براء موسىصفحات سورية

سيّدة الغرب وحديقتها الخلفيّة/ براء موسى

 

 

أيّاً تكن القوى المتصارعة في الأرض السورية وعليها، فهي لا تعدو كونها مجرّد «صحوات» تقاتل قوى الشرّ التي تكره الغرب «فطريّاً»، ويكرهها، وذلك يعني أنّ السوريين وأرضَهم ليسوا سوى أدواتٍ، كما أضحى واضحاً، ومجرّد ساحةٍ لمعركة في حديقة الغرب الخلفيّة الذي لا تهمّه كثيراً هذه الحديقة، باستثناء كونها مكاناً لخزّان الوقود الاحتياطي والحطب وحاوية نفايات وتفريخ مزيد من المستهلكين، وربما لتعويض النقص في العجز البشري لرفد القارة العجوز.

وبين الحين والآخر، تطلّ ربّة المنزل من وراء زجاج نافذتها، على الفوضى العارمة في تلك الحديقة الملحقة بالمنزل المترف بالزهور الجميلة والمنسّقة في حديقته الأماميّة، وتتأمّل بفرحٍ أو أسًى موقتين، نضوج حبّات الكستناء على رماد النيران المُضرمة هناك لإضافتها إلى مكوّنات وليمة الاحتفاء بالديموقراطية الناجزة التي تتمدّد بين جمهورها بالتوازي مع التسارع الهندسي في وتيرة التقدّم العلمي والتكنولوجيا.

تدرك سيدة الغرب أنّ تسارع التقدّم العلميّ هذا، سيجعلها تستغني عاجلاً أم آجلاً عن مستودعها في الحديقة الخلفيّة الذي يرفدها بالحطب والوقود، في الوقت ذاته حيث ترمي فيها نفاياتها المنزلية في بعض أركانها لإعادة التدوير.

في المقابل، يبحث الناجون بأجسادهم من حرائق الحديقة الخلفية في سورية وغيرها عن القيمة البشريّة لحيواتهم، فمنهم من يلوّح للسيدة من وراء زجاجها الكتيم بيديه، داعياً إيّاها إلى نظرة شفقةٍ تنجّيه من عذاباته المرهقة، ومنهم من تسرّب بالفعل إلى داخل المنزل من الكوّة المخصصة للقطط المنزلية أملاً بالحصول على وجبة دسمة، ومنهم من ينتظر دوره للدخول في أتون المحرقة طوعاً أو كرهاً، ويبقى بعض هؤلاء الناجين مستغرقاً في البحث عن ماهيّة سيدة الغرب تلك التي تضع العدسات الملونة بحسب اللون الذي تقتضيه المناسبة.

ومن هؤلاء كاتب هذه السطور وهو يصنع الأسئلة ويتسلّى بإجاباتها ريثما يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى