صفحات المستقبل

سوريتي أنثى أيضاً


دارين هانسن

منذ عقود والمرأة العربية تتعرض للتهميش والقمع والتسلط المفروض عليها من مجتمع ذكوري قبلي خرج عليها بأسخف العبارات ليجعل منها أحكام شرعية تحد من حرية المرأة وتقتل استقلالها الإقتصادي لتكون بذلك تحت رحمة رجلاً.!!

منذ نعومة أظافرنا والمرأة رمز للعار والذل واللذة والجنس ..وإن كانت هناك بعض المتمردات فقد قضي عليهن بالسجن أو الحبس المنزلي المرافق للضرب وأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والذي مازلنا نستطيع أن نلحظ أثاره بوضوح لدى الكثيرات منهن..بل وذهب أبعد من ذلك فحللت بعض قوانين الدول قتل المرأة قانونياً تحت مسمى جريمة الشرف وبحجة الدفاع عن شرف العائلة ولكأن المشرعين في تلك الدول قد نسوا أو تناسوا كل شيء عن الأخلاق والشرف وربطوها فقط بما بين ساقي المرأة ..!!

منذ عقود والمرأة تعاني وتحاول أن تطالب بحقوقها كإنسان مساو للجنس الأخر وليس عبداً له كإنسان يستطيع أن يقرر مصيره بنفسه ويتحكم بحياته ويدافع عنها ..جاء ذاك النضال ببعض النتائج حيث خرجت المرأة من كونها ألة للحمل والإنجاب والجنس وإناء يفرغ الرجل به شهواته إلى سوق العمل وأخذت على عاتقها مسؤوليات كبيرة وأثبتت جدارتها ولكن مازال ذلك محصوراً بشكل تقريبي على المدن الكبرى فحسب بينما مازالت نساء الريف في الحضيض مازلن يحلمن بالذهاب إلى المدينة وحدهن..بالإضافة إلى ما تعانيه المرأة الريفية خصوصاً في مجتمعاتنا العربية من مشاكل كثيرة أخرى وأبرزها الزواج الإجباري والزواج المبكر…

عقود مضت تحملت فيها المرأة العربية أبشع أنواع الذل ومازالت وما إن بدأ الربيع العربي أخذت المرأة العربية دوراً بصياغة التاريخ وصناعته ..خرجت إلى الشارع بانتظار الموت من أجل ما أمنت به ..تحدت الرصاص وجبروت الدبابات وقوة السلاح وهتفت للحرية ..نعم قامت بدورها ولكن هل يكفي هذا الدور الذي نقوم به في مجتمع ذكوري؟ أم أن على المرأة أن تبذل جهد مضاعف من أجل الوقوف بوجه القوى التي تحاول تهميشها من جديد و إعادتها عشر سنوات إلى الوراء؟!

من خلال قراءة صغيرة ومتابعة عبر الفضائيات عما يحدث وعبر مواقع الثورات والفيديوهات التي تصلنا فإنني أؤمن وبشطل قطعي بأن على المرأة العربية الأن أن تبذل جهداً ثلاث أضعاف ما يبذله الرجل الأن من أجل أن تبقى واقفة أمام هجوم التيارات الدينية من سلفية وإخوان وغيرهم ممن لا يروا في المرأة إلا ألة للإنجاب وإعداد الطعام ومتعة يحللونها لأنفسهم ..

ما إن أخذت الثورة السورية قوتها وأعلنت استمراريتها رغم البطش وألة القتل العمياء حتى انتفض بعض الإخوان والسلفيون يلمعون بدلاتهم وأحذيتهم ويتركوا العنان للحاهم وبدأؤا بصعود المنابر والخطاب باسم الثورة بنفس ديني سلفي بحت حتى أنهم انشغلوا بكثرة التكبير والخطابات الدينية عن ذكر أي شيء عن الثورة..بل ومازاد من انشغالهم عن ذكر ما يحصل في سورية هو أيضاً انشغالهم العميق بالفصل القاطع بين النساء والرجال ولكأنهم يخشون ألا تتحمل نفوسهم الجلوس بجانب المرأة التي ربما لم يجلسوا بجانبها أبداً من قبل إلا لمحاولة الوصول لجسدها والتمتع به كما يشرعوا لأنفسهم ..ورغم اقتناعي بكل هذا ورغم معاداتي لأفكارهم فإني ومن أجل سورية وأطفال سورية فقد قررت أن أذهب إلى فعالية هنا في الدانمارك نظمها الإخوان المسلمون وهدفي من ذلك كان هو إبراز التعددية والتنوع الذي يميز سوريتي ..من أجل العمل معاً لبناء سورية حرة تتسع لكل الناس ..وصلت إلى هناك متأخرة قليلاً وظننت أني تهت عن العنوان وذهبت إلى جامع بدل الذهاب إلى المهرجان ..!! لكن بكيت بصمت بغصة في حلقي حين اكتشفت بأني لا لم أته عن العنوان وأنا حيث نويت أن أذهب ..بكيت سوريا بصمت …ولم أفق من صدمتي إلا حين أتى صاحب لحية وباللغة الإنكليزية طلب مني أن أتوجه يساراً حيث تجلس النساء ..لم أجب ..لأن دمعة ستفضحني أمام لحيته ..لم أجب وفقط أومئت برأسي مشيرة لفهمي ..لم أشأ أن أبكي علناً أمامهم ..اعذريني دمشق ..خرجت إلى الخارج قليلاً أدخن سيجارتي وأخذ نفساً عميقاً عل دمعتي تهجر عيني وتترك الغصة حلقي ..حيث أقف أدخن سيجارتي العيون تراقبني ولكأني أقف عارية أو لكأني أمارس الجنس أمام أعينهم ..ورغم تغطية لحاهم لفمهم استطعت أن أرى شفاههم تتحرك ونظراتهم تقع علي ..تجاهلت ذلك ودخنت سيجارتي وعدت إلى الداخل إلى حيث وقفت من قبل ..صاحب اللحية أتى مرة أخرى وبالإنكليزية طلب مني أن أتجه يساراً حيث تجلس النساء ..دمعتي انهزمت أمام كبريائي فغادرت مقلتي فأجبته وبالعربية ..( إذا ما عندك مانع حابة ضل واقفة هون)

أجابني بلغة استجوابية ..( عم تتطلعي كتير حواليكي ..عم بتدوري على حدا)

أجبت بعناد ( لا بس بصراحة مصدومة ..كان عندي أمل بس انصدمت )

نظر بعيوني بوقاحة محتارة وذهب ..

بقيت عيوني تتجول في القاعة حتى أتت صديقتي الدانماركية والتي ما إن دخلت حتى قالت لي ..

أكلهم سوريون؟؟!

أظن ذلك لماذا ؟

لا أعرف ولكن المنظر غريب جداً أنا سكنت في دمشق سنة كاملة مع عائلة سورية ولكن لا أتذكر سوريا بهذه الصورة أبداً

ابتسمت بحزن وقلت لها أنا عشت بسوريا أربع وعشرين سنة ولم أرى سوريا بمثل هذه الغرابة الحزينة..

من هنا أؤمن وبشكل قطعي بأن على المرأة العربية أن تبدأ الأن أن تقول لا أن تشارك في صنع مستقبلها ومستقبل أبنائها علينا نحن النساء السوريات وبشكل خاص في كافة أنحاء المعمورة أن نثور أن نصنع قرارنا وحياتنا وأن نقف ضد التطرف الديني والتعصب الأعمى والذي لن يقودنا لشيء سوى الجهل والموت كما تقرره شرائعهم العمياء ..فاليوم ندافع ونقاتل من أجل حذف ما يسمى جريمة الشرف من قوانيننا ولكن من يدري ما يمكن أن يأتي لو حكمنا الملتحون والذين ممكن أن يصوغوا القتل بعدة أشكال وتحت مسميات مختلفة من أجل الوصول لأهدافهم فكما نقول بالعامية ( ما بدنا ننتقل من تحت الدلف لتحت المزراب)

الدين لله والوطن للجميع نريد سوريا حرة لكل السوريين نريد سورية علمانية تحمي حق الملتحي قبل حقي ولكن ليست دولة إسلامية تعطي صاحب اللحية الحق بتقرير حياتي وموتي ..والنصرة للشارع السوري الذي أؤمن به وأثق بطموحاته ..وأؤمن بسوريتي الأنثى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى