صفحات العالم

سورية ومحاولة العودة للحلول

 


طارق الحميد

خطاب الرئيس السوري أمس يوحي بأن دمشق تحاول العودة مجددا إلى الحلول السياسية لمعالجة أزمتها الداخلية بدلا من الحل الأمني الذي انتهجته طوال شهر مضى، وما يعزز ذلك هو عدم استخدام النظام للعنف يوم الجمعة الماضي، وإن كان الرئيس قد هدد بالحل الأمني أمس.

خطاب الأسد أكد على أن دوائر صنع القرار بدمشق تعي أن ما يحدث في سورية ليس نتاج مؤامرة، بل مطالب شعبية، فالمؤامرة لا تستطيع إخراج 46 مدينة وقرية سورية للتظاهر يوم الجمعة الماضي، بحسب ما ذكرت صحيفة الـ«واشنطن بوست»، خصوصا أن الرئيس السوري قد أقر في خطابه بأهمية تماسك الجبهة الداخلية، وهذا يعني إقرارا، ولو متأخرا، بحقيقة المشكلات الداخلية، خصوصا أن الرئيس السوري هو صاحب عبارة «نسرع ولا نتسرع»، لكن اللافت أنه استهل خطابه بالأمس متحدثا عن أن الدول تتطور بالأيام، وأن على بلاده اللحاق بهذا الركب.

وبالتالي، فإن الواضح هو أن النظام بدمشق قد لمس أن المواجهة الأمنية ليست ذات جدوى طالما أن هناك استحقاقات شعبية لا بد من الالتفات لها، خصوصا أن التصعيد مستمر في سورية، وسقف المطالب في تصاعد مستمر، وصل حد التنديد بالنظام ككل. وعليه، فليس من الجدوى المكابرة، بل لا بد من التعامل بواقعية. وبالطبع لو كان خطاب الأسد أمس هو ذات الخطاب أمام البرلمان قبل أسبوعين تقريبا لكان له وقع أكبر، لكن اليوم ومع انكسار حاجز الخوف، وإسالة الدماء فلا شيء مضمون، خصوصا أن عدد المدن السورية التي تظاهرت، وشرائح المجتمع المشاركة في المظاهرات، يوحي بأن المحظور قد وقع بالنسبة للنظام.

ما يحدث في سورية هو تكرار للأخطاء التي ارتكبتها الدول العربية التي واجهها نفس الزلزال السياسي، فبدلا من أن تقدم الأنظمة حلولا تقفز حتى على مطالب المتظاهرين، أو قل الشعب، فإن تلك الأنظمة عمدت إما إلى تجاهل تلك المطالب، أو الإمعان في المماطلة في التفاعل، وهذا خطأ ثبت مدى فداحته في كل من تونس ومصر، وكذلك ليبيا، واليمن. وعليه، فالواضح اليوم أن النظام في دمشق يحاول التقاط الأنفاس، واستعادة الانضباط في التعامل مع موجة المظاهرات غير المسبوقة في سورية، خصوصا أن المتظاهرين ما زالوا سلميين، رغم مرور شهر من القمع والقتل بحقهم، وهذا ما يشكل ضغطا داخليا وخارجيا على النظام، مع ضرورة التنبه إلى التقارير التي أشارت إلى رفض بعض عناصر الجيش السوري لإطلاق النار على المتظاهرين، مما من شأنه دق ناقوس خطر للنظام، وهذا أمر يجب أن يؤخذ في الحسبان، فكلنا يعرف أن موقف الجيشين التونسي والمصري قد كان له عامل حسم وضغط على الأنظمة هناك لا يستهان به.

وبالتالي، فإن خطاب الرئيس الأسد الموغل في التفاصيل، والمطول كالعادة، قد يكون متطورا عما سبقه، لكن إشكاليته تكمن في أنه جاء متأخرا في توقيته، ومنخفضا عن سقف المطالب الذي ارتفع في الشارع. وعليه، فمن الصعب الحكم على مدى تأثير الخطاب على الشارع، خصوصا أن حاجز الخوف قد انكسر في سورية!

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى