صفحات الثقافة

سورية: فنانو السلطة وفنانو الشعب

 


ممثلون يطالبون بتمديد قانون الطوارئ… واغنية ‘يا حيف’ لسميح شقير صارت بيانا للثورة

د. أحمد موفق زيدان

لم يتعلم على ما يبدو كثير من الفنانين السوريين من التجربة والدرس المصري، حين وقف بعض أعمدة الفن المصري في صف الاستبداد والحكم الفردي التسلطي وقمع الشعوب وحالة الطوارئ وغيرها من الأساليب القامعة للشعوب، في مواجهة الشعب المصري الذي خرج ضد نظام حسني مبارك.

اليوم السيناريو نفسه في سورية يتكرر؛ فقد اختار بعض الفنانين المحبوبين للسوريين والعرب صف الاستبداد والاستخبارات، وراحوا يلوكون الدعايات الأمنية والحكومية السورية بحق من تحدى القمع السوري طوال خمسين عاما تقريبا..

لا أدري كيف ستكون الدراما السورية في رمضان المقبل، ولا أدري كيف ستكون صورة بعض الفنانين الذين دعموا – للأسف- الاستبداد والحالة المزرية التي يعيشها الشعب السوري بحجة الممانعة والمقاومة، فكانوا أشبه بالببغاوات التي تردد من دون أن تعي شيئا، وكأن المقاومة والممانعة تعني قمع الشعب السوري، وقتله، في حين أول ما أطلق النظام طلقته في أحداث درعا واللاذقية، أطلقها على أهل المقاومة الحقيقيين، وهم إخواننا الفلسطينيون؛ فراح يتهم الفلسطينيين بالاندساس وسط المتظاهرين، الشعب والقضية التي اعتاش النظام عليها طوال عقود، والقضية التي تُعد الآن بمثابة المصل’والمغذي للنظام السوري المريض الذي لا تنعشه إلا شعارات فلسطين والقدس، من دون أن يفعل لها شيئا، فأمن حدود الصهاينة في الجولان منذ عام 1973، وكبح جماح أي عمل عسكري من حدوده، وهو ما دفع الصحف الاسرائيلية أخيراً إلى القول: إنها ستشتاق إلى الأسد في حال رحيله ‘..

الفنان هو ضمير الأمة، والممثل هو لسان حال الشعب وليس لسان حال السلطان، وأعتقد جازما أن كل من أيد الاستبداد في سورية ووقف ضد الحراك الشعبي السلمي السوري كتب شهادة سقوطه بنفسه لا بيد غيره.

يخرج علينا أحدهم ليهاجم الشيخ يوسف القرضاوي ويبدأ يشيد بشيوخ سورية المعروفين تماما للشعب السوري ولغيره بتملقهم للسلطان، ومع هذا كله فإن هؤلاء الفنانين تساورهم الشكوك والمخاوف من تداعيات ما يفعلونه، والدليل حديث بعضهم عن صفحة قوائم العار التي انطلقت على الفيس بوك وهي تضيف كل من يقف ويصطف مع النظام السوري ويدافع عنه ضد شعبه، فذهب بعضهم إلى مهاجمة الشباب الذي أطلق هذه الصفحة، تماما كعادة بعض السياسيين الذين يهاجمون الإعلام المعاكس لسياساتهم ومواقفهم ولا يلومون سياساتهم، والفنانون هنا عليهم أن يلوموا مواقفهم المبتعدة عن الفن الأصيل..

في مواجهة ذلك أثلج صدورنا البيان الذي وقعه ثلاثون فناناً سورياً يدعمون الحراك السلمي ويؤيدون الإصلاحات وأثلج صدرنا أكثر الفنان السوري من السويداء سميح شقير في أغنيته المؤثرة التي تحدثت عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها أهالي درعا المحتجون على القمع المتواصل منذ نصف قرن تقريباً، والأغنية التي حملت اسم ‘يا حيف’ برزت كأغنية الثورة السورية وبدأ الشباب السوري بتداولها على نطاق واسع..

الفن الحقيقي الأصيل هو الفن الملتزم بقضايا الانسان، والفنان الجيد هو الإنسان الجيد الذي يعيش قضايا أمته ووطنه، وما لم يجسد الإنسان قضايا أمته في حمايتها من عاديات الاستبداد والاستعباد ورعاية حقوق الانسان فيها، فإنه فنان مزور بعيد عن الأمة وهو ابن أو بنت السلطان. العجيب أن من تباكى من الفنانين على سورية وعبر عن خشيته من فزاعة الطائفية التي يطرحها النظام من أجل بقائه وديمومته في السلطة هؤلاء لم تذرف لهم عين دمعة على اعتقال طفلة بعمر طل الملوحي، ولم تذرف لهم دمعة على اعتقال سهير الأتاسي وتهامة معروف، ولا على اختفاء سبعة عشر ألف مفقود سوري طوال ثلاثة عقود بحسب منظمات حقوقية محايدة موثقة في سجلات الأمم المتحدة، هؤلاء لم تذرف لهم دمعة على شهداء درعا واللاذقية ولا على جرحاها، وكأن الشهداء والجرحى من أعدائهم ..

بكل صلافة وعنجهية وتحد لمشاعر درعا واللاذقية والصنمين وغيرها ممن سقط أبناؤها شهداء كان الفنانون على الفضائية السورية من دون خجل أو حياء يتباهون ويفتخرون ويدللون على خروج أو إخراج الشعب السوري عنوة إلى الشارع دعما لإصلاحات بشار التي لم تأت بعد، ولم يكن رئيس النظام قد ألقى خطابه بعد. كان الفنانون من دون خجل يرقصون على جراحات درعا واللاذقية والصنمين من دون أن تنبس شفاههم بكلمة ترحم على الشهداء، أهكذا هو الفنان ورسالته؟ الآن بت مقتنعاً بأن الفن السوري انقسم تماما بين فن ملتزم بقضايا شعبه في الحرية والتحرر والاستقلال الحقيقي، وفن مستعبد للسلطان والمخابرات والجبروت والقهر وليحدد كل فنان مكانه، ولا يزال في الوقت سعة..

 

اعلامي من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى