صفحات العالم

سورية وتركيا: من التحالف الاستراتيجي الى القطيعة

 


رأي القدس

في غضون اقل من شهرين انتقلت العلاقات السورية التركية من التحالف الاستراتيجي المطلق الى قطيعة شبه كاملة، والسبب في ذلك التناقض الواضح في نظرة القيادة في البلدين الى الانتفاضة الشعبية المندلعة حالياً في العديد من المدن السورية للمطالبة بالاصلاحات الديمقراطية والسياسية منها خاصة.

قبل الانتفاضة، كانت العلاقات التركية السورية تمر بشهر عسل طويل، حتى بات السيد رجب طيب اردوغان الشخصية الأكثر شعبية، ليس في سورية فقط وانما في جارتها لبنان، لدرجة ان زياراته ووزير خارجيته السيد داوود اوغلو للعاصمة السورية دمشق كانت شبه شهرية، بل اكثر من زياراته لاستانبول نفسها.

فما الذي نقل العلاقات من مرحلة فتح الحدود واقامة مناطق حرة على جانبيها، والسماح لمواطني البلدين بالتنقل بالبطاقة الشخصية، وزيادة حجم التبادل التجاري بأرقام قياسية، الى توتر غير مسبوق مصحوب بحملات اعلامية شرسة من الجانب السوري على الأقل؟

السلطات السورية تريد من تركيا، والسيد اردوغان على وجه التحديد، الوقوف الى جانبها في مواجهة الانتفاضة الشعبية، لأن المشاركين فيها ينفذون اجندات خارجية تريد هز استقرار البلاد تحت عناوين الاصلاح السياسي، ولذلك شعرت بالحنق الشديد من جراء وقوف السيد اردوغان الى جانب الانتفاضة، ومساندته للاصلاحات، بل وانتقاده للرئيس بشار الاسد لعدم الاقدام على تنفيذها مبكراً لتجنب الانفجار الاحتجاجي الحالي، وبلغ الغضب الرسمي السوري ذروته عندما استضافت انقرة مؤتمراً للمعارضة السورية.

السيد اردوغان يرى ان لا خيار امامه غير الوقوف الى جانب المطالب الشعبية بالاصلاح السياسي، وكشف في اكثر من مقابلة صحافية كان آخرها يوم امس مع محطة تلفزة امريكية، انه عرض على الرئيس بشار استضافة كوادر سورية لتدريبها على كيفية الانتقال الى الحكم الديمقراطي، وادخال الاصلاحات السياسية.

صحيفة ‘الوطن’ السورية المقربة من النظام عكست الغضب الرسمي السوري في افتتاحية نشرتها في عدد امس هاجمت فيها بشراسة السيد اردوغان وحنينه الى احياء العثمانية، ولم توفر في الوقت نفسه وزير خارجيته داوود اوغلو منظر هذه العثمانية، واعادت نبش التاريخ الاستعماري التركي للدول العربية، وحملته مسؤولية التخلف الذي يعيشه العرب حاليا.

مثل هذا الهجوم غير المسبوق يعكس تحولاً في السياسات السورية تجاه الجيران، فالاعلام الرسمي السوري كان يلجأ دائماً الى الابتعاد عن مثل هذا الاسلوب بتعليمات من القيادة العليا التي تفضل ايكال هذه المهمة الى صحف او شخصيات لبنانية مقربة منها، فما الذي تغير الآن بحيث يتم التخلي عن مثل هذا التوجه الذي ميز سورية واعلامها في محيطها العربي؟

المؤكد ان القيادة السورية تعيش حالة من القلق والارتباك نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية المتعاظمة ضدها، ورجحان كفة الصقور داخلها، وهي معذورة في ذلك، ولكن النتائج قد تكون على غير ما تشتهي، والثمن ربما يكون باهظاً للغاية. فخسارة تركيا، الجارة الاقوى لسورية التي تشاركها حدوداً يزيد طولها عن ثمانمئة كيلومتر، ويمكن ان يكون لها دور مؤثر في تطورات الوضع داخل البلاد سلباً او ايجاباً.

فعندما يقول السيد اردوغان انه ينظر الى الاوضاع في سورية من منظور نظرته للاوضاع الداخلية التركية ويذهب الى درجة القول بان الاوضاع في سورية هي شأن داخلي تركي تقريباً، فان هذا يعني تحذيراً لا يجب الاستهانة به من قبل القيادة السورية.

لا نعرف رأي الدبلوماسية السورية وزعيمها وليد المعلم حول هذه المسألة بالذات، ولماذا توارت عن الانظار، فسورية هذه الايام بحاجة ماسة الى الكثير من الدبلوماسية والقليل جداً من الحلول الامنية والهجمات الاعلامية اذا ارادت ان تتجاوز أزماتها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى