صفحات العالم

الباص الدولي لم يصل سوريا بعد: فهل هو في الطريق..؟


د .علي الخشيبان

متى سيصل الباص الدولي الحقيقي لينقذ سوريا من هذه الكارثة..؟ سؤال ينتظره السوريون على أحر من الجمر بعدما وصلهم باص صغير يحمل مجموعة من المراقبين الخائفين على أنفسهم أكثر من خوفهم على الشعب السوري الذي يقتل

يدخل عدد القتلى في سوريا الرقم عشرة آلاف ممن قتلوا على يد النظام وهذا الرقم مرشح ليتضاعف في حالتين: الأولى أن يكون التباطؤ الدولي سمة المرحلة القادمة فيما يخص القدرة على ثني النظام السوري عن ممارسة المزيد من عمليات القتل، والثانية أن تتحول الأزمة بشكل فعلي إلى حرب أهلية حيث لا خيار سوى أن يتقاتل السوريون بينهم.

المراقبون الدوليون برئاسة الجنرال روبرت مود يواجهون صعوبة في تحديد آليات عملهم فالأرض السورية احترق منها الجزء الأكبر بفعل جيش النظام وما بقي لبعثة المراقبين هو محاولة إطفاء ما أحرقة الجيش السوري وليس منعه من إحراق المزيد لأن هذه المهمة تبدو صعبة في المرحلة الحالية فالنظام السوري لا يستجيب لخطة المبعوث الدولي عنان لأن في ذلك اعترافاً بالمعارضة وهو ما عمل النظام السوري على تجنبه طيلة الأشهر الماضية.

النظام هناك يعتبر التظاهرات جزءاً من عمل تقوم به جماعات مسلحة وعملاً إرهابياً وليسوا مواطنين باحثين عن لقمة حرية ليس أكثر، ولذلك فالمهمة القائمة بين النظام السوري والمراقبين الدوليين غريبة في مسارها فلا يسمح لهم النظام بتكوين جسد سياسي من المتظاهرين يمكن أن يكون طرفاً سياسياً مقابل النظام الذي يسمح فقط لهم بزيارة مواقع مدنية متعاطفة مع الثوار ولكنها ليست في وضع يجعلها كتلة حاسمة أو مؤثرة سياسياً.

ما تعرضه وسائل الإعلام المصاحبة للمراقبين هي صور لأطفال أو نساء أو من كبار السن أما الشباب فنادرا ما نشاهدهم إلا في مواقع هي غالباً خارج سيطرة النظام بشكل كامل ولكن هذه المواقع قليلة ويستطيع النظام السوري مهاجمتها في أي وقت.

متى سيصل الباص الدولي الحقيقي لينقذ سوريا من هذه الكارثة..؟ سؤال ينتظره السوريون على أحر من الجمر بعدما وصلهم باص صغير يحمل مجموعة من المراقبين الخائفين على أنفسهم أكثر من خوفهم على الشعب السوري الذي يقتل.

المؤشرات توحي بالكثير من العقبات قبل انطلاقة هذا الباص الدولي ولكن كما يبدو أن العالم بما فيهم السوريون وفي عزائهم لهذا التخاذل الدولي تجاه قضيتهم حيث يرددون المثل العالمي الذي يقول “أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبدا” ولعل هذا المثل عزاؤهم الوحيد فهذا الشعور أصبح سمة لدى الجميع الكل يتساءل هل سيسقط النظام السوري ويرحل الأسد هل سيصل العالم لينقذ سوريا ولو متأخرا!!؟.

الوضع السوري معقد بشكل كبير فمثلاً الموقع الجغرافي لسوريا والتورط الإيراني في سوريا والدعم الدبلوماسي والذي وصل إلى حد استخدام الفيتوا من قبل روسيا من أجل حماية النظام كلها دون تفسيرات مقنعة.

النظام السوري لم يعد أمامه حلول سياسية سوى تصدير الأزمة إقليميا وهذا يعني خلط الأوراق عسكريا وجيوسياسيا ، هذه الاحتمالات واردة في حال بقي هذا النظام أو لنقل أُبقي هذا النظام قوياً فالحقيقة السياسية والاقتصادية تقول ان نظام بشار الأسد اليوم في العناية المركزة وكل ما يحتاجه أن يقوم العالم بإيقاف أجهزة التنفس والإنعاش عن هذا النظام لأن تكاليف علاج النظام سياسياً وبقائه على قيد الحياة مكلف جداً وقد لا تستطيع المنطقة والعالم دفع فاتورة بقائه على قيد الحياة.

قد تكون عواقبه حرباً أهلية، وهو احتمال رقم «واحد» ترافقها حرب إقليمية احتمال رقم «اثنان» ثم رائحة للحرب تنتشر في العالم حيث لا يمكن التنبؤ بعواقب استنشاق هذه الرائحة ثم أخيراً تصفية حسابات في المنطقة تشعل حرباً ساخنة بين دول الشرق الأوسط.

العالم اليوم ينتظر بفارغ الصبر ليس نجاح مهمة عنان ولكن فشلها فتصريحات دول كبرى تشير إلى ذلك لأن لخطة الدولية الثانية هي التي سوف تحرك الباص الدولي قادماً من نيويورك وتحديداً من محطة البند السابع للأمم المتحدة ولكن كما يبدو أن هذه الرحلة تتطلب الإجابة على الكثير من الأسئلة السياسية قبل انطلاقها فلا زال العالم يبحث عن إجابات دولية ومحلية للبديل القادم عن النظام الحالي.

الواقع ان القلق كبير حول من سيحكم في سوريا بعد الأسد كما يبدو لي أن التجربة التونسية مرشحة لكي يتم تطبيقها في سوريا حيث برهان غليون صاحب الاتجاه الليبرالي في مجلس وطني يشكل أعضاءه مجموعات كبيرة من الإخوان المسلمين وهذا ما حدث تقريباً في تونس عندما انتخب المرزوقي رئيساً في ظل تكتل كبير من جماعة النهضة في البرلمان.

الخيارات كثيرة والاحتمالات بعضها مروع ومقلق للمنطقة بأكملها وخصوصا أن النظام السوري بقي مدة أكبر من تلك التي توقعها الكثير من المراقبين الدوليين وقد تطول هذه المدة مع عملية سياسية تمارسها المنظمة الدولية ويمارسها العالم مع الحالة السورية يمكن تسميتها عملية (إحراق الشمعة).

فمن المعروف أن الشمعة تتطلب وقتاً طويلاً لكي تحترق ونحن لا نريد أن نشاهد احتراق سوريا تدريجياً ونحن ننظر إلى ذلك الضوء الخافت الذي تصدره تلك الشمعة معتقدين أن ذلك أمل سياسي فالمزيد من القتل والتدمير وتعطل الحياة وانهيار الاقتصاد مستمر.

اليوم يزداد القتل ويقل الغذاء ويستهلك الدواء ويموت الأطفال وتتعطل المدارس والجامعات وتتوقف الحياة في هذا الوطن العربي الغالي كل ذلك يحدث منذ أكثر من عام في سبيل رئيس يريد أن يبقى في السلطة وهذا لن يحدث لأن التاريخ وسنن الكون ترفض هذه الوسائل بل إن التاريخ كله لم يسجل أن سلطة بقيت كما هي وفي ذات مكانها بينما شعبها يعلن عكس ذلك، ميكيافلي صاحب كتاب الأمير يقول إن المكر والخديعة في الحكم والوصول إليه وعدم الصدق كفيلان بذهاب الحاكم وسقوطه.

الجانب الاجتماعي في سوريا خطير وهناك بعد كبير عن تحليل للوضع الاجتماعي في الداخل السوري وخاصة بين الفئات التي تتعرض للقتل فالصدمات النفسية التي يواجهها الأطفال والنساء والشباب على حد سواء كلها عوامل مهمة ومؤثرة في المشهد السوري، بل إن الجانب النفسي يوحي بارتفاع معدلات الإحباط في مقابل معدلات الخوف لدى الشعب السوري مما ينبئ عن مواجهات دموية سوف تحدث بين الجيش والمتظاهرين، فالكثير من مشاهد القتل التي يمارسها شبيحة النظام أو الجيش أو المتعاونون معه غالباً ما ترتبط بمشاهد مرعبة وطرق مبتكرة للقتل والتعذيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى