سلامة كيلةصفحات سورية

شرعية استقدام المحتلين/ سلامة كيلة

 

 

تكرّر روسيا أن وجودها في سورية شرعي، لأنه جاء بطلب من النظام الذي تعتبره شرعياً. وعلى الرغم من أن أي استقدام لتدخل خارجي، حينما يكون الصراع مع الشعب ليس شرعياً في كل الأحوال، فإن الوضع أوضح في سورية. فهل يمكن الحديث عن شرعية للنظام، بعدما واجه ثورة شملت معظم مناطق سورية، وبأعداد كبيرة من الشعب؟ أليست الثورة هي ما يكسر شرعية النظام؟ بالتالي، فإن أي قرار أو قانون يصدره النظام لن يكون شرعياً؟

الثورة تمرّد على النظام وإسقاط لشرعيته. هذا ما حدث في سورية، بالتالي لم يعد من شرعيةٍ يجري التحقق بها من أجل التدخل، وكل تدخلٍ يصبح احتلالاً. ومتى جرى التدخل؟ فقط بعدما بدأ النظام يتهاوى، أي بعدما بات على وشك السقوط، وهذا ما كرّره الإيرانيون مراراً، حيث أعلنوا أنهم من منع سقوط النظام، وكرّره كذلك الروس، حين أعلنوا القول نفسه. بالتالي، فإن “الدعوة” إلى التدخل أتت والنظام ينهار، ويفقد قدرته على الحكم.

إلى نهاية سنة 2012، كان واضحاً أن الصراع لا يزال داخلياً، حيث أن حراك الشعب السلمي والعسكري هو الذي فرض تراجع قوة النظام، والاعتراف بأن الأمر يحتاج الى حل سياسي، كما طالب فاروق الشرع نهاية سنة 2012، وقد قال إن الصراع يعاني من استعصاء، فلا النظام ولا المعارضة قادريْن على حسمه. لهذا لا بدّ من الذهاب إلى حل سياسي. في هذا الوقت، كان الصراع هو هذا، أي بين الشعب والنظام الذي لم يعد قادراً على الحسم، وبدا أنه على وشك السقوط، أو أنه مضطرٌّ لحلٍّ سياسيٍّ يؤسس لمرحلة انتقالية. في هذا “توازن قوى” من جهة، وشعور النظام بالعجز عن الحسم من جهة أخرى. وهذا يعني أنْ لا شرعية ظل يتحجج النظام بها. وذهب مقال سابق لكاتب هذه السطور، إلى أن إيران هي التي نفخت به، وفرضت بقاء بشار الأسد (كان يريد الرحيل كما قالت). بمعنى أن تدخل إيران هو ما سمح باستمرار النظام، وليس شرعيته الداخلية.

وحين عجزت إيران عن حماية النظام تدخلت روسيا، وهي من منع سقوط النظام كما قالت، ومن دعاها هي إيران التي شعرت بضعف وضعها. وقبل التدخل الروسي، جرى توقيع اتفاقٍ بين الأسد الذي أُخذ إلى روسيا وبوتين هو في الواقع صك احتلالٍ ينصّ على وجود قواعد عسكرية مدة 49 سنة، قابلة للتجديد 25 أخرى. وبالتالي، جاءت روسيا دولة احتلال، وليس داعمة للنظام فقط. هذا ما قاله ضمناً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين أكد على وجود عسكري ثابت طويل الأمد في سورية.

لم أشأ الإشارة إلى شرعية النظام التي أخذها بالقوة، وفرض توريث السلطة من الأب إلى الإبن، حيث أن “شرعيته” جاءت من حالة “الاستقرار” التي أوجدها في سورية في سنوات سابقة، قبل أن يتحوّل إلى مافيا حاكمة نهبت الشعب، وفرضت الثورة. لكن انتخابات سنة 2014 أفادت بأن معظم سورية كان خارج سلطة النظام، ومن شاركوا في الانتخاب لم يتجاوزا ربما 10% من السكان. بالتالي: كيف يمكن التأكيد على شرعية نظامٍ لم يُنتخب فعلياً، وواجه ثورة شعبية هائلة؟

بالتالي، ما يكرّره الروس هو فقط لتبرير احتلالهم سورية، متمسكين بـ “شرعيةٍ مفرطة الشكلية”، حيث ليس غيرها ما يجعلهم يعتقدون أن وجودهم هو الوجود الشرعي الوحيد، وأن صكّ الاحتلال الذي وقعه النظام شرعي، وأنهم وحدهم من يجب أن يبقى في سورية.

تحتل روسيا سورية، وليس لوجودها صفة شرعية، وسورية باتت تخضع لاحتلالات متعدّدة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى