صفحات المستقبل

شاهدٌ من قلبِّ المعتقل، حقدُّ النظام يقتله: تفاصيل تُروى للمرّة الأولى


واعتقلت:

صدق من قال الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة، اعتقلتُ يوماً ما، في مكانٍ ما، من مظاهرةٍ ما، ولم أندم لأني أديتُ واجبي في حماية بعضِ الفتيات المتظاهرات، ولو اعتقلتُ أياماً أفضل عندي من أن تعتقل إحداهن ويجري لها شيءٌ لا يقبله أحد!

بداية طقوس الاعتقال:

يبدأ مسلسل الاعتقال  بالضرب الموجع بعد حزم اليدين، ليس بالجمّاعة العادية التي نعرفها جميعاً لأنهم على ما يبدو لا يملكون الكثير منها، بل بأنبوبةٍ مطاطية تترك أثراً على اليدين وتوجعهما، ويتمُّ تطميش العيون بالكنزة التي يرتديها المعتقل، وأثناء ذلك يكون الضرب “شغال على أبو جنب” على الرأس والوجه والجسم من أشخاص يدلُ عددهم على خوفهم من هذا الشاب مهما كان صغيراً !! ..

بعد اعتقالي وضعونا على الأرض وكنت في بداية الصف وعيناي مغلقتان، فأسمع صوت أقدام أحد الشبيحة يركض باتجاهنا ويضربنا على وجوهنا بقدمه، ليست المشاهد التي نراها على التلفاز نادرةً، بل هي تتكرر يومياً مع أغلب المعتقلين!

في المخفر، تعذيب وإهانة:

بوصولنا إلى المخفر عاد الضرب عند دخولنا من قبل ما يقارب40 شخصاً، ثمّ وضعونا بغرفةٍ صغيرةٍ بوضع القرفصاء وكان عددنا كبيراً بالنسبة لمساحة المكان، واستمر الشبيحة والأمن ضرباً بعصي الكهرباء والهروات والأيدي والأرجل ثم قام اثنين منهم بالركض والدعس فوق رؤوسنا وظهورنا، لم يكن ذلك ليوجع جسدياً أبداً، بل إنه الذلّ المؤلم الذي يؤكدون على فعله باستمرار ويظنون أنهم ينتصرون عندما يتباهون بين بعضهم ويضحكون ويتفاخرون ببطولاتهم، هذه النفسيات المريضة التي تحكمها آلة القتل لابدّ أن تلقى حسابها قريباً!

وعودٌ كاذبةٌ وسرقات علنية:

أثناء وجودنا دخل رجلٌ يحسبُ نفسه “قبضاي” وشهم وبدأ يحلف ويقول” والله بحياتي بحياة مرتي وولادي وشرفي” من يعترف بعدد المظاهرات التي شارك بها سأدعه يكتب تعهد ويخرج، للأسف استجاب بعض الشباب لدعوته الخبيثة واعترفوا ولم يفدهم ذلك بشيءٍ ولم ينقصهم شيئاً من وجبات الضرب وإن لم تكن زادت عليهم! ..

أخذوا منا كل شيء ومنها الحزام و “شواطة” الحذاء، وطبعاً الجوالات، وأنا بالذات كان حزامي جديداً وعريضاً وعندما أخذوه أعجبهم وقاموا بضربي وضرب من حولي به، ولم يعيدوه لي وقت خروجي”الله لا يسامحهم” ولستُ الوحيد في ذلك!

حتى المريض والمجنون لم يسلم منهم:

كان أحد الشباب اليافعين لديه صرع، وأصابته نوبه، فقاموا بضربه في البداية واتهامه بالتمثيل، ثم جاء أحد الدكاترة المعتقلين وطلب منهم شيئاً ليضعه في فمه ويضغط عليه، فأعطوه ظرفاً خشناً أسمراً مع استمرار السبِّ والشتم.

شخصٌ آخرٌ كان كبيراً وطويلاً ومعه أخوه الصغير، وكان يبدو عليه الجنون، أو به داءٌ ما.. استمر في البكاء طيلة فترة وجودنا وكان يقول “والله ما دخلني” وخرج أخاه ولم يخرج.

ساديّة غرفة التحقيق، واتهامات بالجملة:

عند دخولي لغرفة التحقيق في البداية كان معي عنصرٌ واحدٌ يبدو عليه الغضب وفجأة ًخلع حذاءه وبدأ بضربي على وجهي ، والصراخ عليّ وتأنيبي لأن ابن عمه قتل في مكانٍ ما أثناء المظاهرات، وبأنّنا السبب، وأننا نبدو سلميين لتصورنا قناة الجزيرة بيدَ أن نصفنا مسلحٌ وقاتل!

ثم دخل 7 يرتدون زيَّ الشرطة، اثنان منهم للكتابة، و6 لضرب المتهم المجرم في نظرهم، أحدهم كان يحمل مكنسة “مقشة” فبدأ يقول ” فتاح تمك بدي فرشي سنانك” ويضربني بها على وجهي، البقية كانوا يحملون هراوة برأسها مسامير واستمروا بضربي أثناء التحقيق على أسفل ظهري وكامل جسمي، وكانت تهمتي (التظاهر، التنظيم، التصوير، مناشير، والتحريض و الهتاف… وأخيراً التصفيـــق ..) حتى التصفيق أصبح تهمةً يعاقب عليها ! .. ربما بعد ذلك يتهمون الحرائر بالزغردة أيضاً ! وللعلم لم يكن لديهم أي دليل ضدي، حتى أن جوالي خالٍ من أي صورةٍ أو فيديو يدلُ على التصوير، ولم يكن معي كمامةٌ أو قناعٌ أو أي شيء !! ..

المهم كان التحقيق والضرب مستمراً وأثناءه أخرجوا المناشير التي جمعوها وبدأوا بسؤالي عنها واحداً واحداً، وسألوني عن الفتيات المتظاهرات مع كثير من التعذيب والشتم، وكنت أنكر باستمرار أي تهمة وأنكر معرفتي بأي أحدٍ كان في المظاهرة أو خارج المظاهرة، لم يكن الضرب لأعترف فقط، كانوا سعداء جداً بأفعالهم ويضحكون بشكل مرَضي !!

قبل أن أدخل للاعتقال كنت أظن أن الضرب يهدفُ لاعتراف المتهم، لكني استنتجت أن لا هدف لهم سوى الإذلال وإشباع رغباتهم المرَضية في القتل ! ..

كابرت ولم أصرخ، فازداد الضرب فقلتُ لا إله إلا الله .. فبدؤوا باتهامي أني لا أعرف الله لأصرخ باسمه، وذُكر عددٌ من المساجد أثناء التحقيق فقاموا بسبها وسبِّ شيوخها لأنهم مناهضون للنظام !

لأنهم لا يفقهون شيئاً:

استمريت بالإنكار، وقلت لهم أني أدرس بجامعة دمشق وليس لي علاقة بهذه الأمور، فقاموا بسبِّ الجامعة والدراسة وتحويل الكلمات التي قلتها عن دراستي لشيءٍ مقرفٍ ومقززٍ ومؤذي!

حدثَ أثناء التحقيق موقفٌ مضحكٌ، موبايلي HTC   فسألني المحقق عن نوعه فقلت HTC فيزدادُ ضربي وهو يقول: “شو هاد” وأقول ” HTC” بعد عدة مرات والضرب مستمر فقدت الأمل من فهمه قلت “نووووكيا خلص نوووكيا “.

كنتُ وجبتهم المسائيّة، إذلالٌ وتعذيبٌ مدروسٌ واعتداءات:

لا أعرف لماذا كان من نصيبي حصةٌ جديدة ٌمن الضرب أكثر من رفاقي الذين دخلوا معي، فأدخلوني مرةً ثانية بعد التحقيق لغرفةٍ فيها خمسة أشخاص يرتدون زي الشرطة ورموني أرضاً وقاموا بضربي على كلِّ جسمي، وترافق ذلك بسبابٍ وشتمِ مستمر على الدين وعلى أهلي وأمي وكان سماع الشتم على أمي أصعب من أيّ ألم فهي أطهر من في الأرض والأغلى على قلبي، كنت مستمراً في المكابرة ولم أصرخ وكان الضرب يزداد، حتى مسكتُ يد أحدهم ولففتها ووضعتها أرضاً، لم تكن هذه بشجاعة وإنما ردة فعلٍ طبيعية ٍ للدفاع عن النفس نلتُ بعدها من التعذيب ما جعلني لا أقوى على المشي، صرخوا عندما فعلت ذلك”اعتداءٌ على شرطي” فدخل 6 أشخاصٍ جدد يرتدون الزي العسكري أي شبيحة ..

بدأتْ طريقة جديدةٌ بالتعذيب أهم مافيها الضرب على الأماكن الحساسة بين القدمين وأسفل الظهر، ومحاولاتُ الاعتداء المستمرة على الأعضاء التناسلية التي حاولت أن أحمي نفسي منها قدر المستطاع، بدأ لحمي أسفل ظهري بالتفسخ ونزل منه دم .. كنت أفكر أثناء ذلك ماذا سيحدثُ لي بعد كل هذا الضرب، شعورٌ طبيعي أن تنقم على من ضربك وخصوصاً أني لم أكن أعرف أنّ هذا التعذيب  للاستمتاع مدروسٌ تماماً.. إلا أني عندما عدت إلى الزنزانة لم أتمكن من الجلوس أو الاستلقاء ولم تعد أيُّ وضعيةٍ تريحني ..

انتهت وجبتهم المسائية وكنت فقدت كلَّ قوتي لحظتها، فجروني إلى الغرفة الأولى التي يوجد فيها بقية الشباب، ولم يكن الشرطة فيها أرحم، حيث بدأ اثنان منهما يتقاذفانني، وكنت منهكاً وكان الشتم مستمراً والإذلالُ غيرَ مستغناً عنه، حتى عندما جلستُ على الأرض وضع أحدهم حذاءه وسط وجهي وبدأ بالضغط المستمر من دون سبب.. “بعدين قال : حاجته!”

ليلةٌ من اللاحياة:

أدخلونا إلى نظارة المخفر التي تتسع كحدٍ أقصى لـ10 اشخاص وكنا أكثر من 20 جميعنا واقفون وطلبوا منا الهتاف لبشار، وشتم العرعور “كــ،، اختك يا عرعور، كـ،، اختك أوباما” ولم أهتف لاني كنت “منتهي” وفي زاوية الغرفة ! ..

ساعدني 3 أطباء من المعتقلين في غسل جرحي وجسمي من ماء المرحاض هناك، لأنهم لم يعطوننا ماء.

يوجد في النظارة نافذةٌ صغيرة واسبرتور صغير لسحب الهواء،كانوا يفتحون النافذة ليسبوننا ويشتموننا ثمّ يغلقونها، بدأ الشباب بسؤالهم عن مصيرنا، ولم يكن منهم سوى إجحاف في التخويف بأننا سننتهي إلى فرع فلسطين أو الخطيب أو عدرا، واللعب بمشاعر الشباب وزيادةً في إرهابهم، وبالطبع كانت ليلةً لا نحسد عليها أبداً، وكلتُ أمري لله ولم أقل سوى حسبي الله ونعم الوكيل وأعرفُ تماماً أن الخيرة فيما اختاره لي ربي.

صباحٌ جديد، لمكانٍ جديد! :

تقريباً عند الصباح الساعة الـ11 قالوا لنا أن الأمر انتهى وسنكتب تعهداً في المحكمة ونعود إلى بيوتنا، تهللت وجوه الشباب فرحاً رغم كل الضرب والتعذيب الذي نالوه، “بس معلش” المهم أن نخرج، لكن عندما وضعونا في الباص اتجهوا إلى الفرع ولم تكن النهاية إنها بدايةُ مسلسلٍ جديدِ.

على باب الفرع يقفُ أشخاص يرتدون الزي العسكري ويضربون كل من يدخل “حسب النصيب” كف طيارة رفسة ..”مشكل ملون”   في الداخل الجميع يرتدي زي مدني، وضعوننا في البهو ما يقارب أربع ساعات وخلالها كان كل من يمر يسبنا ويشتمنا ويهيننا ! ..

تحقيقٌ ثانٍ وتبريرٌ سخيف:

ثم دخلنا إلى التحقيق الجديد وهنا في الفرع لم يكن سوى شخصين، ولم يكن هناك ضرب أو تعذيب،اكتفوا بالذلِ والإهانة في طريقة الكلام والتصرفات وانتقاء المفردات الموجعة، طلبت من المحقق أن ينسى ضبط الشرطة ويرى ظهري وما فعلوه بي ..فقال بالحرف: “أوف ليه كل هالأد عاملين فيك!!”

ثم قال وكان جدياً بكلامه: “معهم حق، حتى لو ما كنت عامل شي .. الشعب السوري متعود على المشاوير وشم الهوا وهالضابط ابن عالم وناس وأنت حرمتو من السيران والمشوار خمس شهور.. طبيعي يعملوا هيك فيكم لأنكم حرمتوهم من هالشي”

سألني وحقق معي من جديد، وقلتُ له أنَّ لا علاقة لي بالأمر وأنه من غير المنطقي أن أفعل كلَّ ما اتهمتُ به (التظاهر، التنظيم، التصوير، مناشير، والتحريض و الهتاف… وأخيراً التصفيـــق ..) في المظاهرات بوقتٍ واحد  !

بعد انتهاء التحقيق رجعت إلى رفاقي في الزنزانة، وهي تحت الأرض بدرجين، وأود أن أوضح أن الفرع الجنائي ليس هذا السجن الكبير حيث يحتمل بشكل طبيعي في جميع زنزاناته لـ70 شخص تقريباً، عندما دخلت كنا 180، وعندما خرجت أصبحوا 220، حتى أنّ المنفردات وضعوا فيها ثلاثة أشخاص!

في المنفردة مع الصراصير، وللإهانة فنون:

المهم جلست ساعتين ثم جاء أحدهم وطلبني بالاسم وأخذني للمنفردة لمدة ثلاثة أيام.. وكنت أظن أن الجلوس هناك حتى لو ظلاماً أمراً بسيطاً، لكنه لم يكن كذلك بصراحة، خصوصاً أني أحب الكلام “والأخد والعطي” رأيت من الصراصير في الظلام 12 فقتلتهم أول يوم .. ثم راجعتُ نفسي وتركتهم “بحالهم” ومع الوقت تأقلمتُ على وجودهم ..

بقيت في هذا المكان الذي يشبه القبر ولا يوجد فيه سوى مربعٌ صغيرٌ مثقبٌ لدخول الهواء والضوء ثلاثة أيام، وكنت أفكر بمن هم في الخارج وماذا يفعلون وما يحتاجون وكثيراً من الأفكار، ولا أعرفُ ليلي من نهاري سوى بأوقات الطعام، ولم تكن المشكلة فقط أني مللت الوحدة، بل كانت بيولوجية بحته، فهم يسمحون بدخول الحمام مرةً واحدة في اليوم ولمدةِ دقيقة واحدة وإلا يقتحم السّجان عليك الباب، وفي هذا قمة الإذلال .. حتى أنَّ الإهانة أصبحت لديهم فنون ..!

ولكلِّ معتقلٍ قصة:

عندما عدت للمهجع الجماعي، تمنيت لو أعود للمنفردة.. لأن المكان مزدحم، 45 نفس في غرفةِ صغيرةِ ولا يوجد مكان للجلوس ، والناس محتقنةٌ وغاضبةٌ من مختلف الأماكن (نهر عيشة، ركن الدين، القدم، برزة..) ..

–         بحياتو ما شاف أخبار!: يوجد من المعتقلين من لا يعرف شيئاً عن ما يحدث.. أحدهم “كهربجي” أي يعمل في الكهرباء لم يكن يعرف أن السوريين يخرجون في المظاهرات، الجميع كان مستغرباً منه حتى أنهم قالوا أنه “بيستاهل” حتى يستيقظ من غفلته .. ولروعة غباء الحكومة، قرر هذا الرجل الذي ليس له علاقة بشيء أن يخرج للمظاهرات بعد الإفراج عنه !

–         الانسان موقف: أيضاً يوجد المعتقل <ق،ش> قاموا بمداهمة بيته وضربوا ابنته الصغيرة ذات السنتين على الحائط وأصيبت بنزفٍ في رأسها، كان ينادي ويصرخ ويبكي وأمنيته الوحيدة أن يعرف إن كانت بخير، قال لي أنهم عندما ضربوها جنّ جنونه فقام بالهجوم عليهم ، فضربوه وعذبوه بشكل مبرح ورغم كل الدم الذي ينز به جسمه يومها، إلا أنّه عندما رآهم يضربون طفلاً لا يتجاوز الـ13 قال لهم”حاجتو بئى والله صغير” فرجعوا لضربه مرةً ثانية وشجّ رأسه فقطبوه 8 قطبٍ طويلة، أثناء اعتقالي زادت مصيبة <ق،ش> واحدةً جديدة، حيثُ كان يغني ويسبّ بشار وأخته  فمرَّ بجانب الزنزانة ضابط من الأمن السياسي فجن جنونه على بشار وكيف يسبه فأخرجنا جميعاً وقام بالتحقيق معنا وكتبوا فيه ضبط جديد وخرجتُ ولم يخرج هو للأسف.

–         طفله الأول: شخصٌ آخرٌ <ق> كانت زوجته على وشك الولادة، وكان واقفاً لطلب التكسي وأخذها إلى المشفى فهجم عليه الأمن واعتقله، لم يكن ليتمكن من النوم أو الراحة دون أن يعرف ما حلّ بزوجته وطفله الأول بعد اعتقاله.

–         “ففافل” آخرُ الأمنيات: وقابلت هناك <أبو ص> وكان عمله في الحلويات يتنقل على دراجته ويبيعها من مكان لمكان، وبالنقود التي يجنيها يومياً يشتري الطعام لأولاده، ما أبكى <أبو ص> كلمة ابنته الصغيرة قبل أن يخرج من بيته لاعتقاله وهي “بابا الله يوفقك جبلي ففافل معك” يحترق قلبه عندما يقولها وينتظر يوم خروجه ليحمل الفلافل ويعود لعائلته.

–         من الحمام: أحدُ المعتقلين داهموا بيته أثناء وجوده في الحمام، وهو بيننا في المعتقل لا يرتدي سوى ملابسه الداخليه.

–         معجونة: آخر دخلوا إلى  بيته ووضعوا (أسلحة، ومعجونة، وحربات) وقاموا بتصويرها على أنها له، يقول أنه بحياته لم يحوي سلاح في منزله ويريد فقط أن يعرف لماذا تستعمل هذه المعجونة، وعندما سألهم قالوا له أنها أرسلت للتحليل الجنائي، فأيُّ تهمةٍ ستلصق به لا أدري!!

–         العفو الكاذب: رأيتُ هناك 7 من عائلة واحدة مضى عليهم 37 يوم في المعتقل، قالوا لي أنهم سلموا أنفسهم بعد صدور العفو على أساس أنهم سيمضون على تعهد ويعودوا لبيتهم الذي تمت مداهمته 5 مرات وتهديد أهلهم وترهيبهم، لكن كالعادة كذب الحكومة الساقطة لا يتوقف وهاهم ما زالوا هنا !

–         اتصالٌ وإيصال: ومن المعتقلين <أ،م> وهو سوري مقيم في الكويت جاء لزيارةٍ فشاهده أحد رجال الأمن والشبيحة فقبض عليه وهو يتكلم على الهاتف أمام أحد الجوامع وفتشَّ سيارته فوجد فيها إيصال ، فاتهمه أنه يوزع المال على المصلين ليخرجوا في المظاهرات.

–         من يعفو عن من: أيضاً قابلت معتقل وهو عقيد منشق من الجيش في القابون، وكان الحديث بيننا فقلت له “ان شاء الله يطلع عفو ونطلع على العيد”، فانتفض بكل قوّة وقال: “ان شاء الله نحنا نعفو عنن مو هنن!!!”.

–         بيزعل بشار؟ ومن غير المعتقلين يوجد شخص<خ> من الأمن برتبه عالية ، وكان يتعاطف مع المتظاهرين المسجونين وخصوصاً المعذبين تعذيباً شديداً فيتركهم يغتسلون في الحمام (صحيح أنه حمام يحوي دلو صغير وماء بارد) لكن أفضل من لاشيء، المهم أن الشباب في المعتقل هتفوا باسمه (بالروح بالدم نفديك <خ>) فمدّ رأسه من النافذة وقال: “لا يا شباب عيب هيك بيزعل بشار !!”

–         متعهد سرقة: شخصٌ آخرٌ غير متظاهر اسمه علاء، وهو سارق بيوت، وكان متفقاً مع أحد رجال الأمن برتبة عقيد، حيث كان يدخل إلى السجن إن لقطوه بعد اتمام السرقة ويتهم بسرقة موبايل فقط، مهما كانت سرقته كبيرة، سُجن 15 مرة حتى الآن كل منها 15 يوم، وأثناء السجن يكون طعامه غير طعامنا حتى أن علبه السجائر تصل لعنده وغيرها .. في آخر يوم سجن له دخل إليه أحدهم وأعطاه مهمة السرقة الجديدة ومضى!.

–         ومن المهم ذكره أن جميع متهمي المخدرات والحشيش وهذه المستويات من الجرائم، كانوا يدخلون السجن لساعات ويخرجون بدون تعذيب أو ضرب!

–         والمنحبكجية أيضاً في المعتقل: قبل يومين من إفراجي أحضروا لنا 4 شباب يرتدون كنزة بشار الأسد ، ويظهر عليهم أنهم شبيحة وقالوا لنا: “شوفوا هدول طالعين بمسيرة مو مرخصة، مو بس انتو بتنسجنوا..!!” بعد خمس ساعات خرج هؤلاء طبعاً بدون ضرب أو تعذيب ! ..

–         من اعتقل الصراصير؟ ايضاً يوجد أعداد هائلة من الصراصير معتقله، حالها يُرثى له لأنها كانت تقترب منا فتفرُّ هاربة من الروائح القاتلة للمعتقلين، وخصوصاً أن الطعام كان عبارة عن لقم من المجدرة والكثير من البصل والخبز وهذا زاد الطين بلة، علينا وعليهم !

الله أكبر تهزُّ أرجاء المعتقل:

لم تعد أقبية المخابرات والسجون مخيفة، فالقلوب المحترقة هذه لم يعد شيءٌ يخيفها أو يرهبها، يوم من الأيام قام الجميع للتكبير، الله أكبر هزت أرجاء السجن، فجاء إليهم الضابط والعميد خائفاً مرتعداً بجنون .. وأخافهم بالتحقيق وما إلى ذلك، لكنهم من كثرة العمل والتحقيق والمتظاهرين المتوافدين لم يبقَ لديهم وقت، وهذا إن دلّ على شيء فهو تآكلهم الداخلي وضعف قوتهم واقتراب سقوطهم.

وبعد أيام قام المهجع كله بهتاف (الشعب يريد إسقاط النظام)، وركض العميد إليهم ويبدو عليه الخوف والهلع فصمتوا جميعاً وتكرر ذات السيناريو من أنه سيجري تحقيق وما إلى ذلك، ولم يحدث شيء.

في الليل كنا نقوم للصلاة والدعاء، وكنا ندعي على آل الأسد القتلة، وعلى كل أعوانهم، وندعو الله الفرج والنصر، وبعد الصلوات أثناء اليوم كنا نقول الأذكار وترن أصداء لا إله إلا الله في المكان وكان السجان وغيره ممن يسمعوننا يتظاهرون بعدم الانتباه فمن شدة التعب والإنهاك لم يكن بيدهم حيلة ليفعلوا شيئاً.

اطمئنوا .. مستمرون:

كان كل ما يهمنا في الداخل أن لا تهدئ في الخارج، وكلما دخل علينا معتقل جديد يبدأ استجوابه لنعرف ماذا يجري ويحدث، وكان من المعتقلين شخصٌ شارك في مظاهرة في النقشبندي أي جانب فرع الأمن الجنائي، فتهللت وجوه المعتقلين بأن الناس بدأت بتحدياتٍ جديدة بجانب فروع الأمن.

يوم استقبلتنا الشمس:

مسلسل الإذلال والإهانة خُتم بربط أرجل المتظاهرين ببعضها بسلسلة، يتقدمها شخص ضخم جداً حتى لا يركض أحد، عندما رأيت الشمس لم أتمكن من فتح عيوني أمام استقبالها، وكنت مشتاقاً للضوء كجميع من حولي، أخذونا إلى المحكمة وأثناء ذلك مررنا من أمام المخفر الأول الذي ضربونا وذلونا فيه فقام جميع المفرج عنهم بالبصق عليه .. انصدم الملازم الذي يجلس في مقدمة الباص من هذه الجرأة لكنه لم يفعل شيئاً .. وفي نظارة المحكمة كان على من يريد الحديث على الهاتف أن يدفع 500 ليرة سورية وكنا قرابةَ 500 شخص أغلبهم متهمون بالتظاهر.

 في النهاية أحمد الله كثيراً لأنه جلى عن قلبي الغمة، وامتحنني وجعلني أقرب إليه، وأيقنت أن النصر قريب بعد أن رأيت كل هذا الظلم وما يقابله من شجاعة رفاقي في المعتقل .. وأنّ حقد النظام وداعميه يقتلهم باستمرار، وسنشهد فيهم اليوم الموعود.

    اعتذر لعدم ذكر أي من الأماكن، أو الأسماء حفاظاً على أصحابها وعلى نفسي.

http://popcornmeyou.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى