صفحات العالم

صوت الشعب.. وتهريج السلطة


يوسف الكويليت

الشعب عدو السلطة في سورية فكلّ من يظاهر الحكم هو عميل مدسوس من قوى خارجية، ولأن الحرائق وصلت إلى ثياب من يجلسون على كراسي القيادة، فكلّ واحد وصلته النيران يريد اقتحام أي مكان يتجمع فيه المواطنون للانتحار المتبادل كوسيلة للإبادة، ونشر الحرائق..

الجامعة العربية توسطت وذهبت إلى آخر نقطة يمكن الالتقاء عندها بحماية الشعب السوري، لكن السلطة هناك ماطلت وخرجت من المناورة إلى اتهام العرب بأنهم من خلال الجامعة يريدون تدويل القضية، وهي المدولة أصلاً بتجاوزات فاقت المفهوم الحقوقي لأي شعب يواجه، عاري الصدر، بطشَ حكومته، ثم عُرض الأمر على مجلس الأمن بالإدانة والعقوبات فكان الرد من روسيا والصين اتخاذ حق النقض ضد القرار، وأخيراً دانت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأكثرية ساحقة وبأغلبية مائة واثنين وعشرين صوتاً الممارسات اللاإنسانية لحكومة دمشق..

والسؤال المطروح الآن من بقي لسورية من مؤيد قادر على حمايتها من تنامي الثورة الداخلية والموقف الدولي المتسارع والمتزايد؟ وحتى ما يُفهم من روابط مصلحية واستراتيجية مع بعض القوى، فإنها لن تستمر في معارضة موقف أممي يرى الأمور بعيون مفتوحة لا مغلقة.

والشكوى من تسرب أسلحة من دول مجاورة لسورية وبعلم تلك الدول ليست أمراً سرياً لأن أي حالة اضطراب يظهر لها سماسرة أسلحة، وتهريب عملات وأشخاص، طالما الفرصة متاحة، وسياسة سورية اعتمدت هذه التجاوزات بأن آوت ودربت أعضاء للقاعدة وأدخلتهم العراق، وهي قنطرة مدّ حزب الله بالأسلحة الإيرانية، واحتضان كلّ معارض للسلطة الفلسطينية إلى جانب هيمنتها على لبنان سنوات طويلة لم تخرج منه طوعاً بل بضغط دولي وعربي..

لم يعد ثوب الازدواج السياسي في المواقف يصلح لكل الأوقات، وكون سورية قلب الأمة العربية النابض لا يعني قصر المعنى على السلطة فحسب ، بل على التاريخ القديم والحديث، وبالتحديد فإنه يعني الشعب العربي هناك، لا مجموعة مغامرين احتلوا السلطة، وذهبوا إلى أقصى استعباد الشعب واعتبار البلد إقطاعية يتصرفون بوجودها المادي والبشري..

فالقلب يحتاج لجسد، والأمة العربية لم يعد شعبها ينخدع بمقولات وشعارات استُهلكت مع عصر المذياع والصوت الجهوري، أو يقبل بطرف رجعي تآمري، وآخر نقي ثوري تقدمي، لأن هذه أطعمة أصبحت بلا مذاق، ولأن اتساع الوعي أسقط تلك المقولات، وخلع ثوب الرهبة وتحرر منها ليفرض حقوقه مهما كانت التضحيات، لكن حكومة دمشق لا تزال تخادع رغم فقدان شرعية وجودها، طالما أخلّت بشروط حماية شعبها وتأمين أمنه وسلامته..

التضحيات التي يقدمها الشعب السوري ليست جديدة عليه، فقد تحرر من الاستعمار بالدماء الغزيرة، وقد كتفته حكومات العسكر لأكثر من نصف قرن بهدف أن الوطن في حالة حرب مع إسرائيل، وهي صيغة لا تقنع أحداً طالما منذ نهاية حرب ١٩٧٣م لم يطلق رصاصة على الجولان بل إن إسرائيل اعتبرت حدودها مع سورية أكثر أماناً حتى مع الدول التي وقعت معها سلاماً مفتوحاً وهذا شرط لعدم قناعة الشعب السوري بكل حيثياته، وهنا لم يبق للحكم من مظلة إلا مواصلة القتل للشعب الأعزل، والذي في كل يوم يزيد رصيده من المناصرة والتأييد..

الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى