومال وموريتانيا بالتصويت لصالح قرار التجميد. ولكن الأرجح أن تغيير القرار السوداني جاء نتيجة لضغوط داخلية، حيث سيرت مظاهرات ضد تصريحات الرئيس، وأصدر بعض العلماء فتاوى ضد دعم النظام السوري.

(3)

وزير الخارجية السوداني علي كرتي رد على السفير السوري مذكراً بأن كل الدول العربية وقفت ضد سورية، فلماذا التركيز على السودان؟ وفي تصريحات أصدرها بعد عودته إلى الخرطوم، أضاف كرتي ‘ن السودان ‘ما يزال يحفظ لسورية موقفها تجاه قضية المحكمة الجنائية الدولية وأنه يأمل في أن تتعافى سورية من أزمتها من أجل دعم قضايا السودان والعرب.’ وقال إن قرارات الجامعة اتخذت لصالح سورية، وأن السودان هو الذي دفع بإعطاء المهلة لسورية.

(4)

العتب السوري الخاص على السودان له دلالاته العميقة، لأنه يركز الضوء على فهم الأنظمة العربية للجامعة العربية باعتبارها ساحة تضامن للدكتاتوريات وناديا خاصا للحكام المستبدين. ووجه الغرابة في الأمر أن الاستبداد وحد بين الأنظمة على اختلاف أيديولوجياتها. فنظام الأسد في سورية ليس نظاماً علمانياً فحسب، بل هو أشد النظام عداءً للإسلام والإسلاميين. ففي سورية هناك قانون يحكم بالإعدام على أي عضو في حركة الإخوان المسلمين، وهو قانون طبق ويطبق بأثر رجعي. أي أن الاستقالة من الحركة بعد صدور القانون لا تنقذ العضو من الحكم. ومع ذلك فإن هناك مودة لا مثيل لها لنظام الأسد مع نظام البشير المجاهر بتوجهاته الإسلامية.

(5)

في آخر تصريحاته، حاول بشار الأسد أن يلعب لعبة القذافي ويعلن نفسه سداً منيعاً ضد ‘التطرف الإسلامي’، مسمياً حركة الإخوان المسلمين بالإسم بأنها العدو الأبدي. نسي الأسد في غمرة ‘خطرفاته’ تلك أن الغرب تجاوز هذه المرحلة، وقبل بالحركات الإسلامية ودورها في عصر ما بعد الثورات العربية. نسي كذلك أنه يستضيف في عقر داره أكثر الحركات الإسلامية ‘تطرفاً’ عند الغرب، ألا وهي حماس وحزب الله.

(6)

يتناقض هذا كذلك مع دعاوى السفير بأنه يدعم النظام السوداني أكثر من قادته وسفرائه، وهي دعوى لا تخلو من صحة. ولكنا يجب أن نذكر أن النظام السوداني كان أيضاً على علاقة مودة كبيرة بنظام صدام حسين، وكذلك بالنظام الإيراني وبنظام القذافي ونظام علي عبدالله صالح. وقد كان بين هذه الأنظمة ولايزال بين من بقي منها- تناصح وتواد حول أساليب البقاء رغم إرادة الشعوب. فقد كان نظام الأسد يمحض نظام البشير النصح عن أفضل أساليب قمع المعارضة وأكثرها فاعلية. وقد اعترفت حكومة البشير بأنها قد أرسلت للنظام السوري نصائح مخلصة تساعده على الخروج من ورطته.

(7)

يتضح من هذا أن دين الأنظمة العربية الاستبدادية وعقيدتها أصبحت تتلخص في عقيدة البقاء والاستمرار. ولكن لنفس هذا السبب فإنها تسارع بالتخلي عن أي نظام يصبح عبئاً عليها بدلاً من تحوله إلى نصير. وهكذا تنكروا للقذافي ثم لمبارك وبن علي والآن بشار. وعليه يجب ألا يستغرب بشار ان تخلى عنه الجميع بعد أن أصبح ضرره أكثر من نفعه. ولعل بذاءات سفيره وإعلامه وشبيحته قد تكون كذلك أكثر ضرراً به، لأنه قد يحتاج قريباً إلى ملاذ آمن عند من يشتمهم اليوم. وقد كان خطأ القذافي في السابق إساءاته المتكررة لزملائه في نادي الطغاة، وهم قوم لا ينسون أحقادهم بسهولة.

(8)

من الواضح أن هناك مراجعات أصبحت ضرورية لـ ‘بروتوكول نادي الطغاة’، خاصة في ضوء الظروف الحالية التي يعطي فيها البعض الدواء وهو عليل. فدول الخليج، ومنها البحرين (والآن الكويت) تقدم النصائح لسورية للرفق بشعبها الثائر، ولكنها تأمر الناس بالبر وتنسى نفسها. ومن غير المعروف بل من المعروف- كيف ستتصرف إذا وجدت نفسها في موقف الأسد. ونصيحتنا لهذه الأنظمة بأن تسارع بتطبيق نصائحها على نفسها قبل أن تبلغ الحلقوم، ويغلق باب التوبة.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى