صفحات سورية

صحوة أخلاقية أم قفزة هوائية؟/ حسن النيفي

 

 

منذ تشكيله بتاريخ 11 – 11 – 2012 ،يسعى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سورية لأنْ يكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للسوريين الثائرين بوجه نظام الأسد، وفد توفرت له العديد من المقوّمات أو الحوامل التي تلبي رغبته ومساعيه،ولعل من أبرز تلك الحوامل الاعتراف السياسي الدولي الواسع،وكذلك الدعم المالي الهائل إبان تشكيله،فضلاً عن العوامل اللوجستية التي لا يستهان بها،إذ فُتحت لأعضائه أبواب قطر وتركيا والسعودية وفرنسا والعديد من الأماكن،كما استطاع أن يحظى- إبان تشكيله – على تأييد لا بأس به من تشكيلات الحراك الثوري في الداخل السوري.

لعل حاجة السوريين إلى كيان سياسي يجسد تطلعاتهم ويمثلهم أمام المجتمع الدولي جعلتهم لا يقفون كثيراً عند طبيعة هذا الكيان و آليات تشكيله ونوعية أعضائه وانتماءاتهم السياسية والأيديولوجية ،والجهات الممولة لهم،كذلك لم يقف السوريون عند ضرورة التمثيل الحقيقي لكل المدن والبلدات السورية،بل كانت معظم أطياف الحراك الثوري مسكونة بالوهج الثوري الذي عزز في نفوس الكثيرين أن نظام الأسد في طريقه إلى السقوط،الأمر الذي جعل الشعور العام يتجه نحو ضرورة وجود قيادة للثورة السورية تواكب مستحقات تلك المرحلة.على أية حال يمكن إجمال مواقف الشارع السوري الثائر إبان تشكيل الائتلاف بما يلي:

1 – قسم كان يرى أن العنف الذي يمارسه نظام الأسد سيجعله في مواجهة مع المجتمع الدولي الذي لن يسمح لبشار الأسد بالإمعان في قتل السوريين،وبالتالي لا بدّ أن تتدخل الدول العظمى لردع الأسد أو إسقاط نظامه، وذلك على غرار السيناريو الليبي. وفي هذه الحال سيكون وجود الائتلاف وتأثيره مؤقتاً، أي ربما يقود الائتلاف مرحلة محددة تنتهي مع البدء بإنشاء كيان حكومي بديل عن نظام الأسد.

2 – ثمة طيف آخر من الشارع السوري أبدى مزيداً من(حسْن النيّة)،إذ رأى أن كيان الائتلاف على علّاته يجب أن يستمر، وعلى السوريين الالتفاف حوله وتوفير كل أشكال الدعم له، ورأى هؤلاء – وقت ذاك – أن مجمل الإشكاليات الكامنة داخل الائتلاف سوف تجد طريقها إلى الحل، وذلك من خلال مزيد من (المأسسة) التي من شأنها تقوية دعائم هذه المؤسسة السياسية بغض النظر عن الأشخاص المنضوين فيها.

3 – وهناك قطاع واسع من السوريين أبدى منذ البداية موقفاً رافضاً للائتلاف معلّلاً رفضه بأن هذا الكيان الجديد لم يكن مُنتَجاً محليا أو سورياً، بل هو صنيعة إقليمية، ولم يكن منبثقاً من الحراك الثوري السوري، بل إن الكثير من أعضائه تم تعيينهم إقليمياً، دون أن يكون لهم أي رصيد كفاحي أو ثوري سابق.

وعلى الرغم من كل تلك الانقسامات في الشارع السوري، فقد استطاع الائتلاف أن يصمد أمام معترضيه، بل ويحسم هذه القضية حين حصل على اعتراف سياسي دولي واسع بشرعية وجوده كممثل رسمي للمعارضة السورية، وهذا ما أراح الائتلاف من عبء حيازة الشرعية من الشارع السوري. وأصبح وجوده أمراً واقعاً مفروضاً لا بدّ من التسليم به.

ثمة عوامل موضوعية كان لها الأثر الأبرز على محدودية المُنتَج السياسي للائتلاف، لعلّ أهمها طغيان السلاح على الأرض السورية، وتعدد الفصائل العسكرية، وعدم وجود تنسيق حقيقي بين تلك الفصائل وبين الائتلاف الذي لم يعد يملك على الأرض أي قرار، إضافة إلى التدخّل الدولي والإقليمي المبكّر في القضية السورية، وإمساكه بكل مفاصل الصراع الميداني والسياسي، إلى درجة بات فيها الائتلاف هو الطرف الأضعف بين الأطراف المتصارعة في سورية.

إلّا أن هذه العوامل الموضوعية ما كان لها أن تصل إلى هذه الدرجة لولا وجود قابلية كبيرة لعوامل نموّها واستفحالها داخل (تركيبة) الائتلاف ذاته، وهذا ما ندعوه بجملة الأسباب الذاتية التي أدّت إلى عقم هذا الكيان، بل جعلت منه عقبة أمام أي حراك سياسي سوري يحاول اختراق الحالة الآخذة بالتردّي منذ عام 2013 ، أي منذ انعقاد صفقة الكيماوي بين (بوتين وأوباما) وحتى اللحظة الراهنة.

ذلك أن السير نحو عملية (المأسسة) انقلب إلى:

1 –  تكريس ل(الشخصنة)، وباتت منظومة الائتلاف تخضع لمراكز قوى(لوبيات)،وتفاقم الصراع بين هذه اللوبيات على النفوذ والمنافع الشخصية الضيقة بات بديلاً حقيقياً عن التفكير في الشأن العام.

2 – مجمل الأطر الناظمة لعمل هذا الكيان ما تزال هزيلة وبالية وفاقدة لمفعولها( نظام داخلي لم يطرأ عليه أي تغيير حقيقي يواكب المستجدات المتلاحقة – غياب نظام مالي دقيق وشفاف – انعدام مبدأ المحاسبة والمساءلة إلخ).بل يمكن التأكيد على أن هناك العديد من المجالس المحلية في المدن والبلدات السورية لديها نظام إداري ولوائح ناظمة لعملها أرقى بكثير مما لدى الائتلاف.

3 – الإصرار الشديد على عدم تغيير أو مغادرة أي عضو داخل هذا الكيان على مدى ست سنوات، وكل ما جرى من ترقيعات لا تتجاوز إضافة عدد السيدات استجابة لمطلب خارجي، أو زيادة عدد أعضاء طرف ما من اللوبيات الموجودة، الأمر الذي بات يفصح عن جوع شديد لسلطة افتراضية ومنافع شخصية توازي في شدّتها جوع الأسد وتشبثّه في السلطة.

4 – غياب أي جسور حقيقية بين الائتلاف وبين مجمل الحراك السياسي السوري، سواء على مستوى الأحزاب والتجمعات السياسية أو التيارات أو تجمعات المجتمع المدني، بل ثمة شعور بالريبة والقلق من إقامة جسور كهذه، ظنّاً بأنها ستؤدي إلى مشاركة السوريين بالتفكير في مصيرهم، وهذا ما يعدّه الائتلاف حكراً له وحده.

الآن، وبعد موت سريري باتت علائمه تظهر بالتدريج، أصبحنا نشهد استقالات متتابعة لأشخاص بارزين ضمن تركيبة الائتلاف، يعزون استقالاتهم إلى أسباب سياسية أو مبدئية، ربما كان من حقهم أن يبرروا استقالاتهم بما يشاؤون، ولكن لا أعتقد أن هذه التبريرات باتت تقنع السوريين الذين كانوا ربما سيصدقون ذلك لو كانت هذه الخطوة على إثر سقوط حلب الشرقية في مطلع 2017 ، أو بعد انخراط المعارضة في مسار(أستانا) الذي عزز عمليات التهجير القسري وإبادة المدن والبلدات أو تهجير أهلها، أو لو كانت هذه الخطوة أيضاً على خلفية الإطاحة بمسار جنيف واكتفاء هيئة التفاوض بالمصارعة للحصول على مقاعد محددة في اللجنة الدستورية.

ربما لا يملك السوريون الذين ما يزالون يحملون قيم الثورة وتطلعاتها أيّ آلية مادية لمحاسبة كل من أساء لثورتهم،ولكن في الوقت ذاته هم (ووفقاً لنواظمهم القيمية والوطنية) كانوا ينتظرون وازعاً أخلاقياً يدفع بمن أساؤوا أو أخطؤوا إلى الاعتذار العلني للسوريين عن سلوك لا يوازي تضحيات عظيمة على امتداد سبع سنوات.

خطاب معظم الشخصيات الائتلافية على وسائل الإعلام، وخطابهم الذي نتوقع أن نبقى نسمعه حتى وإن أُبيد الشعب السوري بأكمله، والذي يمكن توظيفه لإخفاء أشنع الأفعال هو هو، الصمود وعدم التفريط بالحقوق ومقاومة المشاريع المعادية والوقوف في وجه المؤامرة الدولية. لا شك أنه المعادل الموضوعي لخطاب سلطة آل الأسد على امتداد أربعة عقود من الزمن، الفرضية ذاتها تتكرر، خطاب الممانعة المزيفة يجب أن يوازي – ضمناً – مزيداً من الخراب والدمار للإنسان السوري.

تلفزيون سوريا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى