صفحات الثقافة

سَلٍمَت يداك يا صديقي علي فرزات يا رَسّام الثورة والحرية


بول شاؤول

الفنان الكبير الصديق القديم علي فرزات تعرض لغدر شبيحة النظام السوري، أو الأحرى “عصاباته المسلحة” عدد من هؤلاء تلثموا لإخفاء عارهم (وعارهم في وجوههم)، واعتدوا بالضرب والركل على علي! اجتمع عليه “الجبناء”: مجموعة مدربة على القمع والقتل والخطف والسرقة، لم تبق بقعة من جسمه إلاّ وأصيبت بالعصي وبالقبضات، فأحدثت حُفراً وكدمات وشقوقاً في وجهه، وخصوصاً في يديه اللتين يرسم بهما. فاللعنة بالنسبة إلى الطغاة هو الصوت احياناً (وها هو الفنان الشعبي إبراهيم القاووش الذي غنّى من أجل الحرية والديموقراطية تنتزع حنجرته ويرمى في النهر جثة هامدة. فالصوت الفردي عندما يصير صوتاً جماعياً، ثائراً، يجب خنقه وقتل صاحبه، ليكون عبرة لكل الأصوات الهاتفة، التي تملأ السماء والأرض. واليد التي تكتب مقالة صحافية لا يعجب النظام، تجرم بالأسيد، من الكوع إلى الأصابع… وترى جثة صاحبها على قارعة الطريق: هذا كان مصير الصحافي اللبناني الكبير سليم اللوزي على أيدي المخابرات السورية في الثمانينات. واليوم، جاء دور اليدين وهذه المرة يدا الكبير الكبير والشاهق برسوماته الكاريكاتورية الناقدة والطالعة من عمق المأساة السورية ومن عمق ضمائر الثوار. فرسام الثورة السورية علي فرزات يجب أن يعاقب، والعقاب الأقصى إعطاب يديه ليكون درساً لكل الأيدي التي تكتب وترسم. انها الوحشية القرون وسطية. تعيدنا إلى زمن الهمجية. فهذا النظام خبرناه اكثر من خمسة عقود، وله في لبنان المآثر والانجازات الأمنية والترويع والخطف والتخوين والإفساد، أي المآثر التي يُعيد “منحها” للشعب الثوري الثائر عبر قصف العُزل والمتظاهرين بالدبابات والمصفحات والمدافع والمروحيات… والزوارق الحربية. انها الذهنية الأمنية ذاتها، لكن الفارق انه في عهد الرئيس حافظ الأسد كانت هذه الذهنية الأمنية مواكبة لذهنية سياسية براغماتية. وعندما انتهى عهده، ذهبت “الذهنية” السياسية عند وارثيه، وبقيت الذراع الأمنية! أي ذهبت الحد الأقصى من السياسة وبقي الحد الأدنى من الأمن.

ونظن أن هذه الذهنية الغامضة هي التي أدت إلى اندلاع الثورة الشعبية السورية، وهي التي ساهمت في تنميتها واستمرارها وتعاظمها وانتشارها على الرغم من ألوف الشهداء والجرحى وعشرات ألوف المعتقلين والمهجرين: فالاصلاح يتم بالسياسة، وليس بالعنف. يرمي إلى الحياة لا إلى القتل. ومنذ متى تؤدي الوسائل غير الديموقراطية إلى قيام ديموقراطية ، أو المناحي الانقلابية إلى قيام نظام حر!

ونظن أن قتل المغني قاشوش واعتقال المثقفين ومطاردة الحقوقيين لن تؤدي سوى إلى مزيد من المقاومة وممانعة النظام، والإصرار على المطالبة باسقاطه بعدما كانت المطالب تقتصر في البداية على اصلاحات محددة.

ان قتل المثقفين أو ترهيبهم، أو الاعتداء عليهم، كما حدث مع الكبير الكبير (ريشة الثورة) سيزيد من قتامة صورة النظام، ومن سواده، ومن دمويته وسيفضي كما هي الحال عادة إلى تضامن مثقفي سوريا والعرب والعالم مع هذا الفنان العالمي ومع كل الفنانين الذين يلقون مصيره على أيدي رعاع النظام! (والله انه غباء! أقصى الغباء: ألم نقل ان العصر السياسي العقلي انقضى مع الرئيس الراحل حافظ الأسد).

أما انت يا صديقي يا علي الذي انفتح على وعود الإصلاح التي أعلنها الرئيس بشار الأسد في ما كان يسمى “ربيع دمشق” بعيد تسلمه السلطة، وظننت انك كفنان ستسهم في اصلاح بلادك، وانشأت جريدة الدومري الساخرة (2001) والتي اغلقت عام 2003، فقد خاب أملك، وتملكك اليأس من هذا النظام.. وها أنت اليوم، ممدد على فراشك مهشم اليدين، مُحفِّر الوجه والجسم ترسم بعينيك المغمضتين “رسما:” يحسه الملايين بقلوبهم: رسم النظام الذي لم يسأل بعد، لماذا بات شعبي يكرهني إلى هذا الحد؟!

فألف سلامة عليك، وسلامة يديك وعينيك وفنك وها نحن ننتظرك وينتظرك ملايين الثوارّ لنقول ان هذه الكدمات والجروح اعظم من كل الجوائز والأوسمة التي نلتها من العالم المتحضر!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى