صفحات العالم

مقالات تناولت الفوز الكبير الذي حققه اليمين المتطرف في الانتخابات الاوروبية

 

 

 

المفاجأة أن لا مفاجأة / حسام عيتاني

المفاجأة الوحيدة في الفوز الكبير الذي حققه اليمين المتطرف في الانتخابات الاوروبية، هي ان ثمة من فوجئ به. وفي اقتراع قاطعته نسبة كبيرة ممن يحق لهم الادلاء بأصواتهم، بدا ان الخطاب المناهض للاتحاد هو القادر على جذب جمهور يعرف، على الاقل، ما لا يريد.

كلمة مارتين لوبن، زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية التي حصدت 26 في المئة من أصوات الفرنسيين، غداة فرز أكثرية البطاقات، تقول ما لا يود قادة الاحزاب التقليدية، في اليمين واليسار، سماعه: لقد ضاق المواطنون ذرعاً بسياسات لا يشاركون في صناعتها ويفرض عليهم تطبيقها من قبل مسؤولين اوروبيين مجهولين وغير منتخبين. السياسات هذه، وفق لوبن، تقيد قدرات الفرنسيين على معالجة ازماتهم وتحول دون الاستفادة من طاقاتهم.

يبدو الكلام أعلاه صائباً للوهلة الأولى. ذلك ان سياسات التقشف التي يتبناها الاتحاد والمصرف المركزي الاوروبيان قد أصابت ذوي الدخل المحدود وباتت تهدد كل المكتسبات الاجتماعية التي حققتها الطبقات العمالية في اوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتضع مصير دولة الرعاية على المحك.

اليسار الاشتراكي واليمين المحافظ اللذان يتصدران المشهد السياسي منذ عقود يخفقان في كل مرة في الاستجابة لما تطرحه العولمة والمنافسة المفتوحة من تحديات. ومنذ الازمة المالية العالمية في 2008، أصبح كل ما يرتبط بالاتحاد الاوروبي يذكر بالبلادة والخمول وانعدام المخيلة في معالجة مشكلات البطالة والفقر وارتفاع قيمة اليورو على نحو يهدد تهديداً جدياً، ليس الصادرات الاوروبية المرتفعة الكلفة فقط، بل ايضاً الاستقرار الاجتماعي.

في هذا المناخ ينتقل الاهتمام من المتن الى الهامش، ومن مركز الحياة السياسية الى اطرافها. الى مارتين لوبن على اليمين وأوليفيه بيزانسو وجان- لوك ميلونشون على اليسار. لكن في الوقت الذي يبدو اليسار المتطرف فاقداً لأدوات تحقيق سياساته في ظل التغيرات الاجتماعية وجو التحديات والتهديدات الاقتصادية – الاجتماعية الخارجية (السلع الآسيوية الرخيصة – اللاجئون – الهجرة الكثيفة) التي ما زال اليسار المتطرف مرتبكاً في سياسته حيالها، تتقدم «الجبهة الوطنية» وزعيمتها لترفع شعارات تعلن انها في صميم ما يفكر الفرنسيون به ويخجلون من اشهاره.

وينبغي ان يخفف من وطأة المفاجأة التي نشرتها الصحف الاوروبية حقيقة انها ليست المرة الاولى التي يحتل فيها اليمين المتطرف المدى الأوسع، في الاعلام والسياسة. صحيح ان صحيفة رصينة مثل «لوموند» اعتبرت ان 25 أيار (مايو) 2014 أخطر من 21 نيسان (ابريل) 2002 (تاريخ تأهل جان- ماري لوبن الى الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد الهزيمة المدوية لمرشح الحزب الاشتراكي ليونيل جوسبان)، إلا ان ذلك لا يلغي حقائق موازية منها، مثلاً، فوز «حزب الحرية» النمسوي اليميني بقيادة يورغ هايدر في الانتخابات العامة في 2000 ما اطلق زلزالاً حمل الاتحاد الاوروبي على فرض عقوبات على النمسا.

يضاف الى ذلك ان رياح التطرف اليميني تهب على القارة من شرقها، عبر الاحزاب المعادية للاجانب في المجر وسلوفاكيا وغيرهما وصعود حركة «برافي سكتر» في اوكرانيا، ومن غربها من خلال التقدم الكبير الذي احرزه «حزب استقلال المملكة المتحدة» في الانتخابات الاوروبية امس الاول.

ومفهوم ان يسعى رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه باروزو الى طمأنة الحكومات قبل المواطنين بأن مؤيدي المشروع الاوروبي من ممثلي الاحزاب التقليدية هم الذين فازوا في الانتخابات (رغم خسارتهم 89 مقعداً ذهبت الى اليمين المتطرف)، بيد أن ذلك يظل كلاماً جزئياً. فما يجري من تغييرات عميقة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي في اوروبا سيترجم عاجلاً ام آجلاً في المستوى السياسي. نحن امام عملية تغيير كبيرة في البنى الاجتماعية.

الحياة

 

 

 

 

أوروبا: كيف مررنا نحن العرب من هنا؟/ محمّد الحدّاد

لم يعد ممكناً الحديث عن تيارات أقصى اليمين في أوروبا كظاهرة هامشية، ولم يعد مستبعداً أن تصل بعض هذه التيارات إلى أعلى مواقع القرار، وربما أن تتولّى شخصيات منها رئاسة حكومات أوروبية في المدى المتوسط.

صحيح أن الانتخابات الأوروبية يقبل عليها عادة الناخبون بشيء من التهاون، ويستعملونها لتوجيه رسائل تحذير للحكام، لأنّ معظم الأوروبيين يظلّون محافظين على الرؤية التقليدية للسياسة التي تجعل المحور والمدار الحكومة الوطنية وليس برلمان ستراسبورغ أو لجان بروكسيل. وصحيح أيضاً أنّ التقدّم التاريخي لأقصى اليمين في الانتخابات الأخيرة لم يصل الى حدّ تغيير المعادلات، فما زالت التيارات التقليدية الداعمة للبناء الاوروبي محتفظة بالغالبية. لكنّ التوقف عند هذا المستوى من التحليل مغالطة ومحاولة لتخفيف وقع الفاجعة. وإنها لفاجعة حقيقةً أن تشهد أوروبا عودة قوية للأفكار القومية المتطرفة وهي التي نكبت بحربين مدمرتين وقرنين من الصراعات القومية، فكانت تبدو الأكثر حصانة حيال هذا السرطان.

ولكن يبدو أن ذاكرات الشعوب قصيرة، وأنّ جزءاً مهمّاً من الجيل الجديد مستعدّ للمغامرة مجدّداً بالمشاعر بسبب انسداد آفاق العمل السياسي من جهة، وآفاق الاندماج الاجتماعي من جهة أخرى، وآفاق الرؤية الحضارية من جهة ثالثة.

فأوروبا ابتدعت بعد الحرب العالمية الثانية أفقاً جذاباً حماها من العنف والحرب، واعتقد كثيرون من الروّاد آنذاك، وفي مقدمهم الفرنسي شارل ديغول والألماني كونراد أديناور، أنّ أفضل طريقة لمعالجة التنازع على الحدود هي التخلص منها. فبدل التخاصم على إقليم هنا وقطاع هناك، يصبح متاحاً امام كلّ أوروبي التنقل بحرية في الفضاء الأوروبي العابر للحدود الوطنية، سواء للعمل او السياحة أو الاستثمار، فتضمر مشاعر العدوانية ويقوى التعاون ويعمّ الازدهار.

ولكن بعد سبعين سنة على نهاية الحرب، يبدو أن جزءاً من الجيل الجديد الذي لم يعِش ويلاتها لم يعد منجذباً إلى هذه النظرية، بل بالعكس، أصبح يرى أنه ضحيتها. والحلّ «الجذاب» لديه هو العودة إلى الحدود كما رسمها الأجداد، ناسياً ما تسببت فيه من مآسٍ، وما يتسبب فيه الانغلاق القومي عموماً من مشاكل في العالم كله.

ما هو جدير بالتأكيد أنّ أقصى اليمين لم يعد حركات تستهوي أصحاب الحنين القومي من جيل العجائز. فالانتخابات الأخيرة أبرزت أنه اصبح مشروعاً يحمله الشباب. والسؤال المطروح: ما الذي يدفع الشاب الأوروبي إلى هذا النوع من التمرّد على أحلام الآباء المؤسسين؟

ثمة أسباب متشابكة. فالأزمة الاقتصادية الاوروبية هيكلية وأدت إلى تراجع هائل في مستوى عيش الجيل الحالي مقارنة بجيل ما بعد الحرب. حظي جيل الآباء بامتيازات واسعة: عمل شبه مضمون، تغطية صحية سخية، إعانات اجتماعية، تقاعد مريح، ثم إنه الجيل الذي عايش ثورة العطلات الخالصة الأجر والسياحة الشعبية، فأين هذا من ضائقة شباب اليوم؟ وكيف لا يسقط فريسة سهلة للأطروحة القائلة إنّ فتح الحدود الأوروبية هو الذي حرمه كلّ تلك الامتيازات؟

وإلى الاقتصاد، تعاني غالبية البلدان الاوروبية ضعف الطبقة السياسية الجديدة، فهي متكونة إما من شخصيات هرمة لم تعد تستهوي بخطاباتها الشبابَ، أو من جيل ما يدعى الشباب الذئاب الذي يعطي صورة مقرفة عن السياسة لا تشبع نهم الشباب للقيم العليا والحلم بالمستقبل. ولعلّ آخر مثال جاء من فرنسا مع فضيحة تمويل الحملة الانتخابية للرئيس السابق نيكولا ساركوزي.

وثمة بعد ثالث يتعفّف المراقبون الأوروبيون عن التأكيد عليه ويترفعون عن الحديث فيه، وهو تأثير الأوضاع العربية في تشكيل الرأي العام الأوروبي. ونكتفي هنا بحقيقتين لا لبس فيهما:

أولاً، خاض الناخب الفرنسي الانتخابات الأوروبية الأخيرة على وقع انفجار فضيحة التمويلات المشبوهة لحملة انتخابية سابقة، وتورط جون فرنسوا كوبيه رئيس الحزب اليميني الرئيسي («الاتحاد من أجل حركة شعبية») ومدير حملة المرشح والرئيس السابق ساركوزي، واضطر كوبيه للاستقالة بعد المعلومات التي كشفتها صحيفة «لوبوان» الفرنسية، ومنها الاشتباه في وجود تحويل مالي قطري ضخم (4 بلايين يورو) استعمل لتمويل الحملة الرئاسية الفاشـــــلة لعام 2012. وللـــتذكير، فحملة ساركوزي (الناجحة) عام 2007 ارتبطت بها أيضاً شبهة الاستفادة من تحويلات مالية غير مشروعة من العقيد معمر القذافي. وليس مصادفة ان الناخب الفرنسي كان الأكثر تعبيراً عن قرفه من الفساد السياسي بإقباله، أكثر من نظرائه الأوروبيين، على التصويت لأقصى اليمين («الجبهة القومية»، التي حصلت على ربع أصوات الناخبين وتقدمت على الحزبين التقليديين اليميني والاشتراكي).

ثانياً، الرأي العام الأوروبي عامة، وهو القريب جغرافياً من منطقة الثورات العربية، تأثر بصمت بالأحداث المحيطة به، وما فتئ خوفه يتعاظم من آثار غياب الاستقرار وشبح الهجرات المكثفة والإرهاب والحروب الأهلية. ومما يحزّ في النفس أنّ هذه الصورة التي انتشرت اليوم بهذا الشكل السلبي والمسيء الى صورة العرب كانت على النقيض تماماً في بداية الربيع العربي عام 2011. فآنذاك كان الأوروبيون متعاطفين ومعجبين، بل مبهورين احياناً، بالاحتجاجات الاجتماعية للشباب العربي، وظهرت في العديد من المدن الأوروبية حركة «المستائين» تستوحي من الشباب العربي بطولاته. لكن الانحرافات المتـــعاقبة للثــــورات العربية واستحواذ الإسلام السياسي من جهة وتنظيمات الإرهاب من جهة أخرى على المشهد السياسي والأمني، سرعان ما غيّرت المعطيات. وكان كثيرون يأملون بأن تقبر الثورات العربية نظرية صدام الحضارات بأن تثبت انّ الإنسان في الغرب، كما في الشرق، له التطلعات ذاتها الى الحرية والعدالة. لكن ما حصل بعد ذلك كأنه جاء يعطي الحقّ لصموئيل هنتغنتون عندما قال في كتابه المشهور، أنّ الديموقراطية لا تنجح خارج المجتمعات الغربية. وبالتأكيد، استفادت تيارات أقصى اليمين استفادة بالغة من تنامي الخوف لدى الأوروبيين ودفعت كثيرين منهم إلى المطالبة بإغلاق الحدود اتقاءً لشرّ الأخطار المحدقة.

هكذا كانت أوروبا ضحية اخرى من ضحايا انحرافات الربيع العربي المغدور، وسيدفع المهاجرون العرب والمسلمون ثمناً باهظاً لهذا التحوّل في العقليات.

الحياة

 

 

 

بين الانطواء الأميركي ونجاح اليمين المتشدد في انتخابات أوروبا/ حسن منيمنة

يعترض المقربون من الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة على القراءات في السياسة الدولية التي تحمّله وحكومته تبعات وقائع وأحداث يعتبرون أنه لا ناقة فيها للولايات المتحدة ولا جمل، كأن يُقال بأن مجريات المأساة السورية نتيجة تقاعس أميركي، أو أن استيلاء روسيا على القرم وتفاقم الأزمة الأوكرانية ناجم عن تبديد الصدقية الأميركية في سورية وغيرها، أو أن الخلاف بين دول الخليج هو لغياب المظلة الأميركية، أو كما يرد أخيراً، أن نجاح اليمين المتشدد في انتخابات المجلس النيابي الأوروبي هو من وحي الانطوائية التي تنغمس فيها الولايات المتحدة.

بل يتساءل المدافعون عن أوباما عمّا إذا كان بالفعل ثمة اختلاف جوهري بين من يرى مؤامرة أميركية في تهمة التدخل في كل صوب، وبين من يرى مسؤولية أميركية في تهمة التخلف عن التدخل في كل ناحية، ويشددون على أنه ليس بيد الولايات المتحدة عصا سحرية، ولا هي شرطي العالم، وإذا كان ما يقارب الإجماع في أوساط الجمهور الأميركي يدعو إلى الانكفاء، فإن الرئيس والحكومة، بتجسيدهما للإرادة الشعبية، سوف يعمدان فعلاً إلى الانكفاء، بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا والمبادئ الإنسانية التي تتقيد بها الولايات المتحدة.

وثمة أطروحة، أقل اعتذارية، في توضيح التوجهات الحالية للحكومة الأميركية، تقوم على تبيان أن دور القوة المرجعية العالمية العظمى، والذي سعت إليه الولايات المتحدة طوعاً في إطار الحرب الباردة لمواجهة ما اعتبرته مشروع هيمنة عالمية، ثم الذي تلبسته حكماً بفعل سقوط المنظومة الاشتراكية، لم يعد وافياً للمصلحة الأميركية التي لا تقتضيه، وفي الحين نفسه لم يعد ممكناً، لاستنزافه الطاقات من دون عائدات مقابلة. فكان لا بد إذن من الانسحاب منه، وإن جاءت اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١ لترغم الولايات المتحدة على التصعيد، وإن مرحلياً، بدلاً من الانكفاء. فسياسة الرئيس أوباما هي بالتالي فعل تصحيحي في إطار التبدل الذي تفرضه تطورات العقود الماضية، بعد احتواء خطر الإرهاب.

والإشكال كحدٍّ أدنى، في هذه الأطروحة، كما في الاعتراضات الاعتذارية، أن ثمة إعفاء للولايات المتحدة من مسؤولية كانت ولا تزال تزعمها. إذ يمكن لأصحاب الرأي بالانكفاء، وهم بالفعل الغالبية العظمى من الجمهور والسياسيين، أن يعلنوا قناعاتهم بأن موقفهم هذا متوافق مع مصالح الولايات المتحدة، وإن كانت هذه القناعات قابلة للطعن، إلا أنهم لا يمكنهم، إلا من خلال التعامي والتجاهل الفاضح، إنكار التناقض بين نتائج ما يدعون إليه من انكفاء وبين المبادئ الأخلاقية والالتزامات المبدئية التي تزعم ثقافتهم السياسية أن مسلك حكومتهم مشروط بها، وأن في ذلك ما يميز الولايات المتحدة عن غيرها.

حق الرئيس الأميركي بالتالي أن يرى في المأساة السورية وجهاً ساراً باستهلاك عدوّين للولايات المتحدة، أي القاعدة وإيران، طاقاتهما في مواجهات دامية، إلا أنه ليس من حقّه في آن واحد أن يتجاهل المــقتلة الناتجة من هذا الاستهلاك للإنسان السوري، وأن يزعم أن ثمة استثنائية له ولبلاده في الالتزام بأخلاقيات نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف. وبما أنه شخصياً، كما الحالة الثقافية في الولايات المتحدة، يتبجح بهذه الميزة وهذه الاستثنائية، فمن حق ناقديه أن يطالبوه بالالتزام بما يدّعي الالتزام به.

وإذا كانت أوروبا قائمة على توافق في الهوية والأمن والاقتصاد، فإن الاقتصاد تعرض في الأعوام الماضية لهزّات عدة أعادت تذكير الأوروبيين في أقطارهم المختلفة بالتباعد القائم بينهم في النظم والمستويات. ولا شك أن الجانب الاقتصادي، لا سيما في بعده الإداري وتشكي العديد في مختلف الدول الأوروبية من غياب الحاكمية الرشيدة، هو العامل الأكثر حدة في التشتت في الانتماء الأوروبي والجنوح في الدول المختلفة إلى المطالبة بتدعيم السيادة الوطنية والحلول المحلية. إلا أن عامل الأمن، لا سيما في القناعة المتضحة بأن الولايات المتحدة تتجه إلى تقليص دورها في الشأن الخارجي، ووضع هذه القناعة موضع الاختبار في الشأن الأوكراني، قد ساهم بوضوح في ارتفاع التساؤل حول جدوى الركون إلى الاتحاد. وفي الحالة الفرنسية، تبقى تجربة مالي، حيث لم تنجح الحكومة الفرنسية في الحصول على ما سعت إليه من الدعم الأميركي، كما تراجع الرئيس أوباما عن موقفه إزاء النظام السوري، في أعقاب استعمال هذا الأخير للسلاح الكيماوي، بعد أن اتخذ الرئيس الفرنسي موقفه المؤيد للضربة الأميركية، لتبدد في بعض الأوساط صورة الولايات المتحدة كحليف ثابت، ولتحبذ بالتالي المزيد من التأكيد على القرار الفرنسي المستقل.

إذن، من دون المبالغة ومن دون الحديث عن سببية قطعية، يمكن بوضوح اعتبار الانكفاء الأميركي، بل الفوضى في القرار الأميركي، من العوامل التي ساهمت في إضعاف الولاء للفكرة الأوروبية في بعض أوساط الناخبين.

فالسؤال، أميركياً، يجدر ألا يكون حول الرغبة بالتخلي عن المسؤوليات العالمية التي ألبستها المراحل الماضية للولايات المتحدة، إذ لا خلاف أن هذه الرغبة قائمة، بل حول عواقب الإسراع في هذا التخلي على المصالح الأميركية، طالما أن الإشارات إلى نتائجه من الجوانب الإنسانية في أصقاع الكوكب التي لا تستحوذ على التفاتة من الثقافة الأميركية لا تثمر. فأوروبا الموحدة كانت ولا تزال المدماك الأول في التصور الأميركي للاستقرار العالمي، بما يخدم المصالح الأميركية. وإذا كان التأثير السلبي للاستجابة لرغبة التخلي يطاول أوروبا، فالأولى الانتباه إلى حالات أخرى تتآكل فيها المصالح الأميركية البعيدة المدى، لا سيما الشأن السوري حيث التسرع والإهمال والتقاعس يؤسس لإضرار فائق بالمصالح الأميركية، وإن كانت العناية الفعلية بمصاب السوريين لا تعني الطاقم السياسي في البيت الأبيض اليوم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى