صفحات الثقافة

صمتٌ وصمت


ديمة ونوس

ربما يكون الصمت حالة عجز. كما يحدث في الأحلام عندما نحاول الصراخ، يظلّ الصوت عالقاً على جدار الصدر، موجعاً، يعجز عن الخروج. أو يكون الصمت موقفاً، ردّ فعل على ثرثرة استعراضية ومصطنعة.

قد يكون سلوكاً انتهازياً. ثمة من يصمت، يختبئ، ينتظر، يتحيّن الفرصة ليتخلّى عن صمته. ليجنّب نفسه الخسارة، يطلق صوته في اللحظة الأخيرة.

ثمة صمت قاسٍ وعنيف له دوي الرصاص. ثمة صمت سمج لا فرق بينه وبين الصراخ. وثمة صمت متواطئ، لا يقل بشاعة عن أفعال من يتواطأ معهم. يتحول من مجرد صمت إلى مشروع جريمة.

ومثلما تكون الثرثرة والرطرطة والجعجعة دليلاً على الإفلاس، يكون الصمت تعبيراً مبطناً عن قلة الحيلة وعن ضياع المنطق وفقدان القدرة على الإقناع.

في الأزمات، يذوب الخيط الرقيق الذي يفصل بين الصمت والسكوت. من يصمت أمام انتهاكات فظيعة وجرائم ترتكب مع كل شهقة، كمن يسكت عنها، كمن يراها بعينين مغمضتين، كمن يمرّ بمحاذاتها راخياً رأسه إلى الأسفل، لا يلمح سوى دعسات قدميه.

هنالك من يصمت مأخوذاً بإحساس ينمو في داخله، يبتلع غصّته، يعضّ على الجرح، يأكل روحه، ويصمت. إحساس ينمو من أصابع القدمين، يعربش على الركبتين، يصيبهما بالخدر، يستقر في الروح. الخوف. ثمة من يخاف. وثمة من لا يمتلك الجرأة. ثمة من دفع الثمن مسبقاً. حُرم لأشهر أو سنوات من حياته. ثمة من لا يريد تكرار التجربة. وثمة من لم يدفع الثمن، لكنه يخاف. وهل الأمر غريب إلى هذا الحد؟ ألا يحق له أن يخاف؟ هو يسمع قصصاً عجيبة تُروى عن أشخاص لم يخافوا. حملوا قضاياهم ومشوا. لم يردعهم شيء. هو يعلم جيداً إلى أين تودي تلك الجرأة. يعرف أن المجهول ينتظر متلهفاً احتضان من تجرّأ وتخلّى عن صمته. وهو لا يحب المجهول. يخاف. الخوف مشروع، طبيعي، مسموح.. مثله مثل الشجاعة. الفرق بينهما يكمن في النشوة التي تخلفها الشجاعة وينفيها الخوف. ثمة من يخاف. الإحساس بالخيانة يبقي عينيه مفتوحتين طوال الليل. ويصمت.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى