صفحات المستقبل

جامعة العلوم.. الديكتاتورية


ربيع شنطف

وكأن الحكام العرب الذين انهزموا تحت ارادة شعوبهم، قد تخرجوا من جامعة واحدة، هي جامعة العلوم الديكتاتورية، حيث نالوا عن جدارة شهادات بادارة القمع والعنف والارهاب. هؤلاء الحكام وقبيل أن تدق ساعة رحيلهم عن السلطة، أطلقوا سلسلة خطابات تضمنت التعابير نفسها تقريبا.

وعلى هذا النحو يسير الرئيس السوري بشار الأسد الذي استعار في خطابيه الأخيرين، جملاً عدة رددها قبله الرؤساء المخلوعون زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح.

ففي خطابات الأسد هناك زهد بالسلطة من جهة، وتأكيد على عدم ترك السلطة من جهة أخرى، وكأن السلطة ملك خاص موروث وليست آتية من إرادة الشعب والضرائب التي يدفعها.

في خطابه استخدم الأسد عبارة “أنا لم أسع لمنصب”، وقد استعار هذه العبارة من مبارك الذي قال: “لم أسع يوما الى سلطة أو إلى شعبية زائفة”، ومن القذافي الذي قال بطريقته الكاريكاتورية: “أنا لو عندي منصب لكنت قد لوحت الاستقالة على وجوهكم”، ومن صالح الذي أعلن مرارا وتكرارا رفضه للسلطة.

كما تضمن الخطابان هجومين على جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، فحاول الأسد اظهار العالم كله وكأنه مخطئ، وهو الأمر الذي ذهب اليه الرؤساء المخلوعون، ولعل الشتائم التي كان يطلقها القذافي بحق المسؤولين العرب والأجانب لاتزال محفورة بأذهان الكثيرين.

ولم ينس الأسد الهجوم على الوسائل الاعلامية التي أحصى من بينها ستين محطة تلفزيونية تعمل ضده، هذا الموقف يذكر بقول القذافي “ان المحطات العربية أكبر عدو”.

ومن باب محاولة استمالة المواطنين لا سيما المحايدين بينهم، استحضر الأسد السنوات والقرون، مذكرا بـ”التضحيات” التي قدمها هو ووالده للشعب، وهنا تتبادر الى الأذهان عبارات مبارك الذي كرر الحديث عن تضحياته من أجل مصر حين كان في الجيش وأيضا في الحكم، كما لا بد من استذكار ما قاله بن علي من انه “في كل يوم من حياتي كان لخدمة البلاد”.

أما الفوقية المستخدمة في خطب الأسد، فتبدو واضحة حين ادعى أن الشعب يقف الى جانبه، وهو لم يعتبر من ما حصل مع القذافي الذي كان يردد ان الملايين مستعدة للدفاع عنه، فضلا عن وصف نفسه بملك ملوك افريقيا.

ولم يفت الأسد وصف من يخالفه الرأي بأبشع الأوصاف، فقد نعت الأخوان المسلمين باخوان الشياطين، كما وصف شعبه بالجراثيم، الامر الذي سبقه عليه القذافي الذي قال عن الثوار انهم جرذان، فيما استخدم مبارك عبارة بلطجية، أما بن علي فنعت الثوار بغير الحضاريين.

ولعل الجامع المشترك بين الزعماء المخلوعين هو استحضار فزاعة القاعدة، فما من زعيم الا وهدد العالم بهذا التنظيم، قائلا: “ان البديل عنه هو القاعدة”.

والمضحك هو استخدام الأسد عبارة الى الأمام، وهي العبارة التي قالها القذافي والتي حفظها الناس عن ظهر قلب وتناقلوها حتى عبر هواتفهم الخلوية.

وانطلاقا من ما تقدم، فيبدو ان مدوني خطابات الزعماء الديكتاتوريين لا يأخذون وقتهم الكافي بتدوينها، لأنهم يستنسخون المعاني نفسها وأحيانا الكلمات نفسها، أو ربما تلعب الصدفة دورها بتكرار العبارات لأن المدونين والزعماء قد شربوا من نبع واحد، أو تخرجوا من “جامعة الديكتاتور لوراثة الحكم”.

في هذا الرابط تقرير تلفزيوني عن أوجه الشبه بين خطابات الحكام.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى