صفحات سوريةفاضل الخطيب

شقيقي التوأم نسيَ أن يحتفل بعيد ميلادي…

 


فاضل الخطيب

نحتفل هذا اليوم أنك أصبحت جزءً من حياتنا. أنت لا تشيخ أبداً، تسير الحياة ببطء فوق وجهك، لا شيء أكثر، ورغم ذلك أنت أجمل وألطف، أنت مازلت نبع شعورنا، لأنك الجلاء. ستعود ناصعاً كما كنت يوم صنعتك إرادة الأحرار من كل أطياف وطوائف المجتمع السوري، يوم تكاتف السنيّ والعلويّ والدرزيّ والمسيحي، تكاتف العربي مع الكردي والسرياني مع غيره، تكاتف الفقير والغني، الصغير والكبير، الملاك والفلاح، تكاتفوا من أجل هدفٍ واحد هو الحرية. لم يخاف السنيّ أو العلوي أن يكون الدرزي سلطان الأطرش قائداً عاماً للثورة، ولم يخاف الدرزيّ عندما كان رئيس سوريا سنيّاً. تاريخ سوريا مليء بالشواهد على تكاتف كافة طوائف المجتمع السوري تحت قيادات مسيحية أو كردية أو غيرها من الأقليات. تاريخ سوريا لا يحوي ولا تجربة واحدة فيها اضطهادٌ باسم الطائفة أو الدين أو القومية، إلاّ بعد وصول البعث وخاصة انقلاب الأسد على رفاقه واغتصابه السلطة. والأحداث القليلة جداً في تاريخنا والتي يحلو لرجالات النظام الاستشهاد بها كفزاعة من المسلمين السنة هي أحداث فردية ولم تكن على أساس ديني طائفي، وهناك تجاوزات شخصية لا يمكن اعتبارها موقفاً عاماً. وكلنا يعرف أن الذين يتحدثون عن الطائفية لا يستطيعون تقديم أمثلة عقلانية ومنطقية وواقعية تثبت أقوالهم، لأنه لا يوجد ولم يوجد صراعٌ طائفي خلال تاريخ سوريا. الطائفية والتخويف منها بدأت مع عائلة الأسد لأن نظامه استند داخلياً على تلك الفزاعة السنية الوهمية.

على الذين يؤمنون بالعقل كمرجع أعلى مقدس أن يقوموا بتفعيل العقل كأعظم مَلَكة عند الإنسان، والتحكم إلى العقل في كل ما نسمعه ونشاهده.

سأكون واضحاً أكثر: أنا سوري قبل كل شيء وبنفس الوقت أنا أنتمي إلى أسرة درزية، وأفتخر بتراث وأخلاق الدروز الحميدة، أفتخر بسلطان الأطرش ورفاقه ورفيقاته، ولم أتنكر يوماً لذلك، ورغم بعدي عن جبلي وبلدي لأكثر من 30 عاماً إلاّ أنني ما زلت أحلم بالقرية التي وُلدت فيها، وما زلت أتكلم بنفس اللهجة التي وعيت عليها، ورغم ذلك عندما رأيت قبل أكثر من 6 سنوات بيان مناشدة للرئيس السوري وللمنظمات الدولية بخصوص إلغاء قانون الإعدام بحق المنتمي لعضو الإخوان المسلمين وقّعت عليه مباشرة ودون تردد، لأنني على قناعة أنه لا يوجد ولا أي مبرر أخلاقي –ديني أو دنيوي لقتل إنسان بسبب معتقده.

في تاريخنا أمثلة عديدة عن قيادة مؤسسات كبيرة للدولة من قبل أفراد ينحدرون من أقليات دينية لأنهم كانوا أكفّاء، وليس كما فعل ويفعل نظام العائلة الحاكمة.

لقد حان الوقت –وقد حان منذ زمان- أن نتخطّى ذلك الخطاب الوهمي الخرافي للسلطة، لقد حان الوقت ليقتنع البعض أنه لا بديل إلاّ أن نضع أيدينا مع بعضنا بدون استثناء من أجل مستقبل شعبنا وإعادة البريق لوطننا وسمعته.

لقد شاهدنا قبل أشهر قليلة إبّان الثورة المصرية في ميدان التحرير رجل مسلم يقول باكياً أنه لأول مرة يعانق رجل مسيحي في حياته ويضع الصليب في رقبته، لأن خطاب النظام وأزلامه كان يقوم بمهمة التخويف وسياسة التفرقة والكراهية المتبادلة لأطياف المجتمع كي يسهل له التحكم بالجميع.

ونحن في سوريا نحتفل بأعياد بعضنا، ونأكل وننام عند بعضنا، ويضمنا وطنٌ واحدٌ حررّه أجدادنا كلنا، حتى جاء الأسد واختطفه واختزله بعائلته، وبدأ يخوّفنا من بعضنا.

إنني على قناعة كاملة، ومن خلال تجربة سياسية عمرها عقود من الزمن، تجربة نظرية وعملية في الوطن وفي المهجر. تجربة في دمشق وحلب وحمص وحماه ودرعا، وطبعاً في بلدي السويداء. من خلال تجربة في أكثر من بلدٍ أوربي وأمريكي، ومن خلال علاقة مباشرة وغير مباشرة مع أخوة/أصدقاء من كافة الطوائف والقوميات، وبالضبط من الأصدقاء المسلمين السنّة، أقول أن تجربتي تجعلني أؤكد بكل قناعة وبلا تزييف أنني لم ألمس أي إشارة مباشرة أو غير مباشرة من الأخوة المسلمين السنّة أو عن لسانهم ما يوحي أو يُشير إلى نوعٍ من التفرقة الطائفية أو التعالي أو الإقصاء.

وكان لي تجربة فريدة مع بعض القيادات الإسلامية السنّية خلال عملي ونشاطي السياسي، وأقول للأمانة أن الخلافات معهم لم تكن على أية خلفية دينية، بل خلافات سياسية بحتة. كانت هناك قواسم مشتركة جمعتنا من كل طوائف وقوميات الوطن، وكان ومازال الوطن يجمعنا مع كل أبنائه وبدون استثناء.

أقول هذا مقتنعاً وليس “قيل عن قال” ومؤكداً أن التفرقة الطائفية غير موجودة إلاّ في سياسة وتعليمات النظام الأمنية الداخلية لتفرقة المجتمع، واعتماده النظرية التي عمرها آلاف السنين “فرّق تسد”. وكذلك أقول أنني لم أتخذ يوماً موقفاً سياسياً بدون قناعة فيه، وأتحدّى أي إنسان أن يقول أو يُثبت أنني وقفت موقفاً سياسياً لقاء ثمن ما حتى لو كان بقيمة فنجان قهوة.

 

رفّرف.. استمر رفرفة يا بيرق الحياة

في الجمعة العظيمة وسبت النور

في أحد الشعانين وكل جمعة عندك صارت عظيمة

قف أيها الزمن، يمكنك الجلوس ومشاهدة التقويم

عفنٌ وعنكبوت يغطي صوامع الحرية

وصالونات الحبوب والممانعة الفارغة

ومخاوف قديمة اخترعها الذي أفرغ يومك.

مزاجي سيء ولا عجب، شقيقي التوأم نسي

أن يحتفل بعيد ميلادي.

فاضل الخطيب، 17/4/2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى