بيسان الشيخصفحات المستقبل

شرعية الشارع أو شرعية الصندوق؟

بيسان الشيخ *

لا شك في أن ما جرى في مصر أخيراً هو درس لكل رئيس مقبل يحاول جعل مؤسسات الدولة دكاكين تابعة لتياره أو لحزبه. إنها رسالة واضحة بأن الشعب بات بالمرصاد وهو مستعد للدفاع بشراسة عن حقه في تقرير مصيره. إنه بحد ذاته حدث يبعث على الأمل والتفاؤل في أن الشعوب التي انتفضت منذ سنتين من أجل الكرامة الإنسانية وأبسط حقوق المواطنة، لا تزال قادرة اليوم على محاسبة من يريد إبعادها عن أهداف ثورتها.

المشهد الذي كان أبطاله أكثر من 30 مليون مصري يدغدغ شعوراً ضمنياً بأن الحرص على مستقبل البلد لا يزال المحرك الرئيس للشارع، كما يشفي خوفاً دفيناً لشرائح واسعة من المجتمع المصري من أن يكون فعلاً «الإسلام هو الحل». إلا أن البعبع الذي ضخمته الأنظمة السابقة طوال عقود، وقع من تلقائه قبل أن يكمل عامه الثاني في الحكم سواء في تونس أو في مصر. وكان واضحاً أن «الإخوان المسلمين» الذين فازوا في الانتخابات بغالبية كاسحة، تعثروا في أول امتحان فعلي لممارسة السلطة وبدأوا يخسرون شعبيتهم نتيجة مراكمتهم خطأً تلو الآخر.

وإذا نحينا جانباً النقاش المحتدم حالياً حول ما إذا كان ذلك انقلاباً أو ثورة ثانية، يبقى أن محمد مرسي هو أول رئيس مدني منتخب ديموقراطياً، ولإطاحته في الشارع عواقب لن تكون في مصلحة أحد. ذاك أن للديموقراطية أثماناً تبدأ بالإذعان لنتائج صناديق الاقتراع ولا تنتهي عند تداول السلطة والمداورة عليها.

والواقع أن المؤشرات التي أظهرها الجيش فور تسلمه السلطة، قبل إعادة تسليمها للمجلس الأعلى للقضاء، لا تدعو إلى التفاؤل. فقد بدأت المرحلة الجديدة بإغلاق محطات التلفزة وتوقيف الإعلاميين، ومطاردة قيادات «الإخوان» وتسطير مذكرات التوقيف بحقهم، ومنع التظاهر وإعادة الملايين من حيث جاءت. وفوق هذا وذاك، اتخذ قرار وقف العمل بالدستور «موقتاً»، وتلك مهلة زمنية فضفاضة اختبرها المصريون قبل سواهم مع «قانون الطوارئ» الذي بدأ موقتاً أيضاً.

وإذا بدت تجربة «جبهة الإنقاذ» في الجزائر عام 1989 بعيدة اليوم، فثمة تجربتان قريبتان من المفيد التوقف عندهما، هما التجربة اللبنانية في إسقاط حكومة بالشارع، وتجربة حركة «حماس» في غزة بعد فوزها في الانتخابات. في الحالة الأولى انتفض الشارع أو «الشرعية الشعبية» على نتائج صناديق الاقتراع أو «الشرعية الدستورية». وخاضت البلاد على مدى سنتين منذ 2005 تجربة التظاهرات والتظاهرات المضادة وكلها شرعية «شعبياً»، حتى حسم «حزب الله» الأمر بالسلاح في 7 أيار (مايو) 2007. وكانت النتيجة أن شلت الحياة العامة وتعطل العمل بالدستور ومدد أخيراً مجلس النواب لنفسه.

أما في غزة، فبعدما فازت حركة حماس بـ76 مقعداً من أصل 132 في انتخابات 2006 منعت من ممارسة الحكم، فقطعت عنها المساعدات، وعزلت وأخضع القطاع لحصار سياسي وإنساني، انتصر فيها الجناح الأكثر تطرفاً وعنفاً.

وهذا خطر فعلي يتهدد مصر اليوم، وربما بدأت بوادره تلوح مع الدعوات إلى مليونيات مقابلة تدافع عن الشرعية الدستورية أو ما بات مبرراً تسميته «الثورة الإسلامية»، ومع الاعتداءات على مواقع للجيش في سيناء. إذا ما تطور الوضع في أي من الاتجاهين، فستدخل البلاد في أتون قد لا تخرج منه في 4 سنوات، كانت لتكون مهلة مقبولة لجولة انتخابية مقبلة. أما من يجد في الجيش صمام أمان من فوضى مقبلة، فيعود بنا إلى خانة البداية.

فإن لم يكن ما حدث انقلاباً فهو يشبهه إلى حد بعيد… بانتظار عودة شعار «يسقط يسقط حكم العسكر».

* صحافيّة من أسرة «الحياة»

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى