صفحات الثقافة

سورية لا تنتظر غودو المثقّفين…

 


بيروت – محمد الحجيري

الناظر الى الحراك الشعبي الاحتجاجي في سورية، يلاحظ أن ثمة ما يدعو إلى الحيرة والنقاش في آن، فما إن بدأت التحركات والتظاهرات حتى طُرحت أسئلة مثل: أين دور المثقف؟ أليست هذه «فرصة أدونيس» ليقول كلمته؟ كأن الوضع في سورية ينتظر موقفاً من جماعة الثقافة أو أدونيس ليتبدّل كل شيء وينزل الشعب الى الميدان وتنطلق الثورة وتصبح بلاد الشام في لحظات «الفردوس الموعود».

غريب أن تكون الأمور على هذه الصورة من الخفّة. فالحديث عن دور المثقّف فيه شيء من الخرافة وعبادة الذات والطاووسية الموروثة منذ الستينات، وزمن جان بول سارتر الذي كان يتقدّم التظاهرات وسرعان ما لاحظ أنها تخطّته ولم تعطِه أهمية.

لم يستنتج كثير من الكتاب أن دور المثقف انتهى أو تحوّل كما قضايا كثيرة في العالم، ولا يزال بعضهم يجلس في المقهى ويشعر وكأن العالم بأسره ينتظر موقفاً منه. المهم القول إن حديث بعض الكتاب عن المثقف السوري في هذه المرحلة فيه شيء من الالتباس، حتى وإن كان المثقف السوري حائراً وضائعاً بين سندان الجماهير ومطرقة السلطات.

سألت غالية قباني في جريدة «الحياة} المثقّفين السوريين: «لماذا تركتم الشعب وحيداً؟»، على منوال «لماذا تركت الحصان وحيداً؟» لمحمود درويش، أضافت: «صمتت النخبة السورية من المثقفين فبدت كأنها تتفرج على نشرة أخبار تخصّ بلداً آخر بعيداً. وحتى بعد أن ارتفعت وتيرة الاحتجاجات في درعا وأطلقت النار على المتظاهرين الذين كانوا يرددون «سلمية، سلمية»، لم يكسر الصمت الا إدانات للضحية من جانب بعض المنافقين وبعض الخائفين من تجاوز السرد الرسمي». وقالت قباني: «خان المثقفون دورهم كنخبة وكتلة مؤثرة يمكن أن يكون لها دور إيجابي في هذا الحراك إن هي وقفت مع مطالب الناس ودانت تجاوزات الأمن».

لا نريد الدفاع عن المثقّف السوري، لكن ما لم تنتبه إليه قباني أنها تعمّم وتشطح في التعميم، ففي مقابل «أبواق النظام البعثي» ثمة عشرات من الكتاب والمثقفين السوريين ذاقوا المر في السجون، وحتى الآن يتعرضون للاعتقال والقمع. مثلاً، دخل ميشال كيلو السجن بتهمة إضعاف الشعور القومي وهو أكثر عروبة من البعثيين، وبقي المخرج الراحل عمر أميرالاي طوال عمره منبوذاً من البعث ولا يزال فيلمه الشهير «طوفان في بلاد البعث» ممنوعاً حتى الآن. كذلك، سُجن ياسين الحاج صالح نحو عقدين وهو لا يزال ممنوعاً من السفر ولا يملك جواز سفر حتى… هذا غيض من فيض عن واقع المثقّفين في سورية، وحتى في لحظات الاحتجاجات اعتُقل الصحافي والكاتب فايز سارة والشاعران عامر مطر ومحمد ديبو، وبعد إعلان إنهاء حالة الطوارئ اعتُقل ناشط حقوقي. ربما كان يجب الانتباه إلى أن ممثلي الدراما السورية هم الأكثر تأثيراً في الواقع من المثقّفين، لكن إجمالاً، لوحظ أنهم على عكس الممثلين المصريين الذي دعوا الى الثورة، فهم من الموالين للنظام بحكم تعاونهما والتواطؤ في مصالحهما.

من هذا المنطلق، لا يجب المبالغة في الحديث عن صمت المثقفين، ولا المبالغة في دورهم، فشرارة الثورة التونسية لم تنطلق من كتابات المثقفين بل من جسد البوعزيزي المشتعل، وإن كان للمثقفين التونسيين دور كبير في إضفاء حالة معينة على الواقع التونسي. وكذلك شرارة التغيير في مصر لم تنطلق من روايات جمال الغيطاني أو مكاوي سعيد بل من جثّة خالد سعيد في السجن ودعوات الشاب وائل غنيم على الإنترنت، والأمر نفسه في سورية إذ لم تكن تنظيرات المثقفين هي الأساس في الشرارة بل التواصل الاجتماعي، وتعذيب أطفال درعا في مركز المخابرات السورية يشهد على ذلك، ويرجّح أن معظم المطالبين بالحرية لا يعرفون أدونيس ولا الراحل سعدالله ونوس.

الراجح أنّ إدانة صمت المثقفين فيها شيء من «الشعبوية الكتابية»، فكان يمكن لغالية قباني مثلاً أن تقول موقفها مع بعض زملائها عوض التنظير على الآخرين. والأمر الآخر، هل ينبغي تفسير الوضع القائم في سورية من منطلق دور المثقف أم أن القضية مسألة شعب وحريات ومجتمع؟ فيبدو سريالياً أن بعضهم يكتب عبارات مثل «فرصة أدونيس» ليقول كلمته في ما يجري في سورية، على رغم أن البعض اعتبر أن أدونيس قال موقفه في مداراته التي يكتبها في جريدة «الحياة»، لكن البعض الآخر ذكر أن شاعر الحداثة الأول بقي صامتاً الصمت الذي أرسته سياسة البعث على سورية. فالنافل أن أدونيس وإن كان مشهوراً بـ{باطنيته»، إلا أنه في مرات كثيرة يحدث ضجيجاً في مواقفه، من كلامه عن دور بيروت في محاضرة ألقاها في «مسرح المدينة» (بيروت)، الى قصيدته عن الخميني التي نشرها في جريدة «السفير»، الى حديثه عن انقراض العرب في محاضرة ألقاها في كردستان.

وبرأي بعض الكتاب كان يمكن لأدونيس أن يقول موقفاً في هذه المرحلة، لكنه اختار المواربة وأبدى نوعاً من القلق من تظاهرات تنطلق من المسجد. وإذا كان ثمة من سارع إلى كتابة تشبه «تمسيح الجوخ» في مدح موقفه (اللاموقف)، فالبعض الآخر كتب عنه بطريقة «لدودية»، إذا جاز التعبير، كما فعل الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي المقيم في باريس الذي قال: «هذه هي خلاصة سكوت أدونيس عمَّا يجري في بلده». الجنابي المعروف بعدائه الشديد لأدونيس من خلال كتاباته الدائمة عن انتحالاته وتنظيراته، تابع قائلا: «يخشى أدونيس من أن انتصار الشعب السوري على النظام، قد يهدم المتحف الذي يعمل على بنائه منذ سنوات ليضم كتبه وصوره»، متهماً أدونيس بـ{الطائفية» والولاء للبعث وبشار الأسد، وانتظاره من ينتصر في سورية ليقول موقفه.

باختصار، لا ينتظر الشعب السوري ولا الشعب اللبناني ولا المصري ولا غيرهم من الشعوب مواقف المثقفين أو الشعراء أو المنظرين، فثمة أمور أخرى أكثر فاعلية في الحراك الشعبي بدءاً من يوم الجمعة نفسه (الذي قد يستغله البعض لمآرب أخرى)، مروراً بالـ{يوتيوب» والفضائيات والـ{فيسبوك»، فهل يمكن لكتابات أدونيس عن «الغيوم والريح ومهيار» أن تواكب طوفان الميديا؟ وهل يمكن لمواقف الشاعر أنسي الحاج عن شاعرية صوت فيروز أن ترسّخ الوحدة الوطنية في لبنان؟ وهل قراءة محمود درويش توحّد الفلسطينيين (مع الإشارة هنا إلى أن كثيرين بالغوا في الحديث عن دور درويش في تحرير فلسطين).

الجريدة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى