صفحات الثقافة

صالح علماني: العاشق الاسباني من جحيم دمشق إلى طليطلة

خليل صويلح

كرِّم صالح علماني (1948) أخيراً في طليطلة الاسبانية عاصمة التسامح والتفاعل الحضاري. وكان المترجم الفلسطيني السوري منهمكاً بتعريب رواية «ألعاب العمر المتأخر» للإسباني لويس لانديرو التي طالما أجّل ترجمتها. لكنه ما أن قطع شوطاً في ملاحقة مصائر أبطالها، حتى أطاحت قذيفة ركناً من بيته في ضاحية «المعضمية» عند تخوم دمشق، فاضطر إلى النزوح نحو مخيم اللاجئين في حمص، المخيّم الذي شهد طفولته الأولى بعد نكبة فلسطين، ثم غادره بعد شهر عائداً إلى دمشق مرّة أخرى. لكن صوت القذائف في «صحنايا»، والزحام البشري هناك، منعه من إكمال عمله على الرواية. كان عرّاب الترجمة العربية لروايات الواقعية السحرية يحلم بإتمام بناء بيته الريفي في إحدى قرى الجنوب السوري، أكثر الأماكن هدوءاً. الطريق إلى هناك لم يعد آمناً، كما كان. أما مخططاته باستضافة مترجمين من العالم في إقامات إبداعية، في هذا المكان الساحر، فقد ذهبت أدراج الرياح. هكذا تعاضد أدباء إسبانيون أخيراً، على إنقاذ مترجمهم الأوحد، من أتون الجحيم السوري بدعوته إلى «مدرسة طليطلة للمترجمين» وتكريمه هناك. كولونيل الترجمة الذي قال عنه الراحل محمود درويش «هذا الرجل ثروة وطنية ينبغي تأميمها»، عرّب إلى اليوم ما يفوق 100 كتاب من عيون آداب أميركا اللاتينية، قد أحسَّ بغصّة عميقة من جهة، وغبطة مفاجئة، من جهةٍ ثانية، إذ لم تكرّمه جهة عربية واحدة، طوال العقود الثلاثة من العمل الشاق والنوعي والمشرق، في رفد المكتبة العربية بأعمال أحفاد لغة سرفانتس، من غابرييل غارسيا ماركيز، وخوسيه ساراماغو، وماريو بارغاس يوسا، إلى خوان رولفو، وإيزابيل الليندي، وإدواردو غاليانو. بطريقته التي تلتقط نبض النص الأصلي، وتلاحق نكهة الجملة قبل معناها الحرفي، تحول علماني إلى «مؤلف الظل» في ترجماته التي اعتاد القراء عليها، وباتوا يشعرون أنهم يقرأون لمؤلف واحد هو مترجم هذه الروايات. تخللت حفلة التكريم التي أقيم أخيراً شهادات مكتوبة وأخرى صوتية لعدد من الكتّاب الذين قدّمهم علماني إلى لغة الضاد، كما ألقى علماني نفسه، كلمة باللغة الإسبانية عن تجربته في الترجمة، بالإضافة إلى أبرز الكتب التي تركت أثراً شخصياً عليه، وفي مقدمتها رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز. وإلى جانب التكريم، يشهد رواق «مدرسة طليطلة للترجمة» معرضاً لمعظم الكتب التي أسهم المترجم الفلسطيني البارع في نقلها إلى العربية.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى