صفحات العالم

سوريّا وروسيّا

 


حازم صاغيّة

تفاوتت التحليلات في ما خصّ الموقف الروسيّ حيال سوريّا، ووقوف موسكو بالمرصاد لأيّة إدانة دوليّة قد يتعرّض لها الأسد ونظامه. فهناك، إلى جانب القاعدة العسكريّة في بانياس، مَن يركّز على الديون التي في ذمّة دمشق لموسكو والتي تخشى الأخيرة خسارتها في حال سقوط النظام. وهناك مَن يستطرد فيتحدّث عن التأثير الثقافيّ لروسيا وعقائدها العسكريّة على النظام البعثيّ ومؤسّساته، وهو ما يضرب في تربة العهود السوفياتيّة الخوالي. وطبعاً ثمّة مَن يشير إلى خوف موسكو من وقوع سوريّا ما بعد البعث في دائرة النفوذ الغربيّ، خصوصاً في ظلّ الدور الجديد لـ”الناتو” في ليبيا، وهذا فضلاً عن التحليل القائل إنّ التشدّد الروسيّ في الشرق الأوسط مدخل مناسب لتحسين شروط التفاوض مع الولايات المتّحدة في ما خصّ أوروبا الشرقيّة والوسطى. وبعض أصحاب هذا الرأي الأخير يميلون إلى توقّع أن تظهر لاحقاً ليونة تذكّر بتطوّر الموقف الروسيّ من ليبيا، سيّما إذا ما نجح الأتراك، جيران روسيا الجنوبيّون، في الدفع بالاتّجاه هذا.

على أيّة حال، فتلك افتراضات لا تخلو من وجاهة. بيد أنّ السياق الأعرض الذي تندرج فيه الافتراضات تلك هي أنّ جامعاً استبداديًّا يقرّب موسكو من دمشق. صحيح أنّ النظام الشيوعيّ انهار بانهيار الاتّحاد السوفياتيّ ذاته، إلاّ أنّ النظام البديل الذي استقرّ في الكرملين يقع في محطّة وسطى بين الاستبداد القديم والديموقراطيّة المعاقة. وهنا يكمن سرّ التعلّق الروسيّ بـ”الزعيم” الذي يتجسّد في رئيس الحكومة فلاديمير بوتين، ناهيك عن الوضع السيّء الذي تعانيه الحريّات الحزبيّة والإعلاميّة.

والراهن أنّ روسيا التي تولّت، في القرن التاسع عشر، إحباط “ربيع الشعوب” في جوارها الأوروبيّ، لا تزال تمارس إلى اليوم هذه الوظيفة في الحدود المتاحة. هكذا نراها بمثابة قيد على التطوّر الديموقراطيّ في ذاك الجوار، مستفيدةً، لإنجاز هذا الغرض، من بعض المواقف الأميركيّة المتهوّرة والأنانيّة، ومن بعض النقص الذي يعتري شروط بناء الديموقراطيّة في جوارها الغربيّ المباشر.

بيد أنّ التجارب التي نعرف تقول إنّ العالم، ولو بتعرّج وتعثّر، يتحرّك في اتّجاه آخر. ويمكننا إذا ما راجعنا تجارب البلدان واحداً واحداً أنّ نستخلص المعادلة التي تكاد ألاّ تخطئ، وهي أنّ تأييد روسيّا لقضيّة من القضايا ولنظام من الأنظمة لم يعمل إلاّ نادراً جدًّا على إسعاف هذين النظام والقضيّة. ووراءنا قائمة طويلة من المهزومين في العالم أكثر من تسعين في المئة منهم أصدقاء سابقون لموسكو.

هذا ما يُستحسن بالحكم السوريّ أن يتنبّه إليه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى