صفحات سورية

شكراً فقد صدقتم الوعد في جمعة الكرامة

 


محمد فاروق الإمام

كانت جمعة الكرامة ناجحة بكل المقاييس، حيث انطلق الشباب السوري المتحمس يهتف بملء فيه بكلمات تخرج من القلب.. تدفعها شرايين الدم المحتقن لأكثر من أربعة عقود (الله.. سورية.. حرية وبس) كاسرين حاجز الخوف وقيود الرعب، متحدين عصا الأمن الغليظة، مستذكرين قول شاعر النيل حافظ إبراهيم:

إنني حرة كسرت قيــــــودي … رغـــم أنـف العـدا وقطـــعت قيدي

أتراني وقد طـــــويت حياتي … في مراس لم أبلغ اليوم رشـــــــدي

أمن العدل أنهم يردون المــاء … صفـــــــــوا وأن يكــــــــدر وردي

أمن الحق أنهم يطلقون الأــسـد … منهم وأن تقيــــــــــد أســـــــدي

نظر الله لي فارشـــــد أبنائي … فشدوا إلى العلا أي شـــــــــــــــــد

إنما الحق قـوة من قوى الديــان … أمضى من كل أبيض وهنــــــدي

قد وعدت العـــــلا بكل أبي … من رجـــــالي فأنجزوا اليوم وعدي

نعم أنجزوا وعدي في جمعة الكرامة.. التي انطلق فيها شباب الوطن بكل حماسة وتحدي ينادون بالحرية والكرامة التي صادرها النظام السوري لنحو نصف قرن وحرم الشعب من تنسمها طيلة سني حكمه العجاف، وكما تصدينا نحن بصدورنا العارية لمدرعاتهم ورجال أمنهم عام 1965 عندما اقتحمموا علينا مسجد بني أمية لفض اعتصامنا السلمي، وسوقنا إلى السجون والمعتقلات، هاهم أبناؤنا وأحفادنا يعيدون المشهد ويتصدون لعصاهم الغليظة وخفافيش أمنهم الجبناء في نفس الموقع في جامع بني أمية بعد خمس وأربعين سنة، وبين المشهدين أقام النظام للسوريين عشرات المجازر، ونصب لهم آلاف المقاصل، وغيّب في سجونه عشرات الآلاف، ودفن في صحراء تدمر في مقابر جماعية الآلاف من شباب الوطن، وهجّر ونفى مئات الآلاف من علماء البلاد ومفكريهم من أصحاب الكفاءات العلمية والاختصاصات النادرة وأصحاب الأكف البيضاء، واحتفظ بأصحاب الولاءات من رعاع الوطن وزعرانه ولصوصه، وقلدهم المناصب وأطلق قريحتهم في إفساد المجتمع، وأطلق أيديهم في نهب ثروات البلاد، تحت بند (حزب البعث هو القائد والموجه للمجتمع والدولة) مستظلين بقانون الطوارئ والأحكام العرفية الذي فرضه على سورية منذ تسلق حفنة من صبيان ضباطه المغامرين، الذين أداروا ظهرهم للعدو الصهيوني وتسلقوا جدران الحكم في دمشق خلسة في فجر الثامن من آذار 1963، وسلم الجولان العزيز للعدو الصهيوني دون دفع أو مدافعة، وشغل الشعب بشعارات زائفة، ومواقف بطولية دونكيشية سرابية كاذبة، عبر إعلام رخيص سلب إرادته، وشغل نفسه بنهب الثروات وتكديس الأموال وإفساد المجتمع وتفقير الشعب وتجويعه وتجهيله، وعمل على إطفاء سُرج عقله ومسح ذاكرته وسلخه عن تاريخه، ودفع الشباب العاطل عن العمل ليصطفوا طوابير أمام سفارات الغرب ليستجدوا الفيزا والهجرة البحث عن عمل خارج الوطن، لتخلو له الساحة والشباب هم عماد الأمة ولهيب الثورة ودعاة التغيير.. وخاب فألهم، فهاهم الشباب وقد أداروا ظهرهم لكل شعاراته الكاذبة، وانبروا للتصدي لهالته الزائفة وبيته الذي بناه على الكذب والخداع والنفاق والغش والفساد والنهب والسرقة والفجور والرذيلة والقهر والإذلال والإقصاء والتجهيل وسفك الدماء.

هذا شبابنا يا بن أبيه قد ثار مُحكم الصف غير هياب بما تدفع إليه من خفافيشك وخدمك وعبيدك، إنهم الأحرار أبناء العلا الذين أعدهم الوطن لمثل هذا اليوم الذي نشهد فصوله في كل المحافظات السورية وفي مقدمتها محافظات ومدن الساحل التي راهنت وأبيك عليها لسنين طويلة وعملت على بث الخلافات والنعرات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية، ولم يدر بخلدك أن طينة هذا الشعب واحدة فكلهم سوريون تجمعهم هوية الوطن الواحد فالدين لله والوطن للجميع.

فهذه جبلة الساحلية بشيبها وشبابها تنتفض، وهذه درعا في الجنوب السوري تنتفض، وهذه دير الزور في الشرق السوري تنتفض، وهذه حمص ابن الولد في المنطقة الوسطى تنتفض، وهذه حلب الشهباء في الشمال السوري تنتفض، وهذه القامشلي تنتفض، وهذه عاصمة بني أمية تنتفض، وشعار الكل (سلمية.. سلمية) وكل الهتافات واحدة (الله.. سورية.. حرية وبس)، وقد اسقط هؤلاء من ذاكرتهم شعارات الزيف وهتافات التضليل، التي لم يسمع أبناؤنا غيرها لأربعة عقود، ولبطلانها وزيفها سرعان ما انمحت من ذاكرة هؤلاء الشباب، فلا شيء أسمى من حب الوطن ولا شيء أغلى من تنسم الحرية.

نعم لقد بدأت عجلة الكرامة تندفع في يوم الكرامة يوم التحدي الذي لن يوقفها عن مسارها مهما جيش النظام الفاشي من قتلته ومجرميه وآلته العسكرية الجهنمية التي أعدها، ليس لاستعادة الجولان أو تحريره، بل لمثل هذا اليوم الذي ينتفض فيه الشعب لانتزاع حريته واستعادة كرامته، كما يفعل الطاغية معمر القذافي اليوم بأهلنا في ليبيا ويسفك دماءهم ويستبيح مدنهم، ولنا فيما حدث في جمعة الكرامة في مدينة درعا، حيث لم يحتمل النظام السوري الفاشي خروج بعض الفتيان والشباب في مظاهرة سلمية تطالب بالحرية، فتصدى لهم بآلته العسكرية بدون أي مقدمات وقتل أربعة فتيان، هم شهداء أطهار في ملكوت الله، ولعنة تلاحق النظام وقتلته إلى يوم الدين.

مزيداً من التحدي والثبات يا شباب الوطن وليس أمامكم إلا حفنة من العناكب والخفافيش فلا تهابوهم فسرعان ما تلتصق أحذيتهم بأقفيتهم عند ساعة الجد والمواجهة كما فعلوا في الخامس من حزيران 1967 عندما فروا كالجرذان من أمام الصهاينة حفاة ممزقي الثياب لا يلون على شيء إلا النجاة بأرواحهم الرخيصة وحياتهم الوضيعة، فهزيمة هؤلاء ودحرهم صبر ساعة.. نعم صبر ساعة، فواجهوهم بكل الكبرياء والتحدي، ولكم في أشقائكم شباب تونس وشباب مصر المثل الأعلى والصورة المثلى وقد صنعوا لهذه الأمة تاريخاً جديداً، لا نريد لكم أقل منه أو دونه وأنتم أبناء الشام قلب العروبة النابض وشريان حريتها المتدفق، وليست دمشق التي انطلقت منها الفتوح والحضارة والعلم، دون تونس أو القاهرة، فكل العرب والأحرار في العالم قلوبهم تهفو إليكم وترقب فعالكم فلا تخيبوا آمالهم وأحلامهم!!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى