صفحات العالم

بشار الأسد وشريكه فلاديمير بوتين


عندما نتابع سلوك بشار الأسد في أحداث سوريا ونتذكر تاريخ النظام البوتيني في روسيا، لا يسعنا الا المقارنة بين الرجلين: فلاديمير بوتين مثل بشار، خاض حربا ضد شعبه في حملة عسكرية طويلة اتسمت بوحشية خارقة واستثنائية، وذلك على خلفية عجز الاسرة الدولية، لا بل سلبيتها.

مثل بشار الاسد ايضا، اطلق بوتين نيران المدفعيات على البلدات من دون تمييز، دمر احياء بأكملها، قتل النساء والاطفال من دون رفة جفن، ارسل آلاف الاشخاص الى غرف التعذيب، حيث كانت تمارس اشكال العنف الموروثة عن الغولاغ الستاليني. والهدف كله كان: ان لا يخرج انسان حيّا من هذه الغرف الا ويكون قد سحق نهائيا، فلا يعود يفكر لحظة واحدة بامكانية ان يكون حرا.

هل فكر فلاديمير بوتين بغروزني (عاصمة الشيشان) عندما نظر الى صور مدينة حمص بعدما حل عليها الخراب؟ يبدو ان مجرمي الجملة يحبون ان يتأملوا نتائج سوء سلوكهم. الرئيس الروسي حلّق يوما فوق العاصمة الشيشانية بالهليكوبتر، واستغرب وقتها حجم الدمار الذي تسبّب به. بشار الاسد بدوره حرص على نقل زيارته الى شوارع مدينة الثورة، حمص، عبر التلفزيون، بعدما سحقتها دباباته. وفي هذه التغطية التي نقلها التلفزيون نراه يبتسم.

بشار وفلاديمير… فلنتابع المقارنة: وصل الاثنان الى السلطة في التاريخ نفسه، قبلها لم يكونا يفكران بأنهما سيصعدان الى هذه القمة. بشار كان يدرس طب العيون في لندن عندما قتل شقيقه بحادث سيارة، فأصبح بذلك الوريث السياسي البديل، وخلف والده عام 2000. اما فلايمير فلاديموروفتش، فلم يكد يصدق انه عُيّن رئيسا لجهاز المخابرات الروسية حتى “استخدمته” القبائل المحيطة ببوريس يلتسن عام 1999 مطية لاستكمال انقلاب قصر في موسكو على خلفية هجوم عسكري على الشيشان.

ثم مرت السنوات. بشار وفلاديمير حافظا اثناءها على الحلف القديم القائم بين بلديهما منذ العهد الذي كانت مخابرات اندروبوف ترعى العلاقات مع الانظمة العربية القومية.

اما اليوم فان بشار، الذي يشعر بانه محصّن ضد اي ضغط خارجي جدي، بسبب الحماية التي تؤمنها له روسيا، يدفع بالشرق الاوسط نحو سيناريو حرب شاملة. العنف بدأ يفيض عن سوريا وينال من حدود لبنان وتركيا.

روسيا تعتمد على الورقة السورية في محاولة للعودة الاستراتيجية الى الشرق الاوسط، على خلفية مواجهة بين ايران والغرب. فوق هذه الرقعة تلعب موسكو على عدة احجار: الخلاف حول النووي الايراني، الدرع المضاد للصواريخ الذي بحوزة “الناتو”، الطريق الذي تسلكه انابيب الغاز والنفط نحو اوروبا… بمساندتها نظام الاسد الحليف لإيران، تحول موسكو دون اضعاف الجمهورية الاسلامية الايرانية، وهي الجمهورية التي تقاسمها الرغبة بطرد الاميركيين من الجوار الجغرافي. مع سوريا، تعتقد روسيا بأنها تأخذ بثأرها من “الغيظ” الذي اصابها بعد سقوط القذافي. تحسب ان بقاء النظام في سوريا وايران يخدم مصالحها.

الوصفة الروسية هي وصفة مُشعل الحرائق ورجل الاطفاء: تؤجّج نيران الازمة قبل ان تقدم نفسها صاحبة المشروع بحلّها. الفيتوات الروسية كان لها مفعول الحماية القصوى لبشار الاسد. كان كلما يحصل على فيتو، يطلق العنان لجهازه القمعي. بعد كل فيتو كان يجرّ معارضيه نحو العسكرة والتطرف.

انه منطق مجرَّب، متعوب عليه: المعارضون السوريون بوصفهم “ارهابيين”، يجوز قتلهم بوحشية بالسلاح الثقيل. السلطات البوتينية عالجت موضوعها بنفس الطريقة، عندما ارتكبت المجازر بحق شعب الشيشان. موسكو ودمشق خاضا سياسة الاسوأ، القائمة على تغذية التطرف عبر عنف الدولة.

تستطيع موسكو ان تكرر الى ما لا نهاية امام المسوؤلين الغربيين ان همّها الوحيد هو حماية نفسها من الجهادية السنية البازغة في سوريا، والمدعومة من دول الخليج السنية؛ الا ان الخبراء يعرفون بأن نهج موسكو العسكري القصير النظر في القوقاز هو الذي اوجد الاسلامية المتطرفة المسلحة.

الأسد مثل بوتين جاءته فكرة تنظيم ما يشبه “الاستفتاء” (الذي ستليه “الانتخابات”) تحت وابل القذائف والرصاص، وذلك فقط بغرض تصدير صورة “طبيعية” عن بلاده. الغربيون، بعدما صدقوا الانتخابات المزيفة التي نظمها بوتين في الشيشان، وحيوها، بدوا اقل تصديقا لمناورات الاسد.

الجيش الروسي نذر نفسه لحماية المستبد السوري. عندما بدأ يتبلور نقاش في نهاية 2011 بين دول الغرب وتركيا حول اقامة ممرات آمنة تحمي المنشقين عن الجيش السوري، قدِمت البحرية الروسية الى شواطئ سوريا في طرطوس. واكدت، بشيء من الصخب، على استمرار ارسالها السلاح الى دمشق، بما فيه الصواريخ الخارقة لجدار الصوت والطائرات المقاتلة. في اواسط شهر آذار الماضي، كانت وكالة ريا-نوفوستي” تؤكد بأن سفينة روسية راسية في طرطوس تنقل مجموعات “معادية للارهاب”… كان يُفترض بها مقاتلة القراصنة في خليج عدن…

مشروع كوفي عنان يناسب موسكو تماما. اذ حُذف منه البند الذي يتضمن سيناريو مرحلة سياسية انتقالية في سوريا. بات شعور الديكتاتور السوري بأن اي عقاب لن يطاله، وهذا يعززه تدفق السلاح والمال الروسيَين. وبذلك، فان موسكو تنسف كل العقوبات الاوروبية المفروضة على دمشق، والهادفة الى قطع الموارد عن آلة القتل السورية (…).

نتالي نوغيرد

عن “لوموند” الفرنسية (13 نيسان 2012)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى