صفحات سوريةفايز ساره

النزف السوري ..آخره اللجوء/ فايز سارة

تقترب ثورة السوريين من اغلاق عام ثالث، شهدت فيها البلاد سلسلة من التطورات العاصفة، كان عنف النظام ابرز مجرياتها، وتسبب العنف الاعمى للنظام بخسائر بشرية ومادية، لا يمكن حصرها وبالتالي تقدير تأثيرها على سوريا والسوريين سواء في الواقع الحالي او في المستقبل، الامر الذي يعني ان ما تسبب فيه النظام من خسائر، سوف يترك اثره السلبي على فترات طويلة بعد تغيير النظام وسوف تكون تلك الآثار واحدة من ابرز التحديات السورية المقبلة.

وبطبيعة الحال، فان ثمة اختلافات في معنى واثر الخسائر البشرية والمادية. واذا كان من السهل تعويض الخسائر المادية وانهاض البلاد ووضعها على قاعدة تطور مستقبلي من خلال جهد جدي ومتواصل للسوريين، يتجاوز ما خلفته حرب النظام على البلاد، فان الخسائر البشرية، لا يمكن تعويضها، بل ان من الصعب تجاوز آثارها حتى في خلال جيلين او ثلاثة، وثمة جوانب في آثارها، قد لا تمحى في المستقبل بما خلفته في روح وضمير الشعب السوري.

والحديث عن الخسائر البشرية، حديث عن نزف بشري، اخذ اشكالاً متعددة، لكن اساسه ومنطلقه الاساسي عمليات العنف والارهاب. واول هذه الاشكال وربما هو اخطرها عمليات القتل الواسعة التي قام بها النظام، اضافة لما تسببت به قوى اخرى سارت على درب النظام وبرنامجه في اشاعة القتل منها جماعات التطرف والعصابات الاجرامية، التي لم يفلت منها كثير من السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وبفعل ذلك كله فان من الصعب الوصول الى ارقام حقيقية عما اصاب السوريين من خسائر بشرية، لكن اكثر التقديرات شيوعاً، فان عدد الذين سقطوا في العمليات العسكرية الامنية، التي قام بها النظام تجاوز المئتين وخمسين الف نسمة، وهناك ما يزيد على هذا العدد ممن اصيبوا اصابات دائمة، جعلتهم يحملون اصابات وعاهات دائمة نتيجة الاعمال العسكرية والامنية، والتي شملت اضافة لما سبق عمليات اعتقال يقدر عدد من اصابتهم المئتين وخمسين الفاً، وقسم كبير من هؤلاء غير معروف مصيرهم، والاعتقاد السائد، انهم قتلوا بالاستناد الى تجارب السوريين مع النظام واجهزته الامنية.

ودفعت عمليات النظام الامنية والعسكرية بملايين السوريين لمغادرة بيوتهم واماكن سكنهم واللجوء الى اماكن اخرى، يعتقدون انها اقل خطراً، وتوفر لهم حداً ادنى من السلامة، وحسب التقديرات، فان عدد هؤلاء وصل الى قرابة عشرة ملايين نسمة، وكثير منهم تم تشريدهم مجدداً من اماكن وصلوا اليها هرباً، وفي كل مرة كانت حياتهم واوضاعهم تزداد تردياً. وفي ظل تدهور الاوضاع الامنية والمعاشية، اندفع ملايين من السوريين للمغادرة الى الخارج، وقد استقر القسم الاكبر منهم والمقدر بنحو اربعة ملايين في تركيا ولبنان والاردن والعراق المجاورة لسوريا، فيما ذهب آخرون الى ابعد من دول الجوار من بلدان عربية اهمها مصر وجزء الى دول غربية.

وياستثناء توزع اللاجئين السوريين على البلدان، فقد توزعوا هناك بين لاجئين مسجلين لدى الامم المتحدة ومقيمين هم خارج تلك السجلات، وهو توزع يعكس اختلافاً في اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والمعاشية في آن معاً، وسوف يكون لذلك تأثير على مستقبل روابطهم بسوريا في المستقبل.

واذا كان القسم الرئيس من السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء وبخاصة في الاردن ولبنان، ينتظرون فرصة العودة الى بلدهم وبيوتهم وخاصة تحت ظروف حياتهم الصعبة هناك، فان قسماً اقل من المقيمين في البلدان التي استقروا فيها، يمكن ان يرجعوا الى سوريا، نظراً لاستمرار الظروف الصعبة الحالية، والتي سوف تستمر لسنوات بعد سقوط النظام بسبب ما سببه من دمار في البنى التحتية وفي وسائل عيش السوريين، وبزوال هذه الاسباب قد يعود كثيرون.

غير ان بعضاً ممن غادروا سوريا في الفترة الماضية، قد لا يعود ابداً والاشارة هنا تشمل الذين حصلوا على فرصة لجوء الى البلدان الغربية وبخاصة غرب اوروبا والولايات المتحدة، والذين قارب عددهم حسب المصادر الغربية الخمسمئة الف شخص، ومعظم هؤلاء صارت لهم روابط وعلاقات وثيقة مع المجتمعات التي لجأوا اليها، وسوف يكون من الصعب عودتهم الى سوريا في المستقبل.

لقد اوقع النظام خسارة بشرية كبيرة بالسوريين في قتلهم وجرحهم واعتقالهم، ثم في تشريدهم داخل وطنهم وفي بلدان اللجوء، ويزيد عدد هؤلاء او يقارب نصف عدد السكان السوريين البالغ 23 مليون نسمة، ومما يعطي اهمية خاصة لهذا الرقم، ان فيهم اعداداً كبيرة من الطلاب وخريجي الجامعات والاساتذة والمتخصصين ورجال الاعمال والمثقفين، مما يعني صعوبة تعويضهم في مرحلة سوف تحتاج فيها سوريا الى كثيرين منهم بعد تغيير النظام واعادة بناء سوريا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى