صفحات سوريةفايز ساره

سوريون في الجوار بين ظروف سياسية وإنسانية


فايز سارة

رشحت معلومات تؤكد أن قضية اللاجئين السوريين في تركيا كانت في الأسبوع الماضي مثار مداولات سورية، وأن بعض تفاصيل تلك المداولات تسربت إلى دوائر غربية، مما أدى إلى تشويش مساعي معالجة قضية اللاجئين السوريين في تركيا، التي تحيط بها ظروف إنسانية صعبة، ازدادت تردياتها في الآونة الأخيرة بشكل خطير، مما حرك أوساطا سورية في داخل البلاد وخارجها إلى مساع هدفها تأمين إعادة اللاجئين أو بعضهم إلى مدنهم وبلداتهم التي غادروها في الأشهر الأربعة الماضية.

وتطرح تطورات قضية السوريين في تركيا موضوع اللاجئين السوريين الذين نزحوا إلى لبنان والأردن والعراق منذ بدء حركة الاحتجاج والتظاهر في أواسط مارس (آذار) الماضي، والتي ترافقت بإجراءات أمنية سورية مشددة، شملت عمليات إطلاق نار أدت إلى قتلى وجرحى واعتقالات وملاحقات، فدفعت عائلات وأفرادا سوريين إلى اللجوء إلى دول الجوار. ذهبوا أولا إلى الأردن هربا من الظروف القائمة أو تجنبا للاعتقال بعد أن تردت الأوضاع الأمنية في درعا وقراها المتاخمة لشمال الأردن، رغم قيام الأخير بإغلاق حدوده مع سوريا في تلك الفترة، لكن طبيعة المنطقة وعلاقات سكانها على جانبي الحدود لم تمنع مرور سوريين واللجوء إلى الأردن، وإن كانت أعدادهم غير معروفة، لكن التقديرات تقول إنهم يبلغون عدة آلاف.

وتسرب اللاجئين السوريين إلى لبنان يشبه في ظروفه أوضاع أقرانهم اللاجئين إلى الأردن، ذلك أن تردي الأوضاع الأمنية في حمص وقراها المتاخمة للحدود مع لبنان، وخاصة في تلكلخ والقصير، دفعت آلاف السوريين من العائلات والأفراد إلى عبور الحدود واللجوء إلى المنطقة المجاورة، وخاصة منطقة وادي خالد، ويقدر العدد الإجمالي لهؤلاء بخمسة آلاف نسمة، تعيش غالبيتهم في ظل ظروف صعبة وغير إنسانية، وقد أشارت معلومات إلى قيام سوريين باللجوء إلى العراق، أغلبهم من أبناء محافظتي دير الزور والحسكة المجاورتين للحدود العراقية، لكن لا تتوفر بيانات عن هؤلاء.

الأهم في حركة لجوء السوريين إلى دول الجوار هو لجوؤهم إلى تركيا الذي بدأ في أبريل (نيسان) الماضي، ثم تصاعد خلال وبعد أحداث مدينة جسر الشغور ومحيطها من مدن وقرى محافظة إدلب في يونيو (حزيران) الماضي، ورغم تفاوت أعداد اللاجئين إلى تركيا لأسباب مختلفة، بينها رجوع بعضهم، فإن التقديرات تشير إلى نحو خمسة عشر ألف لاجئ يقيمون هناك، ويتوزعون على ستة مخيمات تنتشر في محافظة هاتاي (إسكندرون) المجاورة للأراضي السورية، ومما أعطى لجوء السوريين طابعا مختلفا عن وجودهم في دول الجوار الأخرى وضع المخيمات تحت إدارة الأمن وإشراف الهلال الأحمر التركيين. وحركة لجوء السوريين إلى تركيا بسبب خصوصياتها وضعتهم تحت الأضواء السياسية والإعلامية غالب الوقت، لكن أوضاعهم الحياتية كانت تزداد ترديا، حيث يمنع خروجهم من المخيمات، كما منع دخول غير الأتراك إليها، وجرى عزل المخيمات عن الإعلام والصحافيين، وتم منع مرور المساعدات الإنسانية المباشرة إلى هناك، والسبب كما يقول الأتراك منع تسلل عناصر موالية لأجهزة الأمن السورية إلى المخيمات، وقد دفعت ترديات الأوضاع في المخيمات من بين عوامل أخرى إلى عودة بعض اللاجئين إلى سوريا، فيما سعى بعضهم بصورة مواربة للانتقال والإقامة في بيوت مستأجرة في الأراضي التركية بطريقة سرية.

وبطبيعة الحال، فإن وجود اللاجئين تأثر بمواقف السلطات التركية من الأزمة السورية. ففي الوقت الذي كان الموقف التركي أكثر وضوحا وتشددا من سياسات النظام السوري ومعالجته الأمنية للأزمة، كان موضوع اللاجئين تحت الأضواء في أحاديث المسؤولين الأتراك وفي متناول أجهزة الإعلام، وعندما تراجع الموقف التركي باتجاه مسايرة الموقف السوري، تدنى الاهتمام بموضوع اللاجئين من الناحيتين السياسية والإعلامية، والأمر نفسه ينطبق على المواقف العربية والدولية التي يبدو اليوم أن اهتمامها بموضوع اللاجئين السوريين في تركيا وغيرها في أدنى المراتب، والأمر في هذا يعود إلى أسباب سياسية.

وإذا كان اللاجئون السوريون في تركيا، ومثلهم إخوانهم في لبنان، هم في أسوأ الأحوال، فإن وضعهم هذا هو مسؤولية السلطات في البلدين استنادا إلى المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين، وهذا يعني مسؤولية تركيا ولبنان، ومسؤولية المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية، لكنه في الأهم هو مسؤولية السلطات السورية التي ينبغي قيامها بمبادرة لإعادة هؤلاء وغيرهم من اللاجئين لدول الجوار إلى بلدهم وبيوتهم وأهلهم مع إعطائهم كل التطمينات والضمانات التي تتعلق بأمانهم وسلامتهم الشخصية.

* معارض سوري

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى