صفحات العالم

سوريـا ليسـت للسورييـن وحـدهـم


عصام نعمان

يفاخر السوريون، ويشاطرهم الرأي عرب كثيرون، بأن سوريا هي قلب العروبة النابض. مؤدى هذا الكلام الانتماءُ الى الأمة وجوداً وهوية، والمشاركة في الدفاع عن كرامتها وحقوقها ومصالحها عندما تتعرض، في زمان ومكان، لعدوان أو انتقاص.

قلب العروبة يعاني اليوم أزمةً مستعصية. من الطبيعي والضروري ان تتداعى سائر أعضاء الجسم العربي الى رعايته ومعالجته. فسوريا ليست للسوريين وحدهم. إنها لشعبها ولكل العرب، وخصوصاً للعرب الاقربين في بلاد الشام وبلاد الرافدين بين المتوسط والخليج. خيرها يفيض عليهم خيراً، والشر الذي يستهدفها ينعكس عليهم شراً. من هنا ينبع حق العرب أجمعين، ولا سيما الأقربين من مستفيدين ومتضررين، بأن يشاركوا السوريين سعيهم الحثيث للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ شهور سبعة.

ثمة طرفان يتصارعان اليوم في سوريا: المعارضة والنظام. المعارضة، بجناحها الداخلي، تنادي بالحرية والكرامة والديموقراطية، وتسعى الى تغيير النظام لا الى إصلاحه. غير ان ثمة فوارق بارزة بين جناحي المعارضة الداخلي والخارجي في نهج العمل والوسائل. فريق من المعارضة الداخلية متمثلٌ في «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» (منسّقها حسن عبد العظيم) يرفع شعارات اربعة: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي، ولا للنظام الاستبدادي الامني. فريقٌ آخر متمثلٌ في «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» (منسّقها قدري جميل) يشاطر الفريق الاول شعاراته، إنما يتشدد أكثر منه في رفض التدخل الخارجي.

المعارضة الخارجية المتمثلة بـ«المجلس الوطني السوري» الذي أُسّس في اسطنبول أخيراً لا يمانع في التدخل الخارجي لإسقاط النظام «شريطة أن يتمّ ذلك بالتفاهم والتعاون معنا». المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين محمد رياض الشقفة كشف في حفل الاعلان عن المجلس المذكور انه «اذا استمر النظام في قتل شعبه، فهناك وسائل كثيرة لردعه، مثل حظـر الطيران». أضاف انه اذا ما استمر النظام في القصف بالمدفعية والدبابات، فإنه سيسمح «بأن يتدخل الطيران لإسكات مصادر القصف». ألا يذكّرنا هذا السيناريو بمهزلة دعوة «الناتو» الى «حماية» المدنيين الليبيين؟

النظام يقرّ، من جهته، بالمطالب الديموقراطية والاصلاحية التي ترفعها التظاهرات الاحتجاجية، ويؤكد انه شرّع قوانين جديدة للاحزاب والانتخابات والإعلام والمجالس المحلية، وانه وضع روزنامة لتنفيذها .

لماذا تستمر الازمة، اذاً؟

لأن ثمة طرفاً ثالثاً لجأ الى العنف ودخل في صراع مسلح مع قوى النظام، ما أدى ويؤدي الى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين في مناطق عدة من البلاد. المجموعات المسلحة وسّعت أخيراً دائرة هجماتها على قوى الامن والجيش، وقد اتضح انها تتلقى أسلحةً خفيفة وثقيلة وذخائر عبر حدود سوريا مع الدول المجاورة.

لا علاقة للمجموعات المسلحة بالمعارضة الداخلية التي لا تتوانى عن إدانة اللجوء الى العنف. غير ان فريقاً من المعارضة يتهم السلطة بلسان حسن عبد العظيم بأنها «غير جادة في الحوار لأنها لا تعترف بالآخر، خاصةً في ظل إصرارها على الخيار الأمني».

يردُّ أهل النظام التهمة على المعارضة بالقول إنها هي غير الجادة في الحوار لأنها تضع لمباشرته شروطاً شبه تعجيزية. فهي تطالب بأن يصار اولاً الى إطلاق سراح جميع المعتقلين، ومحاكمة المسؤولين عن إراقة الدماء أمام محكمة خاصة، وسحب الجيش وقوى الامن من الشوارع والساحات العامة لتمكين المتظاهرين من الحركة بحرية. ويقول أهل النظام إنه يمكن التفاهم مع المعارضة على الشرطين الاول والثاني، لكن لا يمكن سحب الجيش.

لا غلو في القول إن المعارضة مخطئة في مسألة، والنظام مخطئ في اخرى. المعارضة مخطئة في إصرارها على عدم الإقرار بوجود مخطط تدخل خارجي قيد التنفيذ.

أهل النظام مخطئون في عدم الاعتراف مبكراً بالمعارضة ومطالبها المحقة، ولا سيما تعليق المادة الثامنة من الدستور .

ما المخرج من الأزمة المستعصية؟

ثمة حقائق خمس يقتضي، بادئ الامر، استيعابها:

أولاها، إقرار أهل المعارضة كما أهل النظام بأن استمرار الأزمة وصفة خبيثة لاستمرار النزف، بشرياً واجتماعياً واقتصادياً، وان دفع سوريا الى الحرب الاهلية والفوضى والتفكك هو خيار مجزٍ للغرب الاطلسي واسرائيل وبديل من خيار إسقاط النظام الذي يبدو متعذراً، وان إخراج سوريا من تحالفها مع ايران وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين خطوةٌ تمهيدية لإخراجها من حومة الصراع العربي ـ الصهيوني .

ثانيتها، ان المعارضة عاجزة بالتظاهرات أو بالعمل المسلح، وحتى بالتدخل الخارجي، عن إسقاط النظام. كما ان النظام عاجز بالخيار الامني وحده عن تعطيل المعارضة وإنهاء الحركة الاحتجاجية والاضطرابات.

ثالثتها، ان الحوار الوطني أضحى مطلباً شعبياً وقومياً شاملاً، وانه ضمانة خلاص سوريا، بقواها الذاتية، من أزمتها المستعصية دونما تنازلات لقوى خارجية طامعة، والاتجاه تالياً نحو إقامة دولة مدنية ديموقراطية على أساس التعددية وحكم القانون والعدالة والتنمية .

رابعتها، ان جوهر الحوار الوطني ليس إصلاح النظام بل التوافق على تغييره بالوسائل الديموقراطية بما يؤدي، لا محالة، الى إسقاط كل القواعد والممارسات غير الدستورية وغير الديموقراطية وغير الإنسانية، وإعادة ربط سوريا واضطلاعها، شعباً ودولةً، بالمشروع النهضوي الحضاري العربي.

خامستها، ان السبيل الاقصر والافعل الى الاعتراف بالحقائق السالفة الذكر وتحقيق متطلباتها ومضامينها انما يكون بالتوافق، من خلال الحوار الوطني، على الشروط والمستلزمات والضمانات اللازمة لإجراء انتخابات ديموقراطية حرة تحت رقابة مؤسسات المجتمع المدني العربي والعالمي. ذلك ان مهام التغيير الديموقراطي المنشود لن تحققها حالياً قوى المعارضة والنظام بل القوى الحية التي ستملأ مقاعد مجلس الشعب المقبل وتعيد الثقة بالعمل السياسي الوطني الديموقراطي.

في ضوء هذه الحقائق الخمس، ولأن سوريا ليست للسوريين وحدهم، وان ما يصيب سوريا خيراً أو شراً ينعكس بالضرورة على ما حولها، ويؤثر في مجريات الصراع مع العدو الاميركي الصهيوني، فإن القوى الوطنية والقومية والديموقراطية العربية مدعوة الى التدخل في الأزمة المستعصية وذلك بالتواصل والحوار مع أطراف الصراع، ولا سيما أهل النظام وأهل المعارضة، من أجل إقناعهم بجدوى الانتقال، بلا إبطاء، الى طاولة الحوار الوطني والتوافق على مخرج آمن من الأزمة يؤدي الى إجراء انتخابات ديموقراطية مطلعَ العام المقبل.

ولعل قيادات المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي، ومؤتمر الاحزاب العربية قادرة على المبادرة بالسرعة الممكنة للتواصل وإطلاق الحوار المنشود وذلك بتأليف وفد من شخصيات وطنية وديموقراطية وازنة لمباشرة المهمة القومية والحضارية المطلوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى