صفحات العالم

سين وجيم حول عسكرة الانتفاضة السورية


غسان الإمام

لكل نظام شارعه الشعبي المعبر عنه. شبيحة الأسد. زعران طائفته هم الوجه السافر لنظام بلا حياء. بلا أخلاق. بلا أدب السلوك في شارعه السوري. لكن كيف استطاع تصدير «باقة» من هذه النفايات الشارعية إلى تونس؟ مَن منحها «فيزا» الدخول؟ من مكنها من محاولة اقتحام فندق «أصدقاء سوريا»، بكل صفاقتها وشعاراتها المضللة، إلى درجة اضطرار وزيرة خارجية أميركا إلى الفرار إلى فندق آخر؟

الدولة التي تنظم لقاء دوليا على هذا المستوى، مفروض أن توفر سلفا كل أسباب الحماية والراحة له. إذا كان مضيف الدار الشيخ الغنوشي جديدا في «الكار»، فأين الرئيس المنصف المرزوقي المطالب بترحيل الأسد وعائلته إلى سيبيريا الروسية؟ بل أين شرطة حكومة الشيخ الجبالي؟ حتى برهان غليون حضر بوجاهته الشخصية. ولم تتمكن شعبيته من تجميع تظاهرة «للغلابة» السوريين، لمواجهة شبيحة بشار!

المثل السوري الدارج يقول: «المكتوب مبيّن من عنوانه». أعني إذا كان المضيف والمستضاف في هذا اللقاء الضخم، على هذا المستوى من الاسترخاء واللاجدية، في مواجهة نظام يذبح شعبه، أفليس من حق العاهل السعودي أن يوبخ الضمير العالمي الساهي؟ ثم أليس من حق وزير الخارجية السعودي أن يغادر، ربما لأول مرة في حياته الدبلوماسية الطويلة، هدوءه التقليدي ليعبر عن غضبه على جبل دولي تمخض، فولد كرة ثلجية نزلت بردا وسلاما، على وجه نظام يواجه الإدانة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟

«خيرها بغيرها». لعل فروسية المضيف التركي أردوغان، وفصاحة وزيره الأغا داود أوغلو، تشدان في فندق استنبول، من عزيمة «أصدقاء سوريا» في اللقاء المقبل، ليكونوا، على الأقل، في مستوى سنيدة بشار الكوريين. الصينيين. الروس. الإيرانيين.

على كل حال، أعود لأذكر بأن الديمقراطيات الغربية تتمهل، عادة، في خوض الحروب. وتتأخر في الخروج منها. أنقذت أميركا صدام من الهزيمة أمام إيران. تحملت غلواءه ريثما تستكمل مع العرب الحشد اللازم لإخراجه من الكويت (1991). ثم صبرت على تنكيله بالسنة. والشيعة. والكرد، اثني عشر عاما (2003)، قبل أن تشن حربا استحسنها نصف العرب. وغضب منها النصف الآخر!

في استطاعة النظام الفاشي شن حرب فورا بلا استئذان. اجتاح هتلر دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى، بلا إعلان حرب. هدد الديكتاتور موسوليني العالم بخمسة ملايين حربة. ثم تبين أنها من عيدان السباغيتي. شن صدام حربا على إيران والكويت، من دون استئذان العرب والعراقيين. اجتاح الأسد الأب لبنان (1976)، من دون استئذان العرب، وخلافا لنصيحة روسيا. انسحب الأسد الابن من لبنان، من دون استئذان حزبه. وبرلمانه.

نصيحة مجموعة «أصدقاء سوريا» لنظام الأسد بتحسين سلوكه الإنساني، تبدو بمثابة إنذار تمهيدي. قد ينتهي الإنذار يوما بتدخل عسكري. لماذا تتأخر الديمقراطيات في شن الحرب؟ لأن الديمقراطية تحتم إعداد الرأي العام نفسيا للقبول بالحرب، والاقتناع بمشروعيتها. تأخرت أميركا في دخول الحرب العالمية. انتظرت اليابان، لكي تستفز الأميركيين بالغارة على ميناء بيرل هاربر. أخفقت حرب أميركا في فيتنام. وها هي تخفق في أفغانستان والعراق، لأن الأميركيين لم يكونوا مؤهلين لقبول أكاذيب رئيسهم بوش.

هل من الأفضل للسوريين انتظار التدخل العسكري الدولي. أم عسكرة الانتفاضة بتسليحها؟ العسكرة أسهل من انتظار «غودو» المحارب الذي قد لا يأتي، بسبب تعقيد الأزمة دوليا وإقليميا. لكن العسكرة سوف تتسبب بحرب أهلية / نظامية طويلة تستنزف الشعب والنظام معا.

السلاح – كما قلت هنا قبل أسابيع – بدأ يتدفق بغزارة على الداخل السوري. أضيف اليوم بأن دولا عربية شقيقة قادرة ماليا وعاطفيا، على تمويل ترسانة السوريين، بما يلزم لاستنزاف نظام محاصر لا يملك سوى الانهيار، أو استيراد مرتزقة من لبنان. وإيران.

من هنا، لا بد لقيادات هذه الدول من التحكم تماما، بتنظيمات المقاومة السورية المسلحة، من خلال التمويل والتدريب، لكي يحافظ السلاح على نبله الشعبي، حتى في التعامل مع الأقليات الطائفية والدينية التي تتعاطف مع النظام، مخدوعة بتضليله وحمايته.

بل أذهب إلى النصح بعدم السماح لرجال الأعمال السوريين والعرب، ولتجار السلاح، بالمشاركة في توريد السلاح، كي لا يذهب إلى تنظيمات متطرفة عرقيا أو دينيا، وكي لا تتكرر في سوريا مأساة العراق، حيث قتلت «القاعدة» وتقتل من العراقيين، سنة وشيعة، أكثر مما قتلت من غزاة ومحتلين.

من هنا أيضا، فالقيادات الخليجية لا بد أنها تعرف أن هذه المواجهة مع إيران الخمينية، تتطلب إرادة قوية، وصمودا وتصديا طويلين. ولا شك أن النضج القيادي الخليجي وصل إلى رعاية مليوني سوري مقيمين في الخليج، وتقديم تسهيلات لهم في الإقامة. العمل. وحرية مساعدة أهلهم وشعبهم، طالما أنهم يتقيدون بأدب الضيافة، واحترام علاقة الأخوة ووحدة المصير.

كان على الرئيس بوتفليقة تلميذ بومدين ورفيق كفاحه، أن ينصح بلخادم. تصريحاته التي صبت في خدمة النظام السوري، قبل انعقاد مؤتمر «أصدقاء سوريا» تتنكر لعروبة الجزائر. وتتناسى تعاطف وتبرعات السوريين، على فقرهم، لنضال الجزائريين المجيد، من أجل الحرية والاستقلال.

عاش بوتفليقة في كنف الخليجيين، في سني صحرائه السياسية. كان عليه أن يدرك مدى تعب الخليجيين بنظام في سوريا عرف الأب كيف يداري، بدهاء، أمامهم انحيازه لإيران. وعرف الابن كيف يستفزهم، بغباء، في هذه العلاقة الغريبة عن مصلحة الأمة العربية.

عسكرة الانتفاضة السورية بالسلاح، هو الخيار الأصعب لدى السوريين. لكن ما العمل عندما تمنع «شرعية» الفيتو الروسية التدخل الدولي الذي يضع حدا لذبح النظام لشعبه؟ إذا لم يكن هذا السلاح منضبطا، فسيفيق العرب المتبرعون، غدا، على فوضى تنظيمات ميليشيوية في سوريا، تزيح الواجهات السياسية في الخارج والداخل، لتفرض فوضى مسلحة معذبة لضمير العرب، تماما كما تعذبهم اليوم فوضى السلاح الليبية.

نعم، التدخل العسكري الدولي الذي باتت تطالب به غالبية السوريين، أسرع حسما. وأقل شقاء وتكلفة بشرية، من عسكرة الانتفاضة. التدخل العسكري لأسباب إنسانية، سوف يتحدى ويتجاوز «ممانعة» الفيتو الروسي الذي لن يوفر الحماية للنظام السوري، تماما كما لم يوفر الحماية للنظام الصربي. فلم يعد بإمكان الديمقراطية الأوروبية والأميركية السكوت على «شرعية» القتل ومجازر سلوبودان ميلوسيفتش وكراديتش في البلقان.

لنتذكر دائما أن هناك سلوبودان آخر. وأكثر من كراديتش واحد في سوريا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى