صفحات العالم

سوريّاً على أميركا الإعداد للأسوأ!


سركيس نعوم

من يحلِّل الكلام الذي قاله السفير الاميركي في دمشق روبيرت فورد امام عدد من الباحثين في الـ”واشنطن انستيتيوت”، والذي نشر في “الموقف” امس يخرج بانطباعات عدة ابرزها اثنان: الاول، نهائية الموقف السلبي للادارة الاميركية من نظام الرئيس بشار الاسد، واقتناعها بضرورة رحيله بضغط من الاحتجاج الشعبي البادئ منذ سبعة اشهر تقريباً. والآخر تمسُّك هذه الادارة بسلمية “الاحتجاج الشعبي” السوري، وبقيادة السوريين عملية التغيير التي يسعون اليها في بلادهم، وابتعادها عمداً عن الايحاء بأي قبول منها لتدخّل عسكري خارجي لمصلحة المحتجين في سوريا، او بأي استعداد عندها للاشتراك في تدخّل كهذا او لأن تكون “عرّاباً” له.

هل يفيد الانطباعان المذكوران ان الموقف السلبي لاميركا من التدخّل العسكري في سوريا نهائي، وإن عبء تغيير النظام الحاكم فيها يجب ان يقع فقط على عاهل شعبها، رغم فقدانه ومنذ 41 سنة هي عمر النظام وبسبب قمعه المستمر، أيَّ مناعة وأي قدرة على التصدي الناجع له او بالأحرى على خلخلته؟

المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة تجيب بالقول ان الاستراتيجيات وخصوصاً عند الدول الكبرى والعظمى ليست جامدة، وان السياسات التطبيقية لها تتحرك في استمرار. واذا كان السفير الاميركي في دمشق عكس ثباتاً في رغبة بلاده في رؤية النظام السوري يتغير او يُصلَّح، وتمسكاً بسلمية الاحتجاج الشعبي في سوريا وإيحاء بعدم الترحيب بتدخل عسكري ضده، فلأن استراتيجيا بلاده كما السياسة التطبيقية لها تقضيان حالياً بذلك. الا أن لا شيء يمنع في مستقبل قريب او بعيد استمرار الهدف الذي هو التغيير في ظل تعذُّر الاصلاح الجدي وتغيّر الاسلوب الذي اعتُمد حتى الآن لتحقيقه. وفي حال وصلت ادارة اميركا الى موقف كهذا، فإن فورد او اي مسؤول آخر فيها سيعبِّر عنه وبصراحة كلية. وما يوحي بإمكان التغيّر هذا كتابات العاملين في مراكز الابحاث الاميركية المهمة، ومواقف الذين تستضيفهم في حلقاتها الضيقة للتحدث عن قضايا العالم ومشكلاته. وهي في أي حال تعكس عادة مواقف الرأي العام الاميركي، كما مواقف “الادارات” المتنوعة وغير المتصارعة داخل الإدارة الاميركية الواحدة. كما تشكّل اقتراحات تصل الى اصحاب القرار في هذه “الادارات” فتساعدهم في وضع السياسات التطبيقية لاستراتيجيا بلادهم او في تعديل القائم منها او في تغييرها.

وفي هذا الاطار قد يكون مفيداً ايراد ما قاله باحث مهم قبل ايام قليلة في مركز ابحاث عريق في واشنطن عمّا يجري في سوريا وعن موقف بلاده والمجتمع الدولي منه. فهو قال ان الضغط الدولي المتعدد الطرف هو الطريقة الانجع للتأثير في دمشق او للضغط عليها. ولفت الى ان رد فعل اميركا على قمع النظام السوري شعبه كان بنّاء. وأشاد بالعقوبات النفطية لاميركا واوروبا على سوريا لأن من شأنها تقليص حجم الكتلة النقدية التي يحتاج اليها الاسد لمتابعة سياساته القمعية، إذ ان 90 في المئة من النفط السوري يصدّر الى اوروبا. طبعاً، يستدرك الباحث نفسه، احرج “الفيتو” الروسي والصيني الجهود الدولية المنسقة ضد نظام الاسد في وقت يستمر متظاهرون كثيرون في سوريا في فقدان حياتهم. وهذا يرفع من احتمال الانتقال الى مواجهة مسلحة داخل سوريا.

اما الاقتراحات التي يرى ضرورة تطبيقها في الموضوع السوري فإنه يلخصها بأربعة هي الآتية:

1- تركيز القدرات الدولية والاميركية على هدف واحد هو إسقاط نظام الاسد. ويستلزم ذلك مزيداً من الضغط الدولي. وقد يكون على اوروبا ان تستهدف مباشرة المصرف المركزي لسوريا.

2- مساعدة المعارضة السورية على توسيع وتفعيل او ربما على تطوير الخطة التي يفترض ان تُطبَّق بعد سقوط نظام الاسد، إذ من شأنه كسر موالاة النخب في حلب ودمشق للنظام.

3- الإعداد للأسوأ. فأميركا لا تستطيع ان تحدد بدقة الاجراءات التي تضعها على الطاولة لتغيير النظام او التي لا تضعها، لكن عليها بدلاً من ذلك مباشرة مناقشة شاملة لكل الخيارات السياسية، وخصوصاً إذا تطورت الحوادث في سوريا الى مواجهة واسعة تكون المعارضة فيها ضعيفة بسبب التفوّق التسلُّحي عليها للنظام.

4- إنشاء مجموعة اتصال دولية تدعم الديموقراطية في سوريا وترعى التوصّل الى خيارات سياسية متعلّقة بسوريا.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى