صفحات سوريةغسان المفلح

صرخة سورية خاصة جدا…!


غسان المفلح

إنها مسؤوليتنا وحدنا يا صديقي ورفيق سجني مالك داغستاني, حيث صرختك صرختنا جميعا على ما تتعرض له حمص وحماة ودير الزور, وما تعرضت له درعا ودوما واللاذقية وبانياس وتلكلخ وبقية المدن السورية, على أيدي العصابة الأسدية بجيشها الذي أثبت أنه, جيش لهذه العصابة ولا يمت لهذا الوطن بصلة. هذه صرختك أسرقها هكذا في وضوح هذا الدم لكي اضمها الى هذه المقالة, لأنها تختصر وجع الشعب السوري من هذا التواطؤ الدولي الذي تتزعمه إسرائيل, تواطؤ مع نظام قتل من شعبنا على مدار اربعين عاما مالم يقتل اي نظام آخر من شعبه, إنها الصفحة الأكثر سوداوية من تاريخ البشرية, فلم تتواطأ البشرية على شعب كما تواطأت على مر هذه العقود على شعبنا السوري. يصرخ مالك قائلا :”على مرِّ السنوات كنا نعلم, نحن السوريون الحالمون بالحرية, أننا شعب يعيش بلا غطاء يحمينا, ولا قوانين داخلية تمنع التجاوزات عن أعمارنا وأرواحنا. في ظل نظام أمنيٍّ متغوِّل, كان وما زال, لقسوة سوء حظنا, حاجةً دولية وإقليمية.  حاجة, نحن الذين ندفع ثمنها الباهظ, ولطالما شعرنا أن ظهرنا للعراء, ولطالما كانت معركتنا وحدنا بلا أي أمل بالحماية. على مرِّ السنوات كنا, نحن السوريون الحالمون بالحرية, نصرخ بمواجهة الكرة الأرضية.  بصوت وحشي يشبه أصواتنا في دواليب التعذيب.  ونحن نتلقى لسعات الكهرباء.,  نصرخ بمواجهة الكرة الأرضية من أفواه تعرف الطعم المهين لنعل الحذاء, مختلطاً بطعم الدم النازف من الشفتين المتفزِّرتين والمهروستين بين الحذاء والأسنان المخلخلة.  نصرخ بذاكرة محمَّلة بالجثث والدماء والمقابر الجماعية.  نصرخ, والكرة الأرضية تدور على محور صمتها الكوني, فنعود لنطوي أصواتنا المبحوحة, محكومين بمعرفتنا الأكيدة بأنها مسؤوليتنا وحدنا. على مرِّ السنوات كنا, نحن السوريون الحالمون بالحرية, نعتقد أننا كنا, وقبل كل شيء, ضحايا نقطة التوافق بين الدول الكبرى المتصارعة على مناطق النفوذ أيام الحرب الباردة, تلك الحرب التي لم تكن فقط باردة بالنسبة الينا, بل صقيعية جداً, ونحن نتلهف على بعض الدفء في ليالينا السورية الطويلة والباردة.  ولدينا ما يكفي من اليقين بأننا, كنا ومازلنا, ضحية الصفقات الدولية مع الأنظمة التابعة, ولذا مازال وسوف يبقى هذا الصمت المتواطئ إلى أن نسدد من أرواحنا, وفقط من أرواحنا الثمن الأغلى لحريتنا. قد يكون مفهوما أن السياسة ليست متطابقة مع الأخلاق, وهذا محزن بالطبع, لكن الشيء الفادح, هو أن تكون عديمة الأخلاق إلى هذه الدرجة المريعة, وأن يتحول السياسيون, على اختلاف مواقعهم, ليكونوا بائعي مفرَّق, ومروجي أخلاق زائفة. نحن الحالمون بالحرية, سنقول اليوم شكراً لكل من دمعت عيناه على أشلائنا وأشلاء أطفالنا.  ولكل من همس برأي, ولو خجول, ليقول انه يتفهم عدالة خروجنا للبحث عن حريتنا الضائعة. ولنا اليوم, نحن الحالمون بسورية مختلفة, لنا أن نسدد نظراتنا الجسورة, متجاوزين كل الجغرافية السياسية البليدة إقليمياً وعالمياً, وقبل أن نهمس ” صمتكم يقتلنا”, لنا أن نصرخ, ونحن نعبر ببسالةٍ إلى حريتنا, بكل ما أوتينا من صوت: “إنها ألاعيب السياسة! سدُّوا أنوفكم, واعبروا”.

نعم صديقي أقول للثوار من ابناء شعبنا” سدوا أنوفكم واعبروا نحو حريتكم نحو نيرفاناكم السورية الخاصة, العالم كله يريد قتلنا, ونحن نواجه العالم الآن, لهذا قلت في مقالة سابقة أن الثورة السورية هذه هي أعظم ثورة يسجلها التاريخ المعاصر.

صرخات الأمهات السورية تستنجد بالعالم لتكشف لنا أن لهذا العالم ضمير ميت سورية, الخارطة السورية تشكل المساحة الميتة لهذا الضمير العالمي والعربي, صرخات أم حمزة وهاجر وأطفال سورية, وأنا أقولها لك وأتمنى أن تصدقني” أنه لولا قناتي “الجزيرة” و”العربية” لمرت الجريمة دون توثيق أصلا, إلى هذه الدرجة شعبنا يتيم على طاولة لئام,كما تحب أنت أن تستخدم هذه العبارة, لكن صرختك- صرختنا لن تذهب سدى فشعبنا قرر مصير سورية المستقبل, وآل الأسد وكل زبالتهم اصبحت من الماضي, مهما قتلوا, كما تذكر كنت مع التدخل الخارجي أيام المحافظين الجدد, لكن منذ أن اتى ساركوزي وأوباما وبرلسكوني ومعهم بوتين, كنت ضد أي تدخل من هؤلاء في سورية, لأنهم يمثلون اللوبي الإسرائيلي العالمي في مطلبه السوري وهو” استمرار آل الأسد حتى لو فني الشعب السوري.  وانا هنا لا اتحدث كسياسي, بل احاول ان اصرخ معك كمواطن سوري, ولن اصرخ بالطبع أين العرب? وأين العرب الجماهير وليس الحكام فقط, تصور يا صديقي أن الشعوب العربية الآن بأكثريتها من المحيط الى الخليج تقف متفرجة على ما تريده إسرائيل, وهو بقاء آل الأسد في الحكم حتى لو فني الشعب السوري.  ولتكتشف أن غالبية التيارات الإسلامية والقومية المقاومة! التي تتشدق بكل شيء في هذه البلدان تقف مع المطلب الإسرائيلي هذا,غالبية التيارات هذه ومثقفيها, تعتبر قتل الشعب السوري, مبرر ومشرعن دينيا ودنيويا, من أجل استمرار نظامهم المقاوم, من أخوان الأردن إلى “أخوان مصر” إلى “إخوان فلسطين” و”حماس” إلى “حزب الله” إلى “إسلاميي الجزائر” ونظامهم, مرورا بإسلاميي العراق والسودان, وماذا أعدد أيضا, ربما بعض الاصوات الإسلامية الخليجية كانت نشازا حيث ادانت ما يرتكبه هذا النظام المجرم, وخصوصا في الكويت.

والتيارات التي تدعي الليبرالية والعلمانية العربية واليسارية أيضا ضد الثورة السورية, فتصور ان علمانيي العرب وإسلاميي العرب يلتقون على دعم نظام الأسد, واستمرار الجريمة بحق شعبنا, لهذا إننا لا نصرخ, بل نتهم هكذا علنا أن الضمير العالمي والعربي حكومات وشعوبا تقريبا ميت في مساحته السورية, ولهذا شعبنا وشبابنا عندما يخرجون للموت من أجل حريتهم يدركون أنهم يواجهون هذا الضمير الميت.  الموضوع هنا ليس سياسة فقط, بل هو دين وطوائف وأخلاق وشرائع وكل ما يخطر في بالك من إسرائيل!

دبابات تطلق النار على أحياء سكنية, والاتحاد الأوروبي يريد توسيع عقوباته على أشخاص لا يرون أوروبا على الخريطة, أشخاص يعرفون من يحميهم, يعرفون أن إسرائيل الآن في المساحة السورية أقوى من أوروبا مجتمعة, وتركيا الأردوغانية والذي كنت منذ بداية الثورة قد حذرت المعارضة السورية من عقد مؤتمراتها في تركيا, هي من تقود الملف الإسرائيلي في تلميع صورة آل الأسد, ليخرج داوود أغلوا وزير خارجية تركيا ويصرح بعد دير الزور وحماة إن هذا “العنف ضد المدنيين لم يعد مقبولا, وددت لو كنت حاضرا لمؤتمره الصحافي هذا ان أرد عليه باللهجة المصرية” لا. . .  ياشيخ. . .  والله”.

شعبنا جعل وسيجعل آل الأسد من التاريخ… وسيطوي صفحتهم السوداء نحو سورية جديدة.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى