صفحات الرأي

نظام الاستبداد العربي


رشيد شقير

لم يستطع نظام الاستبداد العربي بأشكاله المختلفة أن يطمس تعددية القوى السياسية وتنوع الإتجاهات السياسية والفكرية في المجتمع، ولو أنه قمعها وسجنها كلما خالفت إرادته. كما أن الإنقسامات المجتمعية (العائلية والطائفية) والطبقية التي لازمت النظام العربي نفسه، وأعاد إنتاجها من خلال سياساته الاجتماعية والإقتصادية والتربوية و”الدينية” هي من سماته البنيوية، ولو أنه أفلح في قمعها حيناً، وأفلتت من قبضته حيناً آخر بفعل تماديه في استغلال الإنسان ونهب ثروة البلاد على حسابه.

ولقد أنتجت الثورات العربية على نظام الاستبداد تظهيراً جلياً لتعددية القوى وتنوع الاتجاهات والإنقسامات التي ميّزت مجتمع الاستبداد من دون أن تستطيع بلورة سلطة لضبطها في سياق ديموقراطي، وذلك لإعتبارين : الأول يتعلق بإفتقار الثوار إلى صيغة قيادية ديموقراطية متضامنة تأخذ المبادرة بعد سقوط النظام لإعادة بناء الدولة وفاقاً لطموحاتهم، والثاني يتعلق بسعي دول مراكز القرار العالمي والإقليمي إلى استيعاب الثورات بحيث لا تؤدي إلى ضرب مصالحها وسياساتها في المنطقة. حيث إنها استطاعت في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن، وبالتعاون مع وكلائها الخليجيين خصوصاً الإلتفاف على الثورة وضمان سلطة بديلة لا تهدد مصالحها. ولقد كانت الطائفية (والقبلية)، وفي مناخ الصراع الأطلسي – الإيراني، وسيلة ناجعة لتحويل المسار الديموقراطي للثورة في اتجاه إعادة بناء نظام الاستبداد بحلّة جديدة، كما في تونس ومصر وليبيا، أو تثبيت النظام القائم (كما في البحرين)، أو إغراق البلاد في دوّامة صراع سني – شيعي، تورط إيران ودول الخليج العربي المتحالفة مع الولايات المتحدة، كما في العراق وسوريا ولبنان.

لقد أطلقت الثورات العربية صراعاً مفتوحاً، ولم يحُل دون هذا الصراع تشكل سلطة في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن، حيث إن الاحتجاجات على هذا التشكل لم، ولن تهدأ، نظراً الى ثقة الثوار بقدرتهم على التغيير، ولحضور الاتجاهات الديمقراطية اللافت في الحقل السياسي الجديد.

الثورة الديموقراطية مسار يواجه عقبات وعرقلات، أهمها وأخطرها محلياً: الإنقسام الطائفي الموتور الذي يبعثر القوى الثورية، ويخصي إمكانات تبلور مشروعها الديموقراطي. أما الديموقراطيون، فسيواجهون هذا التحدي بأبعاده المختلفة، وبعزم وحزم في هذا المسار: هذا قدرهم.

أستاذ في الجامعة اللبنانية

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى