صفحات سورية

شعبنا السوري

 

    عبد الكريم أبازيد

هناك مقولة سوَّقها النظام وشبّيحته وطبّقوها عملياً أثناء تعذيب المعتقلين من الثوار، مفادها أن النظام، على سيئاته، كان يحقق لكم الأمن والاستقرار على حساب الحرية. أما الآن، وبعد الثورة المطالبة بالحرية والكرامة وتفكيك الدولة الأمنية وتغيير النظام، فلا أمن ولا استقرار ولا حرية ولا كرامة. فقد قُتل عشرات الألوف من ثوّاركم وهُدمت بيوتكم فوق رؤوسكم وشُرّدت عائلاتكم في البلاد. فهل كنتم على صواب؟

لكي يبرر النظام مرارة العيش وفقدان الحرية والكرامة، ابتدع مقولة “المقاومة والممانعة” وأن العالم كله، عدا روسيا والصين وإيران، يتآمر علينا! أما لماذا يتآمر علينا “ويغار منا” فلم يشرح لنا النظام سبب ذلك.

لم أجد لتعبير “المقاومة والممانعة” وليس “تحرير الأرض المحتلة”، تفسيراً سوى منع العدو من احتلال أراضٍ جديدة وعدم حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتفاقمة. فخلق أعداء دائمين هو الوسيلة الوحيدة للتهرب من مواجهة هذه المشكلات. ثم إذا كان هذا النظام يريد “المقاومة والممانعة” فلماذا يقمع شعبه؟ هل الشعب هو الذي يمنعه من “المقاومة والممانعة”؟ هل “المقاومة والممانعة” تتعارض مع إطلاق الحريات الديموقراطية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع؟

كيف لنظام أن يقاوم ويمانع إذا كان قد قتل من شعبه حتى اليوم أكثر من ستين ألفاً وجرح أكثر من مليون مواطن وهدم أكثر من مليون ونصف مليون منزل ومدرسة ودار عبادة ومؤسسة حكومية؟! كتبت إحدى الصحف السورية، منتقدةً وحشية إسرائيل، أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أورد أن قوات الاحتلال الإسرائيلية هدمت خلال التسعة أشهر الأخيرة 460 منزلاً وهجّرت 676 فلسطينياً في الضفة الغربية.

عندنا في سوريا هدمت طائرات النظام بالبراميل الشديدة الإنفجار ضعف هذا العدد في أقل من أسبوع، وهجّرت ضعف هذا العدد في أقل من تسع ساعات، مع العلم أن الاحتلال الإسرائيلي عدو للشعب الفلسطيني والنظام السوري حامٍ للشعب السوري كما هو مفترض!

في بلدان العالم التي يجري فيها تداول للسلطة يخاف الحكام من شعوبهم! يخافون أن لا يعيدوا انتخابهم إذا لم ينفذوا وعودهم، ويشعرون أنهم تحت رقابتهم الدائمة! أما عندنا فإن شعبنا كان قبل الثورة يرتعد خوفاً ورعباً من أجهزة أمن النظام. فما إن تدخل دورية أمنية إحدى القرى لاعتقال مواطنين أبدوا تذمرهم، حتى يتعوَّذ السكان من الشيطان الرجيم! السبب أن حكّامنا لم يصلوا إلى السلطة على أَكفّ الشعب، بل على أسنّة الحراب، لذا فهم يصرحون دائماً، وهم على حق: لا فضل لكم علينا بالوصول إلى السلطة! لقد أخذناها بدباباتنا ومدافعنا وطائراتنا وإذا كان لديكم مدافع ودبابات وطائرات أكثر مما لدينا، فتفضلوا “وشلِّحونا” إياها! بالفعل نرى اليوم الدبابات والمدافع والطائرات التي دفعنا ثمنها من لقمة عيشنا، تدمرنا! تقتلنا! تهدم بيوتنا وتهجرنا في الآفاق!

لقد قرأ حكامنا كتاب “الأمير” لماكيافيلي وأخذوا منه فكرة واحدة: “من الأفضل للأمير أن يكون مرهوباً لا محبوباً”. فالحب يمكن أن يخبو مع مرور الزمن، أما الخوف فهو في رأيهم سيف مصلت دائماً على رؤوس العباد! وقد قبل شعبنا التحدي! لقد كسرت الاستهانة بالموت قوة السلاح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى