صفحات العالم

شيء من «المشاعية البدائية»

مصطفى زين

نقلت وكالة «الأناضول» عن المعارض السوري ميشال كيلو أنه التقى في أنطاكيا «قوى مسيحية حضرت من الداخل والخارج» لتشكيل هيئة أطلق عليها اسم «سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية». مهمة الهيئة «هدم الهوة بين المسيحيين الذين ما زالوا يؤيدون النظام والثورة». وأكد أن الفصيل الجديد «مع رهانات الثورة الحقيقية، كما أنه ضد الفوضى والخيار الإسلامي». أي أنه تشكيل مسيحي في مواجهة تشكيلات إسلامية. واعتبر المسيحيين الذين يؤيدون النظام «إما شبيحة أو ضللتهم الكنيسة».

واضح من تصريح كيلو أنه التحق بـ «الثورة» باسم طائفة سورية عرفت بعلمانيتها واعتدالها. وكي يكون له قيمة ومركز في القيادة كان لا بد من أن يلحق به قبيلة أو مذهباً كي يدخل «الرهانات» زعيماً. يؤكد هذا الالتحاق طبيعة «الثورة» ممثلة بـ «الائتلاف الوطني». ائتلاف مكون من طوائف ومذاهب وإثنيات، لكل منها برنامج ورؤية إلى هوية سورية «الجديدة». فيه «الإخوان المسلمون»، والسلفيون، والعشائر، والأكراد، ومسيحي (جورج صبرا) لا يعتبره كيلو ممثلاً لهذه الطائفة وإلا لما نافسه على الزعامة، وفيه أيضاً «مستقلون» مثل برهان غليون وبسمة قضماني وغيرهما ممن أسسوا «المجلس الوطني» وفرضهم الخارج الذي يمثلون أكثر مما يمثلون الداخل.

في معنى آخر التحق كيلو بـ «الرهان» ليحجز له باسم المسيحيين مكاناً في النظام المنشود، قبل فوات الأوان، أي قبل أن تتقاسم مكونات «الائتلاف» الحصص ويبقى هو خارج اللعبة ففي «النظام» الجديد لا وجود للمواطن الفرد المنتمي إلى الدولة بهذه الصفة فالحقوق موزعة على الطائفة والمذهب والعشيرة.

هل هذه هوية سورية المنتظرة؟ هل ستشبه العراق؟ هل ستكون مثل لبنان؟

علمتنا التجربة العراقية أن «ائتلاف» المعارضة قبل سقوط النظام كان يشبه الائتلاف السوري في تنويعاته ومكوناته. وبعد الاحتلال أسقطت الهوية العربية من الدستور. أما لبنان فخيضت فيه حروب أهلية كثيرة، بدءاً من عام 1958 حتى توافقت «مكوناته» بالإكراه على أنه «ذو وجه عربي»، وما زالت هذه «المكونات» تتناحر منذ الاستقلال إلى اليوم.

ليس من قبيل المصادفة أن لا تتحدث المعارضة السورية عن هذه القضية المهمة في أي من أدبياتها، أو في أي من برامجها وتصورها للمستقبل، علماً أن من أولويات الثورة، أي ثورة في العالم، تحديد الأهداف بناء على هوية الدولة التي تسعى إلى إنشائها كي تحدد تصورها للصراع في المنطقة وعليها، إذ لا يمكن لسورية، وهي في قلب هذا الصراع، أن تكون محايدة أو محيدة، وهذا ما تسعى إليه دول كثيرة بعد التدمير المنهجي لكل البنى التحتية وللمجتمع، وبعد انحياز «مكونات» المعارضة إلى هذا الطرف أو ذاك.

فضلاً عن ذلك، لا يكفي القول أن «الثورة» تسعى إلى إطاحة الديكتاتورية وإقامة الديموقراطية، فالمفهومان عامان سبق للثورتين التونسية والمصرية تبنيهما، وما أن وصل «الإسلاميون» إلى السلطة حتى بدأوا «أخونة» كل المؤسسات وإبعاد كل من يخالفهم الرأي ممن كانوا معهم ليؤسسوا ديكتاتورية جديدة مقدسة يفتى بقتل من ينتقدها، وبالانتقام من كتب وتماثيل أي مفكر ميت يشكل خطراً على توجهاتها (تحطيم تمثال طه حسين).

لم يكن متوقعاً من ميشال كيلو أن يلتحق بـ «الرهان على الثورة» باسم المسيحيين، فقد عرف عنه أنه مناضل ليبيرالي علماني. هل استطاعت «الثورة» تغييره مثلما غيرت ماركسيين ويساريين وقوميين عادوا تائبين إلى «المشاعية البدائية» قبائل وعشائر تقتتل على «مصادر الرزق».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى