صفحات العالم

تركيا والشأن السوري –مجموعة مقالات-

 

 

 

الأطماع السياسية تتفوّق على العقلانية في تركيا/ سميح إيديز

المصدر: “حرييت دايلي نيوز” – ترجمة نسرين ناضر

يحتاج أردوغان، من أجل الخروج من المأزق الدستوري الذي وجد نفسه فيه بعد انتخابات السابع من حزيران، إلى انتخابات مبكرة يأمل بأن تمنح “حزب العدالة والتنمية” الأكثرية من جديد في مجلس النواب. بعبارة أخرى، يخوض أردوغان معركة من أجل مستقبله وليس من أجل مستقبل البلاد. لو كان يأبه لمستقبل البلاد، لاستخدم الصلاحيات التنفيذية التي يمارسها اليوم بطريقة مخالفة للدستور، من أجل تعزيز الاستقرار بدلاً من أن يفعل العكس. من الواضح أنه ليس مستعداً لسلوك ذلك الطريق، ويفضّل بدلاً من ذلك المغامرة بمستقبل تركيا مثل سلطانٍ عثماني منقاد خلف طموح أعمى.

انطلاقاً مما كتبه رئيس تحرير هذه الصحيفة، مراد يتكين، الواسع الاطلاع على النبض السياسي في أنقره، يوم الاثنين الماضي، تُظهر كل المؤشرات بأن داود أوغلو يتّجه نحو اعتماد الخيار غير العقلاني. لهذا السبب على الأرجح، يشعر حزب “الحركة القومية” بالاعتداد والثقة الكبيرة بالنفس عندما يتفوّه بكلام متطرّف يزيد من حدّة المشكلة الكردية في الداخل، ويجعل تركيا مصدراً محتملاً لعدم الاستقرار في المنطقة.

إذا تبيّن أن يتكين محق في توقعاته، يعني ذلك أن تركيا ستكون في عهدة حكومة ضعيفة حتى شهر تشرين الثاني المقبل، موعد إجراء الانتخابات المبكرة، في اللحظة نفسها التي اشتعل فيها من جديد فتيل الأزمة الكردية المستمرة منذ وقت طويل، وفيما تستعد تركيا، بحسب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، للانخراط الشامل في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والمشرق”.

لا داعي لأن يكون المرء خبيراً في السياسة ليدرك أنه في الأوضاع الشبيهة بالحروب، ثمة حاجة إلى حكومة قوية تتمتع بتفويضات راسخة كي تتمكّن البلاد من الخروج من هذه الأوضاع بنجاح. لكننا نواجه احتمال قيام “حزب العدالة والتنمية”، بتحريض من أردوغان وشريكه الائتلافي، حزب “الحركة القومية”، بالتشدّد أكثر في موقعه المناهض للأكراد بغية استقطاب الأصوات القومية.

المشكلة الوحيدة هنا التي تواجهها ثلاثية أردوغان-“حزب العدالة والتنمية”-“الحركة القومية” هي أن “حزب العدالة والتنمية” يستطيع فقط الحصول على أصواتٍ من ناخبي “الحركة القومية”، أو العكس. بعبارة أخرى، كي يُحوِّل كل واحد من هذين الحزبين الانتخابات المبكرة لمصلحته، سوف يُضطر إلى “سرقة” الأصوات من الحزب الآخر. ومن غير المرجّح أن يتمكّنا من توسيع قواعد الدعم لهما عبر انتزاع أصوات من “حزب الشعب الجمهوري” أو “حزب الشعوب الديموقراطي”، الأمر الذي يُفاقم من عشوائية المسار الذي يبدو أن داود أوغلو سيسلكه، كونه يؤدّي إلى إضعاف “حزب العدالة والتنمية” أكثر فأكثر.

لكن حتى لو فاز “حزب العدالة والتنمية” في الانتخابات عبر كسب أصواتٍ من “الحركة القومية”، ليست هناك ضمانات بأنه سيتمكّن من تشكيل حكومة قوية لإخراج البلاد من أزماتها الراهنة. بعبارة أخرى، يبدو أن الأطماع السياسية والأيديولوجية العمياء ستتفوّق، كما دائماً، على القرارات العقلانية التي ينبغي على تركيا اتخاذها من أجل السير بالبلاد نحو الأمام.

النهار

 

 

 

الاتفاق النووي الإيراني في حسابات تركيا المستقبلية: الفرص والتحديات/ علي حسين باكير

(الجزيرة)

ملخص

تبحث هذه الورقة الموقف التركي الرسمي من اتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في فيينا بتاريخ 14 يوليو/تموز 2015 بين إيران ومجموعة الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين (E3)، كما تناقش الورقة منطلقات هذا الموقف ودوافعه، وتبحث في انعكاساته الإيجابية والسلبية المحتملة على تركيا.

وتشير الورقة إلى أنه على الرغم من أن الحديث يُرَكز عادة على المكاسب؛ فإن الهواجس لا تسقط من حسابات الجانب التركي. وبالرغم من أن كلا من تركيا وإيران قد نجحتا لفترة طويلة في الفصل دومًا بين السياسة والاقتصاد، فإن هذا الوضع قد يتغير مستقبلًا؛ فعلى الرغم من أن الورقة ترى أن الاتفاق النووي قد يُطلِق قدرات إيران الاقتصادية؛ وهو أمر سيفيد تركيا لمدة معينة من دون شك، فإنه في المقابل قد يُخِل بموازين القوى على المدى المتوسط والبعيد؛ إذا بقيت الأجندات السياسية الإقليمية للدولتين مختلفة، كما أنه لن يُوقف التنافس الإقليمي بين الطرفين؛ ولكنه قد يحد من قدرة أنقرة على المناورة واتخاذ خطوات أكثر جدية تجاه إيران.

وتخلص الورقة إلى أن هذا الوضع قد يضطر أنقرة إلى لعب أدوار متعددة؛ قد تتأرجح بين العودة إلى لعب دور الوساطات لتليين الموقف الإيراني أو ربما تغييره، وبين القيام بشبكة تحالفات إقليمية لاحتواء إيران وطموحها الإقليمي.

مقدمة

رحبت تركيا رسميًّا بالاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في فيينا بتاريخ 14 يوليو/تموز 2015 بين إيران ومجموعة الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين (E3)**، وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا هنَّأت فيه الأطراف على جهودهم التي أدت إلى إمكانية التوصل إلى هذه النتيجة، مؤكدة على ضرورة وأهمية تطبيق كافة بنود هذه الاتفاقية وتحقيق الشفافية الكاملة في التعامل مع المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومشيرة إلى أهمية الالتزام بالتطبيق الكامل لجهة إرساء السلام والأمن والاستقرار في المنطقة(1).

أمَّا وزير الاقتصاد المالية محمد شيمشك فقد أشار في تغريدة له على تويتر حينها إلى أن الاتفاق هو “خبر جيد للاقتصاد التركي وسيعطي التجارة البينية والاستثمارات بين البلدين دفعة قوية”. وكذلك فعل وزير الطاقة والموارد الطبيعية تانر يلدز، الذي أشار إلى أن الاتفاق “تطور إيجابي يفتح باب الاستثمارات أمام إيران وله انعكاسات على أسعار النفط”(2).

منطلقات الموقف الرسمي التركي من الاتفاق

هذه الردود الرسمية التركية تأتي متسقة ومنسجمة مع المواقف التي تم التعبير عنها قبل أشهر قليلة أيضًا إبَّان الاتفاق الإطاري المعروف باسم “معايير خطة العمل المشتركة الشاملة” (JCPOA) الذي أُعلن في 2 إبريل/نيسان 2015 في مدينة “لوزان” السويسرية(3)، ومع الموقف التركي الرسمي المبدئي من الملف النووي الإيراني، وهو الموقف الذي يقوم على ضرورة تجنب الخيار العسكري، ويدعم منذ البداية التوصل إلى حلٍّ سياسي ودبلوماسي للملف النووي الإيراني؛ ما دام أن برنامج إيران النووي للاستخدامات النووية السلمية المشروعة؛ وليس برنامجًا عسكريًّا لإنتاج أسلحة نووية.

وقد ترسخ هذا المعطى بشكل واضح من خلال الخطوات التي اتخذتها الحكومة التركية خلال السنوات الماضية، وأهمها:

رفض العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2006(4).

التوسط بين إيران والغرب، وإطلاق عملية تفاوضية بالتعاون مع البرازيل لحل الأزمة النووية الإيرانية في عام 2010(5).

تحدي العقوبات الأميركية والأوربية التي فُرِضت على إيران في عام 2010، والتصويت ضد قرار فرض هذه على طهران عندما كانت أنقرة عضوًا في مجلس الأمن(6).

لم يسبق للحكومة التركية أن اعترضت على ضرورة التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، ولم تعترض كذلك على حقِّ إيران في تخصيب اليورانيوم محليًّا (سنناقش دافعه في الورقة). الموقف التركي كان -ولا يزال- يقول: إن لإيران الحق في الحصول على الطاقة النووية السلمية؛ ما دام كان موقفها جيدًا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ناحية المسؤوليات الملقاة على عاتقها بموجب الالتزامات التي تفرضها الوكالة(7).

ضمن هذه المحدِّدات، تفسِّر أنقرة -أيضًا- الاتفاق الحالي على أنه يأتي في سياق استكمال جهدها الدبلوماسي والتفاوضي الأساسي الذي بذلته في المرحلة الأولى من التفاوض عام 2010؛ عندما استطاعت بالتعاون مع البرازيل التوصل إلى اتفاق عُرفِ باسم: “إعلان طهران”، وقد عارضته حينها الولايات المتحدة بقوة(8).

ومنذ ذلك العام وحتى اليوم لا يمل الأتراك من إعادة التذكير بهذا الأمر، والتأكيد عليه في كل تقدم يكون في السياق التفاوضي، وهو الأمر الذي عبَّروا عنه إبَّان الاتفاق الإطاري الأول عام 2013(9)، وأيضًا في هذا الاتفاق الإطاري الذي أُعلن عنه في 2 من إبريل/نيسان 2015؛ لاسيما مع زيارة أردوغان إلى طهران؛ حيث كرر هذا الموقف هناك وقام الرئيس الإيراني حسن روحاني بشكر تركيا على الدعم المتواصل الذي قدمته لإيران في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني(10).

لكن التطور الجديد هذه المرة تصريح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أثناء مؤتمر صحافي جمعه بوزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في 14 يوليو/تموز 2015. وبالرغم من أن تصريح تشاووش أوغلو حمل نفس المضامين التي ذكرناها في بيان وزارة الخارجية أعلاه، الا أنه كان أكثر صراحة ودقة في التعبير عن الموقف الرسمي التركي من الاتفاق النووي الإيراني بعيدًا عن المجاملات الدبلوماسية، وبدت كلماته مختارة بعناية عندما شدَّد على ضرورة إحداث تغييرات في السلوك الإيراني الإقليمي؛ حيث أشار في تصريحه إلى أن الاتفاق:

سيُسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي وفي الاقتصاد الإقليمي.

سيكون له تأثير إيجابي مباشر على تركيا.

يجب أن يتم تطبيقه بشكل كامل وبشفافية كاملة.

وقد أتبع الوزير ذلك بدعوته طهران إلى مراجعة سياساتها الإقليمية وضرورة الابتعاد عن السياسات الطائفية ولاسيما في سوريا والعراق واليمن قائلًا: “يجب أن تلعب دورًا إيجابيًّا وبنَّاءً وتُولي أهمية للحوار والحلول السياسية، هذا ما نتوقه من أشقائنا في إيران”(11).

من الواضح أن الشقَّ الثاني من التصريح هو الشق الذي يعبِّر عن الحذر التركي من السياسات الإيرانية الإقليمية وهو في نفس الوقت انعكاس دقيق للصورة السلبية لدى الأتراك عمومًا عن إيران والتي تزداد بشكل مطَّرد منذ سنوات لاسيما منذ اندلاع الثورة السورية.

الانعكاسات الإيجابية المحتملة على تركيا

1) انتفاء خطر التهديد النووي الإيراني والخيار العسكري

لطالما كان احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي يُشَكِّل مصدر قلق بالنسبة إلى تركيا خلال السنوات الماضية؛ وعلى الرغم من إدراكها أن امتلاك النظام الإيراني للسلاح النووي سينعكس بشكل سلبي بالضرورة على أمن تركيا، وعلى التوازن الراسخ منذ عقود طويلة في ميزان القوى بين البلدين، وعلى استقرار منطقة الشرق الأوسط برُمتها؛ وسيخوِّل كذلك إيران بسطَ سيطرتها السياسية على منطقة الشرق الأوسط؛ إلا أن أنقرة حاولت التعامل خلال المرحلة الماضية مع هذا الموضوع بروية ومن دون توتر أو انفعال. بالنسبة إلى أنقرة، فإن التوصل إلى حلٍّ دبلوماسي من دون اللجوء إلى خيار القوة العسكرية قطع الطريق على مثل هذه الاحتمالات السلبية وهو أمر جيد بالتأكيد بالنسبة لها(12).

بعضهم قد يجادل بأن تركيا تستطيع على الدوام الاعتماد على المظلَّة النووية لحلف شمال الأطلسي؛ لكن ذلك في حقيقة الأمر لا يُرضي تطلعات أنقرة في حال كانت إيران تمتلك أسلحة نووية، ولا يبعث على الطمأنينة بشكل كافٍ؛ سيما مع الاختبارات المتكررة والمخيبة للآمال بشأن مدى تضامن الحلف مع تركيا في الأزمات(13)؛ لاسيما العراقية والسورية الحالية.

2) التأكيد على حقِّ تخصيب اليورانيوم محليًّا

أحد أهم أسباب عدم معارضة تركيا لحقِّ إيران في تخصيب اليورانيوم ذاتيًّا، هو الطموح ربما في فعل الأمر نفسه مستقبلًا؛ إذ من الممكن أن يصبح الجانب التركي في نفس الموقف مستقبلًا، وإذا ما عارض حقَّ التخصيب ذاتيًّا فإنه قد يغلق بذلك الباب أمام نفسه لأية عملية مشابهة في المستقبل؛ خاصة أن أنقرة تمتلك خططًا نووية طموحة، كما أن اعتمادها الكبير على الطاقة واستهلاكها المتزايد لها يحتم عليها إيجاد مصادر بديلة، ولا شك أن الطاقة النووية تقع في صلب هذا التصور، وهي أحد أهم أهداف الحكومة التركية المستقبلية(14).

في شهر إبريل/نيسان الماضي، أعلنت الحكومة التركية انطلاق أعمال التشييد والبناء في المفاعل النووي الأول في البلاد ضمن مشروعٍ(15) يهدف إلى بناء أربعة مفاعلات في منطقة “أكويو” وحدها بمدينة مرسين؛ بتكلفة حوالي 20 مليار دولار وبقدرة 1200 ميغا واط للمفاعل الواحد(16)، علمًا بأن الجانب التركي كان قد وقَّع اتفاقًا مع الحكومة اليابانية العام الماضي تضمَّن بندًا يُرَكِّز على عملية تخصيب اليورانيوم واستخراج البلوتونيوم(17)، وقد أثار ذلك حينها لغطًا كبيرًا في الإعلام؛ على الرغم من تأكيد وزير الطاقة أن الاتفاق عادي كغيره من الاتفاقيات التي وقَّعتها الحكومة التركية مع شركاء آخرين، وأنه لا نيَّة حالية لدى تركيا لتخصيب اليورانيوم محليًّا(18).

وفي هذا المجال، فإن الاتفاق النووي الأخير بين أميركا وإيران يُعزِّز من موقف أنقرة واحتفاظها بحقوقها المستقبلية فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم محليًّا بما يتوافق مع اتفاقية منع الانتشار النووي؛ لاسيما في ظل التوجهات المتزايدة لدى الولايات المتحدة والقوى النووية المحدودة في العالم لدفع البلدان الطامحة إلى طاقة نووية للابتعاد عن حق التخصيب محليًّا (كي لا يؤدي إتقان الدول للتخصيب بنسب عالية وإتقان دورة الوقود إلى وجود المزيد من الدول التي تمتلك أسلحة نووية) مقابل أن يتم تأمين الوقود النووي لها.

3) تحسُّن العلاقات التركية-الأميركية

الاتفاق قد يؤدي إلى تحسين العلاقات الأميركية-التركية(19)؛ إذ لطالما شهدت هذه العلاقات بين البلدين حالة من المدِّ والجزْر في السنوات القليلة الماضية، وشهدت مشاكل ناجمة عن مواقف مختلفة أو متضاربة من حالات بعينها، أو بسبب موقف إحدى الدولتين من دولة ثالثة؛ كالموقف الأميركي إلى جانب إسرائيل إبَّان الاعتداء على أسطول الحرية، أو الموقف التركي إلى جانب إيران إبَّان فرض العقوبات على الأخيرة عام 2010 بسبب برنامجها النووي(20).

الاتفاق الأميركي-الإيراني قد يضع أنقرة في موقع أفضل لإدارة علاقات ثنائية متعددة؛ وذلك مع دول الخليج وإيران من جهة، أو مع إسرائيل وإيران من جهة أخرى؛ لكن هذه الافتراضات تعد مجرد احتمالات لا يمكن القطع بها أو بأحدها، وتعتمد في النهاية على الشق السياسي من تداعيات الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني؛ وهو الشق غير المذكور والأكثر غموضًا في الموضوع.

4) منافع اقتصادية متعددة

عندما كان موضوع رفع العقوبات عن إيران خاضعًا للتجاذب في المفاوضات، أوجزت ويندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية وكبيرة المفاوضين في الملف الإيراني الصورة، بقولها: في حال تم رفع العقوبات فعلًا، “فسيتجه العالم إلى إيران كالطوفان”(21)؛ إذ من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إعطاء دفعة غير مسبوقة من الزخم للاقتصاد الإيراني، قد نبدأ برؤية مفاعيلها في الربع الأول من عام 2016، مترافقة مع زيادة إيران لإنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يوميًّا؛ وذلك خلال أشهر كما صرَّح وزير النفط الإيراني(22)، كما سيكون من المتوقع أن يؤدي رفع العقوبات إلى إعادة فتح الاقتصاد الإيراني أمام العالم، ويتيح لها الحصول كذلك على أكثر من 100 مليار دولار من أموال عائدات النفط؛ التي كانت مجمَّدة بسبب العقوبات(23).

وبما أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، وكذلك رابع أكبر احتياطي من النفط، وثاني أكبر احتياطي من المعادن النادرة، وهي سوق استهلاكية كبيرة تضم حوالي 77 مليون نسمة(24)، وبيئة متعطشة للاستثمارات، يتوقع كثيرون أن تستطيع تحقيق نسبة نمو تصل إلى ما بين 5 إلى 8% سنويًّا(25)، ولا شك في أن هذه المعطيات تعد عاملًا إيجابيًّا بالنسبة إلى تركيا لناحية:

‌أ. ‌رفع حجم الصادرات والتبادل التجاري مع إيران

أدَّى تشديد العقوبات على إيران -لاسيما في عام 2012- إلى تراجع التبادل التجاري بين طهران وأنقرة من حوالي 22 مليار دولار عام 2012 إلى حوالي 14.8 مليار عام 2013، وصولًا إلى 13.7 مليار دولار عام 2014، وتراجعت إثر ذلك الصادرات التركية من حوالي 10 مليارات دولار عام 2012 إلى حوالي 3.9 مليارات دولار عام 2014؛ أي إن أنقرة خسرت حوالي 6 مليارات دولار بشكل مباشر خلال سنتين نتيجة العقوبات المفروضة على إيران(26).

ولا شك في أن عودة الاقتصاد الإيراني إلى التعافي ستسمح للمصدِّرين الأتراك بزيادة صادراتهم من السلع والبضائع إلى سوق ضخمة؛ وهذا من شأنه أن يزيد حجم الصادرات ويقلِّل من العجز، وينعش الاقتصاد التركي أيضًا؛ نظرًا إلى قلة التكاليف مقارنة بنسبة الأرباح، لاسيما بعدما تأثرت تركيا بفقدان أسواق إقليمية كـ(سوريا وليبيا)، أو تراجع الصادرات إلى أخرى كـ(العراق(27) ومصر(28))؛ علمًا بأن الأراضي الإيرانية قد تصبح بديلًا محتملًا عن الخط الملاحي المصري بعدما رفض النظام المصري تجديد اتفاقية الخط الملاحي “الرورو” مع تركيا في 23 من إبريل/نيسان؛ إذ يمكن نقل الشاحنات التركية برًّا إلى ميناء بوشهر، ومنه إلى كل من قطر والإمارات (دبي)، ومنهما إلى باقي دول الخليج(29).

وتطمح تركيا إلى أنْ تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين من 14 مليارًا حاليًا إلى حوالي 30 مليارًا في غضون سنتين؛ كما جاء في الاجتماع الثاني للجنة الاستراتيجية العليا في طهران خلال زيارة أردوغان الأخيرة، وهو أمر من الممكن تحقيقه والوصول إليه سريعًا مع رفع العقوبات عن إيران؛ خاصة مع دخول “اتفاق التجارة التفضيلية” بين البلدين هذا العام حيز التنفيذ(30).

‌ب. ‌استيراد المزيد من النفط والغاز بسعر أرخص

لا شك في أن رفع العقوبات عن إيران -ولاسيما عن قطاعي النفط والغاز- سيسمح لها بتصدير المزيد من الكميات إلى الخارج؛ وبما أن تركيا دولة تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد الطاقة من الخارج بما يلبي احتياجاتها لتحقيق النمو والتنمية، فإن هذا يعني استيراد المزيد من النفط والغاز الإيراني وبسعر أرخص(31).

النفط: على الرغم من أن رفع العقوبات عن إيران في هذا المجال سينهي نظام الأفضليات؛ الذي كانت إيران تتبعه لإغراء المشترين بشراء نفطها بسعر أقل، فإن عودة إيران إلى السوق ستؤدي إلى انخفاض أسعار النفط كما هو متوقع؛ وفي ذلك فائدة من دون شك للجانب التركي(32)؛ الذي يدفع ما بين 56 و60 مليار دولار فاتورةً للطاقة سنويًّا(33).

الغاز: يستورد الجانب التركي حوالي 90-95% من صادرات إيران من الغاز، وتشكِّل حوالي 20% من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي، وتعتبر طهران ثاني أكبر مزود لتركيا بالغاز بحجم 10 مليارات متر مكعب سنويًّا، تدفع تركيا بموجب اتفاقية وُقِّعت مع إيران في عام 1996 وسارية لمدة 25 عامًا، سعر الغاز الإيراني بمبلغ يزيد حتى عن سعر الغاز المبيع في السوق (487 دولارًا أميركيًّا لكل ألف متر مكعب من إيران، مقابل 418 دولارًا من روسيا، و340 دولارًا من أذربيجان)(34).

لقد رفضت طهران دومًا تخفيض الأسعار، وكان على الجانب التركي أن يدفع حتى لو لم يستهلك الغاز الإيراني. في الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية التركية إلى إيران، طرح أردوغان فكرة استيراد المزيد من الغاز الإيراني؛ إذا خفضت طهران سعر غازها(35)، وهناك مَنْ أشار إلى أن طهران قد تُخَفِّض السعر لتركيا بنسبة 16%، علمًا بأن ما طلبته تركيا هو تخفيض بنسبة 32%(36).

استثمارات قطاع الطاقة: هناك مؤشرات على إمكانية أن يستثمر الجانب الإيراني في مشاريع الطاقة التركية أيضًا، وقد سبق لوزير الطاقة التركي أن رحَّب بمثل هذا الأمر في شهر إبريل/نيسان الماضي مؤكدًا أن بإمكان إيران شراء حصة في مشروع نقل الغاز المعروف باسم (TANAP)، والذي ينقل الغاز من بحر قزوين عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا وتبلغ تكلفته حوالي 20 مليار دولار(37). كما أن تركيا ستعزِّز دورها كممر لنفط وغاز إيران إلى الخارج لاسيما إلى دول الاتحاد الأوروبي.

‌ج. ‌زيادة حجم الاستثمارات التركية في إيران

يشير البعض إلى أن الشركات التركية في موقع مميز الآن؛ يُتيح لها أن تكون الأسرع في استغلال وجني ثمار أي انفتاح سريع للاقتصاد الإيراني؛ على اعتبار أن لها ركائز سابقة في السوق الإيرانية(38)؛ إذ يوجد في إيران اليوم حوالي 100 شركة تركية يعمل غالبيتها في مجال الاستيراد والتصدير، فيما نفَّذ بعض شركات المقاولات التركية مشاريع بقيمة حوالي 530 مليون دولار(39).

الانعكاسات السلبية المحتملة على تركيا

غالبًا ما تركِّز تصريحات المسؤولين الأتراك سريعًا على الانعكاسات الاقتصادية لمضامين الاتفاق النووي الإيراني على الاقتصاد التركي، وهو الشق الذي يحمل معه على المدى القصير على الأقل منافع للجانب التركي كما سبق وشرحنا، لكن بموازاة الفرص التي قد يفتحها الاتفاق لتركيا، لدى الأتراك كافة المبررات التي تجعلهم يتحسبون للتحديات التي سيفرضها هذا الاتفاق عليهم، وللانعكاسات السلبية التي قد يحملها معه، وأهمها:

1) احتدام التنافس الجيوبوليتيكي

الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني لا يتطرق إلى سياسة إيران الإقليمية، وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين الأتراك يأملون في أنْ يؤدي إلى استقرار إقليمي، فإن الانطباع العام السائد لدى الجانب التركي هو أنه لن يؤديَ إلى تغيير السلوك الإيراني؛ بل إن الاتفاق قد يعطي إيران دفعة إقليمية، ويعزِّز من اندفاعها الجيوسياسي.

الاتفاق يقوِّي العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين إيران والغرب عمومًا، وقد يُحَولها إلى نجم صاعد، وهذا يعطي طهران أفضلية إقليمية؛ خاصة مع الآمال الأميركية المعقودة عليها بالعمل على ملفات مشتركة هي في الأساس تعمل فيها ضد المصلحة التركية؛ سواء في سوريا أو في العراق أو في الخليج.

وفي كلتا الحالتين؛ سواء أدَّى الاتفاق إلى تغيير سلوك إيران أو لم يؤدِّ إلى ذلك، فإنه سيترك انعكاساته على موقع أنقرة ودورها الإقليمي، ولا يبدو أن أنقرة قد حسمت أمرها حتى الآن في الاعتماد على سياسة واضحة لمواجهة مثل هذا التحول؛ وذلك باستثناء محاولة الاستفادة من الشق الاقتصادي الذي يؤمِّنه الاتفاق لها.

2) تراجع قدرة تركيا على الضغط والمناورة

إذا ما صحَّ السيناريو القائل: إن إيران ستواصل اندفاعها وتوسعها الإقليمي؛ فهذا سيتطلب من أنقرة حتمًا مواقف أكثر حدَّة ووضوحًا في وجه إيران؛ لكن الاعتماد الشديد، الزائد عن اللازم، على مصادر الطاقة الإيرانية ناهيك عن حجم التبادل التجاري، والاعتماد الاقتصادي على طهران، قد يؤدي في المحصلة حينها إلى إضعاف قدرة أنقرة على التعبير عن موقفها السياسي بشكل صدامي؛ وهو ما يعني تقليص قدرتها على المناورة وعلى القيام بإجراءات تضغط من خلالها على الجانب الإيراني، وهو الأمر الذي سيحتم عليها بالضرورة البحث عن وسائل أخرى.

3) تقويض أمن الطاقة

صحيح أن رفع العقوبات عن إيران سيؤدي إلى تحرير قطاع الطاقة لديها، وتصدير المزيد من النفط والغاز بما يؤمِّن لتركيا النفط والغاز بأسعار رخيصة، وصحيح أن موقع إيران حينها قد يؤثر على دور روسيا، ويقلِّص من حصتها المصدَّرة إلى المستهلكين في تركيا وأوروبا، ويساعد تركيا على أن تستفيد من التنافس بين الطرفين على تصدير المزيد من موارد الطاقة؛ لكن استيراد تركيا للمزيد من النفط والغاز الإيراني لا يساعد على إنجاح سياسة تنويع واردات الطاقة(40)، وقد يُقَوِّض من أمن الطاقة التركي؛ خاصة إذا فشلت أنقرة في الخروج من دائرة الاعتماد على إيران وروسيا، وكذلك في إطلاق برنامجها النووي للطاقة السلمية، وهو البرنامج الذي فشلت في إطلاقه مرارًا وتكرارًا منذ السبعينات من القرن الماضي وذلك لأسباب مالية في الغالب(41).

خلاصة

الاتفاق قد يفتح مزيدًا من الفرص الاقتصادية أمام أنقرة؛ لكن الانفتاح على علاقات اقتصادية أوسع مع إيران مع بقاء التناقض في الأجندة السياسية الإقليمية للطرفين في ظل تحرر إيران من القيود والضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية؛ سيؤدي إلى تآكل التوازن في ميزان القوى لصالح إيران؛ إذا لم يطرأ أي تغيير على هذه المعادلة على المدى المتوسط والبعيد. هذا الوضع قد يترك أمام أنقرة واحدًا من ثلاثة خيارات:

إمَّا أن يدفع أنقرة إلى تغيير أجندتها السياسية في المواضيع الإقليمية لتفادي الصدام مع إيران، والاستفادة القصوى من المكاسب الاقتصادية.

وإمَّا أنه سيدفعها إلى اللجوء لأدوار أخرى لإقناع إيران بتغيير سياساتها بالطرق الناعمة (كتأدية دور الوسيط أو المبادِر، أو زيادة الحوافز الاقتصادية، والاعتماد الاقتصادي المتبادل).

أو سيدفعها إلى القيام بشبكة تحالفات ومصالح إقليمية لاحتواء إيران.

الاعتماد على أحد هذه الخيارات لن يتوقف على إرادة الجانب التركي وتصوراته لطبيعة العلاقة مع إيران فقط؛ بل على السياسات الإيرانية نفسها، وفي ظل انعدام وجود المعطيات الحاسمة الآن حول عدد من الأسئلة من قبيل: هل سيغير الاتفاق حال حصوله من سلوك إيران الخارجي على الصعيد الإقليمي؟ هل سيكون التغيير في حال حصوله نحو الأفضل (تعاونيًّا)، أو الأسوأ (توسعيًّا)؟ هل سيتم الالتزام بمضمون الاتفاق وتنفيذه بشكل كامل وشفاف؟ كيف ستنعكس حالة رفع العقوبات اقتصاديًّا وعسكريًّا عن إيران على وضعها الداخلي والإقليمي؟ سيكون القطع بالمسار الذي ستتبعه أنقرة صعبًا للغاية، وإن كان الترجيح يتراوح حتى الآن وفق المعطيات المتاحة بين الخيار الثاني والثالث، أو كليهما معًا.

______________________________________________

علي حسين باكير – باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

(*) هذه الورقة هي تحديث (يتضمن إضافة وحذفًا) للورقة التفصيلية المنشورة سابقًا في المركز تحت عنوان “محددات الموقف التركي من الاتفاق النووي الإيراني وانعكاساته”، والتي كان الباحث قد أعدَّها عقب الاتفاق الإطاري الذي تطور إلى اتفاق نهائي بين إيران ومجموعة E3K، ونُشرت بتاريخ 27 إبريل/نيسان 2015.

(**) تعبير E3 يعني الاتحاد الأوروبي + كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين. بمعنى آخر مجموعة الخمس الكبار + ألمانيا. نص الاتفاق يستخدم تعبير E3؛ لذلك فضَّلنا استخدامه أيضًا في ورقتنا على الشكل الوارد في الاتفاق.

 

الهوامش والمصادر

  1. “No: 205, 14 Temmuz 2015, P5+1 ile ?ran Aras?nda ?ran’?n Nükleer Program?na ?li?kin Kapsaml? Ortak Eylem Plan? Üzerinde Sa?lanan Anla?ma Hk.”, Türkiye Cumhuriyeti D??i?leri Bakanl???, 14-7-2015 (A: 5/8/2015)

http://www.mfa.gov.tr/no_-205_-14-temmuz-2015_-p5_1-ile-iran-arasinda-iran_in-nukleer-programina-iliskin-kapsamli-ortak-eylem-plani-uzerinde-saglanan.tr.mfa

  1. “Çavu?o?lu’ndan ?ran de?erlendirmesi”, Aljazeera Turk, 14-7-2015. (A: 7-8-2015)

www.aljazeera.com.tr/haber/cavusoglundan-iran-degerlendirmesi

  1. راجع النسخة السابقة من الورقة التفصيلية التي أعدَّها الباحث: علي حسين باكير، “محددات الموقف التركي من الاتفاق النووي الإيراني وانعكاساته”، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 27 إبريل/نيسان 2015.

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/04/201542010548115601.htm

  1. “Davuto?lu: Turkey opposed to sanctions on Iran since 2006”, Today’s Zaman, 11-6-2010: (A: 9 April 2015)

http://www.todayszaman.com/diplomacy_davutoglu-turkey-opposed-to-sanctions-on-iran-since-2006_212768.html

  1. “History of Official Proposals on the Iranian Nuclear Issue” , Arms Control Association, January 2014: (A: 13 April 2015)

http://www.armscontrol.org/factsheets/Iran_Nuclear_Proposals

  1. “Security Council Imposes Additional Sanctions on Iran, Voting 12 in Favour to 2 Against, with 1 Abstention”, Security Council, UN, 9-6-2010: (A: 10 April 2015)

http://www.un.org/press/en/2010/sc9948.doc.htm

  1. “Ankara backs Iran nuclear deal, despite odds over regional issues”, Today’s Zaman, 3-4-2015: (9 April 2015)

http://www.todayszaman.com/diplomacy_ankara-backs-iran-nuclear-deal-despite-odds-over-regional-issues_377100.html

http://www.caluniv.ac.in/ifps/article_&_other/ozkan%20web%20article.pdf

  1. “No: 311, 24 Kas?m 2013, ?ran’?n Nükleer Program?na ?li?kin Cenevre’de Var?lan Mutabakat Hk.”, Türkiye Cumhuriyeti D??i?leri Bakanl???, 24-11-2013: (A: 10 April 2015)

http://www.mfa.gov.tr/no_-311_-24-kasim-2013_-iran_in-nukleer-programina-iliskin-cenevre_de-varilan-mutabakat-hk.tr.mfa

  1. “Suriye’deki Meseleye ?nsan Odakl? Bak?yorum”, T.C. Cumhurba?kanl??? ?nternet Sitesi, 7-4-2015: (10 April 2015)

http://www.tccb.gov.tr/haberler/170/92869/suriyedeki-meseleye-insan-odakli-bakiyorum.html

  1. من لقاء للباحث مع أحد مستشاري وزارة الدفاع التركية.
  2. Turkish FM welcomes nuke deal but calls on Iran to revise regional policies, Hurriyet Daily news, 14-7-2015: (A: 6-8-2015)

www.hurriyetdailynews.com/turkish-fm-welcomes-nuke-deal-but-calls-on-iran-to-revise-regional-policies.aspx?pageID=238&nID=85441&NewsCatID=510

  1. انظر: علي حسين باكير، “لماذا اختارت تركيا نظام الدفاع الصاروخي الصيني؟”، مجلة المجلة، 12 من أكتوبر/تشرين الأول 2013: (دخول: 11 من إبريل/نيسان 2015)

http://goo.gl/IRTi2P

  1. Mehmet Cetingulec, “Turkey’s countdown to nuclear energy”, al-monitor, 16-5-2014: (A: 11 April 2015)

http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/05/turkey-nuclear-energy-countdown.html#

  1. “Nuclear Power in Turkey”, World Nuclear Association, March 2015: (A: 11 April 2015)

http://www.world-nuclear.org/info/Country-Profiles/Countries-T-Z/Turkey/

  1. “Nükleer enerji: Akkuyu’da ilk ad?m”, Aljazeera Turk, 14-4-2015: (A: 14 April 2015)

http://www.aljazeera.com.tr/al-jazeera-ozel/akkuyuda-ilk-adim

“Nuclear Power in Turkey”, World Nuclear Association, March 2015: (A: 11 April 2015)

http://www.world-nuclear.org/info/Country-Profiles/Countries-T-Z/Turkey/

  1. Jessica Varnum, “Overblown Rhetoric Exaggerates Proliferation Risks of Japan-Turkey Nuclear Cooperation”, Atlantic Council, 15-1-2014: (A: 11 April 2015)

Overblown Rhetoric Exaggerates Proliferation Risks of Japan-Turkey Nuclear Cooperation

  1. ‘Uranyum zenginle?tirme hedefimiz yok’, Aljazeera Turk, 16-1-2014: (A: 11 April 2015)

http://www.aljazeera.com.tr/haber/uranyum-zenginlestirme-hedefimiz-yok

  1. Mensur AKGÜN, “?ran’?n kazanc? Türkiye’nin kazanc?d?r”, Star, 5-4-2015: (A: 11 April 2015)

http://haber.star.com.tr/yazar/iranin-kazanci-turkiyenin-kazancidir/yazi-1017584

  1. للمزيد حول العلاقات التركية-الأميركية: علي حسين باكير، “أميركا وتركيا: معادلة القوة الصاعدة والقوة المتراجعة”، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 19من يونيو/حزيران 2013: (دخول: 11 من إبريل/نيسان 2015)

http://studies.aljazeera.net/reports/2013/06/2013612111233485847.htm

  1. “VOA Exclusive: US Negotiator Cites Progress in Iran Nuclear Talks”, VOA, 25-9-2014: (A: 12 April 2015)

http://www.voanews.com/content/us-negotiator-sherman-reports-progress-at-nuclear-talks-with-iran/2462342.html

  1. ” Iran’s says oil output to reach pre-sanctions levels “very fast”, Press TV, 14-4-2015: (A: 14 April 2015)

http://www.presstv.ir/Detail/2015/04/14/406219/Iran-vows-rapid-rise-in-oil-output

  1. Thomas Barrabi, “Iran Nuclear Deal: How Lifted Sanctions Will Benefit The Iranian Economy”, Ibtimes, 2-4-2015: (A: 12 April 2015)

http://www.ibtimes.com/iran-nuclear-deal-how-lifted-sanctions-will-benefit-iranian-economy-1868344

  1. Ben Winsor, “There’s Going To Be A Gold Rush If Sanctions On Iran Are Lifted, But America Could Miss Out”, Business Insider, 2-10-2014: (A: 12 April 2015)

http://www.businessinsider.com/us-could-miss-out-on-irans-gold-rush-2014-10

  1. Barrabi, Op. Cit.
  2. “Turkey eyes boosting trade with Iran after deal”, Today’s Zaman, 8-4-2015, p:4.
  3. للمزيد من المعلومات عن العلاقات التركية-العراقية: علي حسين باكير، “العراق في حسابات تركيا الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية”، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 18 من يناير/كانون الثاني 2015: (دخول: 13 من إبريل/نيسان 2015)

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/01/201511895950841529.htm

  1. للمزيد من المعلومات عن العلاقات التركية-المصرية: علي حسين باكير، “مستقبل العلاقات التركية-المصرية بعد الانقلاب العسكري”، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 8 من ديسمبر/كانون الأول 2013: (دخول: 13 من إبريل/نيسان 2015)

http://studies.aljazeera.net/reports/2013/12/2013128104942110833.htm

  1. ‘T?rlar M?s?r’a u?ramadan Süvey?’ten geçebilir’, Fortune Türkiye, 7-4-2015: (A: 13 April 2015)

‘Tırlar Mısır’a uğramadan Süveyş’ten geçebilir’

  1. “Türkiye ile ?ran gümrük vergilerini dü?ürdü”, Milliyet, 1-1-2015: (A: 13 April 2015)

http://www.milliyet.com.tr/turkiye-ile-iran-arasindaki/ekonomi/detay/1992763/default.htm

  1. Merve ERD?L, “Petrol 20 dolara inebilir”, Hürriyet, 4-4-2015: (A: 13 April 2015)

http://www.hurriyet.com.tr/ekonomi/28641728.asp

  1. علي حسين باكير، “كيف يؤثِّر انخفاض أسعار النفط على تركيا؟ الأرباح والخسائر أيضًا”، عربي 21، 3 من يناير/كانون الثاني 2015: (دخول 13 من إبريل/نيسان 2015)

http://goo.gl/1bpPYA

  1. حول فاتورة الطاقة التركية، راجع: علي حسين باكير، “أخبار جيدة للاقتصاد التركي”، صحيفة العرب القطرية، 9 من ديسمبر/كانون الأول 2015: (دخول 13 من إبريل/نيسان 2015)

http://goo.gl/UbpGYp

  1. “تركيا وإيران ومشكلة الغاز الطبيعي المستمرة”، تركيا بوست، 8 من إبريل/نيسان 2015: (دخول: 14 من إبريل/نيسان 2015)
  2. http://www.turkey-post.net/p-34722/
  3. “Suriye’deki Meseleye ?nsan Odakl? Bak?yorum”, T.C. Cumhurba?kanl??? ?nternet Sitesi, 7-4-2015: (A: 10 April 2015)

http://www.tccb.gov.tr/haberler/170/92869/suriyedeki-meseleye-insan-odakli-bakiyorum.html

  1. “Do?algazda yüzde 32 indirim istedik”, Sabah, 9-4-2015: (A: 14 April 2015)

http://www.sabah.com.tr/ekonomi/2015/04/09/dogalgazda-yuzde-32-indirim-istedik

  1. “Iran may join Azeri-Europe gas pipeline”, Hurriyet Daily News, 10 April 2015, p:1.
  2. Tom DiChristopher, “Iran nuclear deal: These industries could get a boost”, CNBC, 6-4-2015: (14 April 2015)

http://www.cnbc.com/id/102562048

  1. “اقتصادي تركي: زيارة أردوغان لطهران ستعزِّز التجارة البينية”، أخبار تركيا، 6 من إبريل/نيسان 2015: (دخول: 14 من إبريل/نيسان 2015)

http://akhbarturkiya.com/?p=54895

  1. Ozan Acar, “Turkey’s 2023 vision: An evaluation from the energy perspective”, TEPAV, 2-7-2013: (A: 14 April 2015) إضغط هنا.
  2. للمزيد انظر: علي حسين باكير، “تركيا.. ومحاولات دخول النادي النووي”، الإسلام اليوم، 28 من إبريل/نيسان 2006. (تاريخ الدخول: 15 من إبريل/نيسان 2015)

http://www.islamtoday.net/bohooth/services/saveart-78-7174.htm

 

 

 

الحراك العسكري التركي .. تداعيات سورية وعراقية وإقليمية/ خيري حمدان

على الرغم من إعلان تركيا الحرب ضدّ “الدولة الإسلامية”، إلا إنّ هدفها غير المعلن يتمثل في ضرب مواقع حزب العمال الكردستاني، وقد توسّع نفوذه في المنطقة، إثر الخسائر التي تكبّدتها كل الأطراف في الصراع المحتدم في سورية والعراق، وكان من السهل إيجاد الذريعة لبدء هذه المعركة، بعد مقتل مواطنين أتراك في مدينة سروج، والضربات العسكرية موجّهة في وقت واحد لداعش وحزب العمال، على الرغم من وجود التنظيمين في خندقين متباينين. ويبدو أنّ رغبة الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، تهدف إلى تحجيم نفوذ الأكراد في المناطق المتاخمة والكيل لداعش في آن واحد. وقد أعلنها أردوغان حربًا شاملة أهدافها واضحة، إلا أنّ معارضيه شكّكوا في نجاحها، مؤكّدين أنّ الحملة ستؤدّي، في نهاية المطاف، إلى توسيع رقعة الحرب في الإقليم.

قتال متعدّد الجبهات

لم تتوانَ القوات العسكرية التركية عن خرق اتفاق الهدنة مع حزب العمال الكردستاني اليساري التوجّهات، هدنة أبرمت بصعوبة خلال العام 2013، وأقدمت على مهاجمة مواقع الحزب، كما سمحت للطيران العسكري الأميركي باستخدام قاعدة إنجرليك القريبة من سورية، لإمطار مواقع داعش بالصواريخ، وكانت الطائرات الأميركية تقطع مسافات طويلة آتية من قواعد موالية بعيدة حتى اللحظة. وقد أكدت الحكومة التركية، في تصريحاتها المختلفة، على نياتها بالدفاع بقوّة عن أمنها القومي، ولن تسمح لأيّ من القوات المرابطة على حدودها بمهاجمة أراضيها وقتل مواطنيها. لكن، لا أحد يمكنه التنبّؤ بمصير هذا الصراع الدمويّ ونهايته، علمًا أنّ التدخّل العسكري التركي سيقلب موازين ومعادلات كثيرة على أرض الواقع.

“لم تتوانَ القوات العسكرية التركية عن خرق اتفاق الهدنة مع حزب العمال الكردستاني اليساري التوجّهات، هدنة أبرمت بصعوبة خلال العام 2013، وأقدمت على مهاجمة مواقع الحزب، كما سمحت للطيران العسكري الأميركي باستخدام قاعدة إنجرليك”

تقر تركيا بأنّ حزب العمال الكردستاني وداعش تنظيمان إرهابيان، لكنّها ترى في الحزب الكردي خطورة أكبر على أمنها، لذا، فإنّ الحملة التركية مركّزة بصورة أكثر وضوحًا على المواقع التي تتمركز فيها القوات الكردية، وتستخدم تركيا داعش ذريعة للتخلّص من النفوذ المتنامي لحزب العمال الكردستاني، وفي البال الصراع الدامي بين الطرفين الذي امتدّ عقوداً.

وقد صرح كريم يوكتيم، العضو في مركز الدراسات الأوروبية وفي معهد الاستشراق لجامعة أكسفورد وأحد أهم المحللين للمشروع الأكاديمي لدراسة الإسلام المعاصر وآثاره في البلقان، لصحيفة كابيتال البلغارية بأنّ تركيا تتظاهر بإعلان الحرب ضدّ داعش، لكنّها، في واقع الأمر، تنوي مهاجمة حزب العمال الكردستاني، ويمكن ملاحظة أنّ العمليات العسكرية داخل البلاد وخارجها موجّهة ضدّ الأكراد، من دون التعرّض بصورة جادّة للجهاديين لدى تنظيم داعش. ويمكن ملاحظة الفارق ما بين طريقة اعتقال أعضاء وأنصار داعش التي تمّت وفق الشروط الأوروبية في تركيا، في مقابل العنف والضرب الذي صاحب اعتقال أعضاء حزب العمال.

داعش العدوّ المفضّل

ترى تركيا أنّ داعش ليست العقبة الأساسيّة، وسيزول مع زوال النظام السوري. لذا، يعتبر داعش بالنسبة لتركيا عدوًّا مفضّلا وليّناً، في وقت تخشى فيه تركيا تنامي القوّة العسكرية لحزب العمال وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب – YPG” التي تمكّنت من إيجاد موقع استراتيجي بين القوات المتناحرة في سورية، متزعمة الحرب ضدّ داعش، ومدعومة من القوات العسكرية الأميركية، لذا وجّهت أصابع الاتهام لتركيا لتساهلها مع داعش، والتركيز على مهاجمة الأكراد للحدّ من نفوذهم، علمًا أنّ أنقرة وواشنطن توصّلتا إلى صيغة تفاهم للتعاون في مجال وقف تدفّق المقاتلين والأموال من تركيا إلى سورية، وهناك أنباء عن موافقة أميركا لتشكيل منطقة تركية آمنة في العمق السوري.

ساعدت السياسة التركية المعتدلة تجاه الجهاديين في داعش في رفع أسهم حزب العمال وذراعه العسكرية، وحدات حماية الشعب بدعم أميركي، ما دفع تركيا إلى إعادة النظر مليًا في مواقفها، والمبادرة بقلب الموازين، خصوصاً إثر العملية الدموية التي شهدتها مدينة سوروج على المناطق المتاخمة لسورية، والمبادرة لإيجاد قوى معارضة سورية مرنة ومتزّنة، كي تحلّ مكان داعش، ووقف اندفاع الحزب الكردي في الداخل السوري.

وحسب ما نشرته وكالة رويترز، بتاريخ 5 أغسطس/آب ووسائل الإعلام التركية، بات من المقرّر مشاركة تركيا في حملة واسعة ضدّ قوات داعش، بزعامة القوات الأميركية، وانطلاقًا من القواعد العسكرية التركية، وأشارت “رويترز” كذلك إلى الموقف الرسمي السوري الذي أكّد أنّ العمليات التي لا تتم بالتنسيق مع دمشق تعتبر خرقًا لسيادة الحكومة السورية، ولنا أن نتساءل عمّا تبقّى من هذه السيادة، في وقت تجول وتصول فيه قوات من مختلف الجنسيات فوق الأراضي السورية، وفي وقت خسر فيه النظام السوري ثقة جلّ الشعب السوري، نتيجة عمليات القتل والتدمير المنظّم واستمرار إلقاء البراميل المتفجّرة فوق رؤوس العباد، بحجّة مواجهة الإرهاب، من دون التفريق ما بين قرية آمنة وثكنة عسكرية.

في الوقت نفسه، دعا يوهانس خان، المفوض الأوروبي المسؤول عن شأن توسّع المنظومة، تركيا إلى اتّخاذ إجراءات مدروسة ضدّ الإرهاب، كيلا تؤدّي هذه الحملة إلى نقض اتفاقية الصلح والهدنة المبرمة مع المتمرّدين الأكراد. وتأتي تصريحات المسؤول الأوروبي على خلفية هجمات القوات التركية ضدّ مراكز حزب العمال الكردستاني. وأشارت الاستخبارات التركية المضادة إلى وجود مخاوف لإعلان الحكم الكردي الذاتي في إقليم أغري التركي، كما الحال في ثلاثة أقاليم أخرى في سورية والعراق، وهناك أطماع، حسب الاستخبارات التركية، لإعلان الاستقلال والحكم الذاتي الكردي في أقاليم أغري وإغدر وأرضوم وغيرها في تركيا.

لذا، تفوق مخاوف تركيا من توسّع نفوذ الأحزاب الكردية في تركيا وسورية والعراق بكثير مخاوفها من ازدياد نفوذ “داعش” وسلطته، وهناك مخاطرة لإفراغ المناطق المتاخمة لتركيا من قوات التنظيم، لأنّ البدائل أيضًا قوات إسلامية متشدّدة، لا تتوافق بالضرورة مع تطلعات أميركا الراغبة بتوظيف قوات معتدلة في مناطق التماس، في الوقت نفسه، يعتبر الأكراد هذه الإجراءات محاولة لسلب الأراضي والأقاليم ذات الأغلبية الكردية.

“ترى تركيا أنّ داعش ليست العقبة الأساسيّة، وسيزول مع زوال النظام السوري. لذا، يعتبر داعش بالنسبة لتركيا عدوًّا مفضّلا وليّناً، في وقت تخشى فيه تركيا تنامي القوّة العسكرية لحزب العمال وجناحه العسكري”

وهناك أنباء تفيد بأنّ ينس ستولتنبرغ، السكرتير العام لحلف الناتو، طالب في اجتماع الدول الأعضاء في الحلف، مع إعلان تركيا الحرب ضدّ داعش وحزب العمال الكردستاني، طالب، خلف الأبواب المغلقة، بعدم استخدام القوة المفرطة ضدّ الأكراد، والإبقاء على الهدنة مع الأقلية الكردية.

وقد أوضح المتحدث باسم الحكومة التركية أنّه ليس من الدقّة إعلان انتهاء صلاحية الهدنة مع الأقلية الكردية، لكن آليات عملها مجمّدة في الوقت الراهن، ولا بدّ للأكراد من الاختيار بين تسليم السلاح والتوقّف عن القيام بهجمات إرهابية داخل الأراضي التركية مقابل التقيّد بالمبادئ الديمقراطية والحريات المنشودة، كما أكّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، أنّ المنهجين متناقضان.

أهداف تكتيكية مشتركة

هناك تأويلات أخرى بشأن مشاركة تركيا في الحرب ضدّ داعش، تؤكّد جدّية توجهاتها العسكرية بصورة غير مسبوقة، وأوضحت الإدارة الأميركية أنّ سماح تركيا بانطلاق المقاتلات الأميركية من قواعدها العسكرية سيعمل على تغيير قواعد اللعبة، وسيسمح بحرب أكثر فاعلية ضدّ داعش في الإقليم، حسب تصريحات فادي حاكورة، الخبير التركي والمحلل في مركز تشاتام هاوس اللندني. وحسب سنان يولغن، رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والدولية في إسطنبول والضيف المستشار في معهد كيرنيغي – أوروبا، إنه “على الرغم من الإشارات الدالّة على سياسة تركية متماثلة تجاه حزب العمال الكردستاني وداعش، فإنّ هناك فروقا أصولية، أهمّها مواجهة الجهاديين عملية قد تستمرّ سنوات، وتهدف إلى إضعافهم قبل القضاء عليهم، لكن مواجهة الأكراد عملية محدودة الاستمرارية، وذات طابع تكتيكي، وتأتي ردّة فعل للهجمات التي قامت بها القوات الكردية ضدّ مواقع تركية، وعلى الأرجح، ستطالب الحكومة التركية الجديدة بتجديد المحادثات، والتوصّل إلى اتفاقية سلام في الأسابيع المقبلة”.

كما توجد عوامل سياسية أخرى في الحملة التركية المعلنة ضدّ الأكراد، تتمثّل في رغبة الرئيس، رجب طيب أردوغان، بتعجيل عقد انتخابات برلمانية جديدة في خريف العام الحالي، بعد تمكّن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من تجاوز عتبة 10% المحدّدة للمشاركة في قوام البرلمان في شهر يونيو/حزيران الماضي، والتأهّل لدخول البرلمان. ويأمل أردوغان كسب أصوات القوميين في الانتخابات المقبلة، باعتماد سياسة متشدّدة ضدّ الأقلية الكردية، وتبقى المخاوف قائمة من ردود فعل عنفوية كردية، والأمثلة على ذلك كثيرة في المواجهات الدموية التي شهدتها تركيا في الحقبة الماضية، وقبل التوصل إلى إبرام الهدنة.

مؤشرات النجاح العسكري ضدّ داعش

رغم امتداد الضربات العسكرية لدول التحالف ضدّ داعش عدّة أشهر، وتحقيق نجاح ملحوظ في عين العرب “كوباني” وتكريت، يبدو من الصعب كسر شوكة تنظيم الدولة وديناميكية أدائه، والملاحظ تشكّل انطباع واسع في الإقليم، يشير إلى تحالف أميركا مع إيران والميليشيات الشيعية ضدّ السنّة، وكذا عدم وجود إرادة لدى دمشق وبغداد، بصورة مستديمة، لفرض إرادة سياسية بديلة عن الاقتتال لوقف النزاع الدمويّ بطريقة سلمية، ويتعذّر تحقيق هذا الهدف من دون مشاركة السنّة في القرار السياسي، ونيلهم دوراً أساسيّاً في السلطة وإدارة البلاد. عمليًا لا توجد آفاق لحلّ الأزمة، من دون التوصّل إلى حلّ سياسي ديناميكي يرضي كل الأطراف، الأمر الذي يصبّ في صالح داعش في الوقت الراهن.

يعود ظهور “داعش” ونجاحه وتناميه إلى فشل المشروع السياسي بشكل عام، ونتيجة للحرب الأهلية الدائرة في سورية والعراق، وسيبقي إجهاض الحلّ السياسي الشامل الفرصة مواتية لتكرار هذه الظاهرة، وإن تمكن الحلفاء من القضاء على هذا التنظيم. ويمكن، من جهة أخرى، توسيع رقعة الخلاف بعد الاتفاقية النووية في إيران، وإطلاق العنان لليد الطولى لإيران في المنطقة، مستفيدة، من دون شكّ، من مقدّراتها المالية المحرّرة. وتدرك القوى الإقليمية أنّ المجتمع السنّي هو الحاضن لداعش الذي لا يتوانى عن التحدّث باسمهم، وهم وحدهم “السنّة” قادرون على قلب الموازين وإقصاء داعش عن القرار السياسي.

حلّ الأزمة العراقية دون السورية

تبدو الجهود العسكرية موجّهة، بشكل خاص، للتغلّب على الوجود العسكري والجيوسياسي لداعش في العراق، وتتركّز الضربات العسكرية على مواقع التنظيم في العراق. لكن، من الصعب للغاية التغلّب على داعش بصورة واضحة، حال دحره وإقصائه عن العراق، وترك الأزمة السورية من دون حلول نهائية إلى أجل غير مسمّى، مع أنّ سورية هي التي شهدت انطلاقة شرارة الأزمة في الإقليم، بعد تحويل المظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية إلى مواجهة عسكرية وحرب أهلية، في فترة وجيزة، والعمل الحثيث فيما بعد على تسليح المنظّمات التي نبتت كالفطر ما بعد المطر في سورية.

وأوضح جوليان بارنس أنّ أوروبا تأمل، أيضًا، أن تعمل تركيا على ضبط حدودها، للحدّ من حرية تنقل الجهاديين القادمين من أوروبا، وتشهد القارة مشكلات أصولية مع أعضاء داعش وأنصاره، إثر عودتهم إلى دولهم وقيامهم بعمليات إرهابية ونشاطهم في تنظيم وعي الشباب المنحدر من أصول إسلامية وغسله، مستغلّين إحباطهم وعدم قدرتهم على الحصول على فرص عمل جيّدة، والاندماج في المجتمعات الأوروبية. وقد شهدت مقدونيا، قبل أيام، عمليات اعتقال لمجموعة جهادية موالية لداعش، وهناك مخاوف من تنامي نشاط الجماعات الجهادية في دول عدة في البلقان. كما توجد ضرورة لبذل جهود مشتركة من تركيا والسعودية وكل أطراف الصراع لوقف تمويل الجماعات المسلحة وداعش. لكن، حتّى وإن أبدت تركيا رغبتها واستعدادها للقيام بذلك، سيتعذّر عليها الحدّ من نشاط الجهاديين وتنقلهم من أوروبا وإليها، من دون التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة في سورية والعراق.

العربي الجديد

 

 

 

حسابات تركيا المعقدة في سوريا/ سعيد الحاج

أسباب التغيير

الاتفاق الأميركي التركي

بين التنظيم والحزب

بين الاضطرار والاستثمار

بالقصف الجوي التركي لمواقع تنظيم الدولة في سوريا وحزب العمال الكردستاني في العراق، ثم السماح للولايات المتحدة ودول التحالف باستعمال قاعدة إنجيرليك العسكرية ضد التنظيم، وانطلاق أولى الطائرات لقصفه قبل أيام، ثم الإعلان عن مواجهة وشيكة وشاملة معه، تكون تركيا قد انتقلت إلى مرحلة جديدة في تناولها قضايا المنطقة، ونقلت سؤال تدخلها/تورطها في المشهد السوري من نطاق “هل” إلى نطاق “كيف” و”إلى أي مدى”.

أسباب التغيير

ذلك أن الحكومة التركية بقيت على خلاف في التوصيف والرؤى مع الإدارة الأميركية منذ بدء الأزمة السورية، ثم تعمق ذلك الخلاف واتضح أكثر مع تشكيل التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، الذي تمنعت أنقرة عن المشاركة الميدانية الفاعلة في عملياته، واكتفت بالدعم اللوجستي والاستخباراتي، إضافة إلى محاولة ضبط الحدود.

ثمة أسباب كثيرة يمكن ذكرها بين يدي هذا التحفظ التركي منذ بدء الأزمة السورية ثم بعد تشكيل التحالف، بعضها نظري متعلق برؤية العدالة والتنمية للصراعات الإقليمية التي قد تحمل أبعادا عرقية أو مذهبية، وبعضها الآخر واقعي عملي ذو علاقة بموازين القوى على الأرض.

وبعض منها إستراتيجي مرتبط بالعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة فضلا عن داعمي الأسد مثل روسيا وإيران، وجزء آخر غير معلن يُغذي توجسها من نوايا واشنطن في المنطقة، خاصة لجهة تغيير تحالفاتها وحلفائها، وبعض أخير متعلق بالمشهد السياسي الداخلي الذي لا يحتمل حروبا ونزاعات ولا يريدها.

تغير موقف أنقرة، أو بتعبير أدق تغير سلوكها على الأرض -رغم عدم تغير هذه العوامل بشكل جذري- متعلق بثلاثة متغيرات إستراتيجية، هي:

أولا: اختلال التوازن الذي كان قائما في السابق بين تنظيم الدولة وقوات حماية الشعب الكردية.

ثانيا: تفعيل أكراد سوريا مشروعهم بإقامة كيان سياسي لهم في الشمال السوري.

ثالثا: تراجع العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وضبابية المشهد السياسي الداخلي، وهو ما أدى إلى ضعف قدرة الحكومة التركية على الصمود وقلل من فرص استقلالية قرارها في السياسة الخارجية.

الاتفاق الأميركي التركي

منذ تشكيل التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة افترقت رؤيتا كل من أنقرة وواشنطن حول الأزمة، ففي حين لم تخف الثانية نيتها التعامل الضمني مع نظام الأسد من خلال تركيزها على مكافحة التنظيم فقط، كانت الأولى ترى أن التنظيم مجرد نتيجة من نتائج سياسات النظام، وبالتالي فإن مكافحته لن تكون ممكنة ما دامت أسباب نشأته وانتشاره قائمة، بل ومتزايدة.

ومن هنا، اشترطت تركيا ثلاثة شروط للمشاركة الفاعلة في التحالف الدولي هي:

1- معالجة أسباب الأزمة (استهداف نظام الأسد) وليس مجرد النتيجة (تنظيم الدولة).

2- إنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، ومنطقة حظر للطيران لحمايتها.

3- تسليح وتدريب المعارضة السورية “المعتدلة”.

ولأن الإدارة الأميركية لم تتجاوب مع أول شرطين، فقد بقيت أنقرة خارج المعادلة الميدانية للتحالف، بيد أن الطرفين اتفقا على مشروع تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، وهو المشروع الذي تعثر بسبب الخلاف بين البلدين على تعريف “الاعتدال” واختيار العناصر.

من جانبها، ورغم الضغوط الأميركية المتواصلة منذ شهور، فقد تمنعت تركيا عن الموافقة على فتح قواعدها العسكرية أمام الطائرات الأميركية، لا سيما قاعدة إنجيرليك القريبة من الحدود السورية وذات الأهمية الإستراتيجية في خطة مكافحة “داعش”، قبل أن تسمح بذلك فجأة في إطار اتفاق ثنائي.

سبق هذا الاتفاق سيطرة قوات الحماية الكردية على تل أبيض في الشمال السوري تحت حماية طيران التحالف وما رافقه من تهجير للعرب والتركمان. عدم إخطار أنقرة وحصول الحادث بعد الانتخابات -التي تراجع فيها العدالة والتنمية- مباشرة أذكيا هواجس أنقرة بخصوص تغيير التحالفات الأميركية وإعطائها الضوء الأخضر للمشروع السياسي الكردي على حدودها، وهو أحد خطوط أمنها القومي الحمراء، الأمر الذي جعلها أقرب للخضوع للضغوط الأميركية.

ونتيجة هذه الضغوط والعوامل المذكورة آنفا، فقد تراجعت تركيا عن موقفها بالتدريج؛ ففي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت تركيا عن “تواجد” طائرات مسيرة (بلا طيار) أميركية في قاعدة إنجيرليك، ثم أصدرت الخارجية التركية في 24 يوليو/تموز الفائت بيانا أعلنت فيه عن اتفاق بين أنقرة وواشنطن على محاربة تنظيم الدولة، وفق التفويض ساري المفعول من قبل مجلس الشعب التركي.

بيد أن الكثير من التطورات والقرائن تشير إلى أن الأمر كان أقرب إلى خضوع تركي، أو على الأقل تراجع تكتيكي، منه إلى اتفاق ثنائي تبادلي كامل، ومنها:

أولا: أن الاتفاق غير معلن وغير مكتوب، وسيخضع بالتالي لتطورات الأحداث، وللتفسير الأميركي له بطبيعة الحال.

ثانيا: أن الكثير من المصادر الأميركية أكدت أن منطقة آمنة على الحدود السورية التركية لن تعلن بشكل رسمي، بل وفق ظروف “الأمر الواقع”، باعتبار أن المنطقة “ستنظف” من تنظيم الدولة وطيران النظام لن يجرؤ على قصف طيران التحالف.

ثالثا، تحدثت التسريبات الصحافية عن منطقة آمنة بطول تسعين كيلومترا بين المعرة وجرابلس (غربي نهر الفرات)، وبعمق يصل في بعض الأماكن إلى خمسين كيلومترا، وهو تصور بعيد عن المناطق الآمنة التي تطالب بها تركيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014 وتمتد على طول الحدود التركية السورية.

رابعا، يتضح من التسريبات أن الاتفاق لا يشمل إجلاء قوات الحماية الكردية -الهاجس الأهم لأنقرة- من مناطق نفوذها شرقي الفرات، بل يبدو مثبتا لها.

بين التنظيم والحزب

لطالما كانت العلاقة الملتبسة بين تركيا وتنظيم الدولة مثار جدل كبير، بل وفتحت الباب على اتهام الأولى بالتنسيق مع الثاني وتسهيل دخول أفراده إلى سوريا، وصولا إلى دعمه في معركة عين العرب (كوباني) مع قوات الحماية الكردية، رغم أن أنقرة استقبلت اللاجئين السوريين (الأكراد) من عين العرب، وقدمت المساعدات الإنسانية واللوجستية للأكراد، ثم سمحت لمقاتلي البشمركة بالعبور عبر أراضيها إلى المدينة للمشاركة في المعركة.

بيد أن هذه الوقائع لا تدحض أيضا حقيقة أن تركيا تلكأت في الانضمام الفعلي والانخراط الميداني مع التحالف الدولي، وهو ما يمكن تفسيره وفق عدة أسباب، أهمها:

1- الرهائن الأتراك الذين احتجزهم التنظيم في بداية ظهوره في الموصل.

2- موازنة التنظيم للقوات الكردية في الشمال السوري، وهو ما كانت تستفيد منه تركيا في الحد من الطموح السياسي لأكراد سوريا.

3- خوف تركيا من أن يؤدي استهداف التنظيم إلى تقوية نظام الأسد أو اضطرارها للتعاون معه كأمر واقع.

4- محاولتها تجنب أي هجمات انتقامية على الحدود أو في الداخل من قبل التنظيم، الذي يتمتع بشيء من التعاطف ويتوقع أن تكون له خلايا نائمة في الداخل التركي.

5- رغبتها في ألا تكون مشاركتها بلا مقابل (المنطقة الآمنة مثالا).

6- توجسها من حقيقة الأهداف الأميركية في المنطقة، في ظل حرب ستستمر سنوات طويلة، قد تتغير خلالها الأهداف والتحالفات أكثر من مرة.

إذن، بدا تنظيم الدولة -المصنف منظمة إرهابية في تركيا منذ سنوات- فاعلا ذا فائدة تكتيكية وخصما غير منضبط يمكن تأجيل الصدام معه، للتركيز على الاهتمام بالمخاطر ذات الأولوية وفق الأجندة التركية، أي حزب العمال الكردستاني وقوات الحماية الكردية.

ولعل ذلك ما يفسر أن التحرك العسكري التركي تحت عنوان مكافحة التنظيم بدأ فقط بعد اغتيال شرطييْن على يد حزب العمال، وليس مباشرة بعد تفجير مدينة سروج الذي اتهم فيه تنظيم الدولة، بينما لم يخف على المتابعين استئثار الحزب -وليس التنظيم- على الحصة الكبرى من القصف الجوي.

بين الاضطرار والاستثمار

إذن، تبدو تركيا في المحصلة وسط مشهد بالغ التعقيد، تحتاج أن تحسب فيه كل خطوة من خطواتها مرات ومرات، فهي تبدو على مشارف حرب يتصارع فيها أكثر من خصم/عدو لها، في حين لا تبدو مطمئنة لدعم حلفائها في واشنطن وحلف الناتو.

من ناحية أخرى، تدرك أنقرة بالتأكيد أن هدف إسقاط النظام السوري عبر إعطاء المعارضة السورية موطئ قدم في الشمال ليس أمرا واردا في الوقت الحالي، في ظل افتقادها كثيرا من عناصر القوة والمبادرة، وهي تعلم يقينا أنها أضعف موقفا من ذي قبل أمام الضغوط الأميركية، وهو ما أدى إلى تراجعها في مسألة إنجيرليك.

والحال كذلك، يمكن فهم التحركات التركية في إطار “الدفاع الفاعل” عن حدودها، ويبدو أن سقف موقفها هو محاولة تثبيت فكرة المنطقة الآمنة. لكن موازين القوى، وتطورات الأحداث، والمعلن من الموقف الأميركي، وتعقيدات المشهد السياسي الداخلي، واقتراب انتهاء فترة تفويض البرلمان للحكومة (أكتوبر/تشرين الثاني القادم)، والعوائق الميدانية والإستراتيجية العديدة بخصوصها، كلها عوامل تشير إلى أن المنطقة الآمنة ما زالت صعبة المنال، بل ربما مناط نقاش معمق مع الإدارة الأميركية، وليست اتفاقا منجزا بالضرورة كما تشير الكثير من التسريبات التركية.

ختاما، تبدو تركيا مضطرة لرفع مستوى اشتباكها مع المشهد السوري رغم اقتناعها بخطورة ذلك، لكنها تسعى لتحويل هذا الاضطرار إلى فائدة إن أمكن، عبر تأكيدها المتكرر على أهمية المنطقة الآمنة لها وللاجئين السوريين، وأيضا -وهو الأهم- خوضها معركتها الرئيسية مع العمال الكردستاني تحت شعار وعنوان مكافحة تنظيم الدولة، وقد نجحت حتى الآن بجمع الطرفين تحت وصف الإرهاب والحصول على الدعم السياسي اللفظي من واشنطن والناتو والأمم المتحدة في حربها هذه حتى الآن.

الجزيرة نت

 

 

استراتيجية إردوغان المزدوجة: هل تحارب تركيا الأكراد أو داعش؟

العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني و”الدولة الإسلامية”

بعد أعوام من التردد الطويل بدأت تركيا في قصف مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا. وفي الوقت نفسه تستخدم تركيا قوتها الجوية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني المحظور. ولذلك يعتقد الخبراء أنَّ الرئيس رجب طيب إردوغان ينتهج من خلال ذلك استراتيجية خاصة به. الصحفية تشيديم أكيول تسلط الضوء من اسطنبول لموقع قنطرة على الأحداث الجارية في تركيا.

طيلة أعوام تحفَّظت الحكومة التركية بالقيام بهجمات على ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). لكن منذ يوم الجمعة المصادف 24 / 07 / 2015 قصفت الطائرات الحربية التركية مواقعَ لتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك فقد سمحت أنقرة للولايات المتَّحدة الأمريكية بشن غاراتها الجوية انطلاقًا من قاعدة إنجرليك الجوية الواقعة في موقع استراتيجي فوق التراب التركي.

وفي الوقت نفسه بدأ الجيش التركي بقصف مواقع لحزب العمال الكردستاني PKK في كلّ من تركيا وشمال العراق. وفي يوم الثلاثاء المصادف 28 / 07 / 2015 أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن انتهاء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، الذي يتم تصنيفه من قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية والاتِّحاد الاوروبي على أنَّه تنظيم إرهابي. وفي هذا الصدد قال إردوغان: “لم يعد بالإمكان الاستمرار في عملية الحلِّ مع هؤلاء الذين يعملون على تقويض وحدة تركيا وسلامتها”.

إردوغان غير مهتم في حلٍّ سياسي

“إردوغان لم يعد مهتمًا في التوصُّل إلى حلّ سياسي للصراع مع كلّ من دمشق وحزب العمال الكردستاني”، مثلما يقول عصمت أكتشه، أستاذ العلوم السياسية والخبير العسكري في جامعة يلدز التقنية في اسطنبول. ويبرِّر عصمت أكتشه رأيه هذا بأنَّ إردوغان يستطيع فقط من خلال الاضطرابات المتوقَّعة في تركيا أن يضمن تأثيره وأن يتجنَّب حزب الشعوب الديمقراطي HDP الموالي للأكراد والذي أصبح يشكِّل خطرًا بالنسبة له.

لقد كانت المفاجأة في حصول حزب الشعوب الديمقراطي على أصوات كثيرة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر حزيران/يونيو 2015 وساهم من خلال ذلك في جعل حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ بزعامة رجب طيب إردوغان يخسر أغلبيته المطلقة في البرلمان التركي. فبعد اثني عشر عامًا من تفرُّده في السلطة، بات يتعيَّن على حزب العدالة والتنمية أن يبحث الآن للمرة الأولى عن شريك في ائتلاف. غير أنَّه لم يتمكَّن حتى الآن من إيجاد هذا الشريك، ولذلك يزداد باستمرار احتمال إجراء انتخابات جديدة. ولهذا السبب يرى أستاذ العلوم السياسية عصمت أكتشه أنَّ الحرب على جبهتين ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” وضدَّ حزب العمال الكردستاني ستكون مفيدة حتى بالنسبة لإردوغان.

إقامة منطقة آمنة “خالية من داعش” – بحسب تقارير وسائل الإعلام فقد اتَّفقت تركيا مع الولايات المتَّحدة الأمريكية على عمليات التعاون. ومن المفترض في هذه العمليات أن تتعاون الولايات المتَّحدة الأمريكية بطائراتها الحربية مع المتمرِّدين السوريين المعتدلين والجيش التركي بشكل وثيق. ومن المفترض أنَّ هذه المنطقة الآمنة سوف تُمكِّن مليونًا وسبعمائة ألف لاجئ حرب سوري من العودة من تركيا إلى داخل وطنهم سوريا.

رفع الحصانة البرلمانية؟

“يراهن إردوغان الآن على استراتيجية قومية عسكرية. وهو يريد أن يبيِّن للأتراك أنَّ الإرهاب – من دون حكومة مستقرة يقودها حزب العدالة والتنمية – سوف يعود مرة أخرى إلى تركيا”، مثلما يقول الأستاذ عصمت أكتشه. يقوم الرئيس التركي باستفزاز حزب العمال الكردستاني لكي يرُد هذا الحزب وينتقم من هذه الاستفزازات. ويقول الأستاذ عصمت أكتشه إنَّ هجمات حزب العمال الكردستاني من الممكن أن تلحق ضررًا بسمعة حزب الشعوب الديمقراطي، وذلك لأنَّ هذا الحزب لديه في الواقع علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني.

وفي يوم الثلاثاء 28 / 07 / 2015 طالب إردوغان برفع الحصانة البرلمانية عن رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش وعن أعضاء قياديين آخرين في هذا الحزب. “أيًا كان مَنْ تربطه علاقات مع تنظيم إرهابي، وأيًا كان مَنْ يعتمد على تنظيم إرهابي، فيجب عليه أن يدفع الثمن”، بحسب تعبير رجب طيب إردوغان.

تقارب مؤقَّت مع الأسد

ولكن مع ذلك لقد كان يبدو لفترة طويلة من الزمن وكأنما من الممكن للحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني أن يتقاربا في الواقع بعضهما من بعض. ففي الفترة التي كان فيها إردوغان رئيسًا لوزراء تركيا، تم تنفيذ بعض الإصلاحات لصالح الأكراد. وعلاوة على ذلك فقد تم بدء المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، كما أنَّ أنقرة باتت تقترب مرة أخرى وبعد عقود طويلة من العصر الجليدي من دمشق.

وفي تلك الفترة كان إردوغان والأسد يفهمان بعضهما بعضًا بشكل جيد جدًا، بحيث أنَّ الرئيس التركي قد وصف نظيره السوري بأنَّه “أخ”. وحتى أنَّ أسرتي الزعيمين قضتا في عام 2008 أيَّام العطلة سوية في منتجع بودروم في تركيا. وكذلك تم رفع شرط الحصول على تأشيرة سفر بين البلدين، وكذلك كان وزراء كلا البلدين يجتمعون سوية.

مخاوف من قيام دولة كردية

عندما خرج العديد من السوريين في شهر آذار/مارس 2011 إلى الشوارع من أجل الاحتجاج سلميًا ضدَّ دكتاتورية حزب البعث، حاول إردوغان في البداية إقناع الأسد بإجراء إصلاحات. وقد قطع هذا الأخير في الواقع وعودًا، مدحها إردوغان بشكل علني ​​- ليشاهد بعد ذلك أنَّ الأسد لا يلتزم بوعوده. ومنذ ذلك الحين أصبحت أنقرة من أشد أعداء الأسد، وصارت  دمشق تتَّهم صديقها السابق بدعم الإرهابيين.

في وسط فوضى الحرب السورية تكوَّنت في شمال سوريا منطقة حكم ذاتي كردية، يطلق عليها الأكراد اسم “روج آفا” (أي الغرب). وهذه المنطقة تمتد لنحو ستمائة كيلومتر في المنطقة الحدودية السورية والعراقية والتركية على طول الحدودية السورية التركية. وإردوغان، الذي من الواضح أنَّه يخاف من تطلعات الأكراد الرامية إلى الاستقلال أكثر من خوفه من جهاديي تنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد أوضح أنَّه لن يتسامح أبدًا مع قيام دولة كردية.

غارات جوية تركية على مواقع حزب العمال الكردستاني – منذ عدة أيَّام يقصف الجيش التركي مواقعَ لحزب العمال الكردستاني، الذي يتم تصنيفه من قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية والاتِّحاد الاوروبي على أنَّه تنظيم إرهابي. وتخشى القيادة التركية من قيام دولة كردية على طول حدودها مع سوريا.

مساهمة أنقرة في تقوية داعش

عندما اجتاح تنظيم “الدولة الإسلامية” في الخريف الماضي 2014 مدينة عين العرب/كوباني الكردية الوقعة على الحدود التركية السورية، كانت أنقرة تشاهد هجمات المتطرِّفين من دون أن تحرِّك أي ساكن. وقد تم اتِّهام حكومة حزب العدالة والتنمية بأنَّها تساهم من خلال “سياسة فتحها الحدود” في تقوية تنظيم “الدولة الإسلامية” وإضعاف الأكراد. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم اتِّهام إردوغان بتجاهل الخطر الكائن من خلال تنظيم الدولة الإسلامية على أمل أن يتم وبسرعة إسقاط نظام الأسد.

أمَّا مَنْ كان يدَّعي ذلك بشكل علني، فقد كان يشعر بغضب إردوغان. وعندما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في شهر أيلول/سبتمبر 2014 إلى أنَّ حزب العدالة والتنمية يدعم تنظيم “الدولة الإسلامية”، شتمها الرئيس التركي وقال إنَّ هذه الادعاءات عارية عن الصحة.

وبعدما نشرت في أواخر شهر أيَّار/مايو الصحيفة اليومية التركية “جمهوريَّت” المناهضة للحكومة التركية تسجيلات من المفترض أنَّها تثبت إرسال شحنات سلاح من قبل الاستخبارات التركية في بداية عام 2014 إلى جهاديي تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، بدأت النيابة العامة تحقيقات ضدَّ رئيس تحرير هذه الصحيفة جان دوندار. ومن المفترض كذلك أنَّ إردوغان شخصيًا قام بتقديم الشكوى بتهمة الدعاية الإرهابية والتجسس، مثلما ذكر دوندار على موقع تويتر.

دعم من حلف الناتو

ولكن التكتيكات التي يتَّبعها إردوغان في التراجع وغض النظر وكذلك الانعزال لم تعد تعمل منذ الهجوم الذي وقع في مدينة سوروج (سوروتش) التركية وراح ضحيَّته اثنان وثلاثون قتيلاً. فبالإضافة إلى تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يُفترض أنَّه هو المسؤول عن هذا الهجوم، وبالإضافة إلى الخوف من الأكراد، فقد خيَّبت آمال الرئيس التركي نتائج الانتخابات البرلمانية. وخلال ثلاثة أيام فقط يفترض أنَّ سلاح الجو التركي قد ألقى ما لا يقل عن ثلاثمائة قنبلة في شمال العراق.

وبما أنَّ حلف الناتو قد أكَّد دعمه لتركيا يوم الثلاثاء الماضي 28 / 07 / 2015 وأنَّ الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ قد تحدَّث حول “تضامن شديد” مع تركيا وتخلى عن أي انتقاد لإنهاء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، فإنَّ ذلك قد عزَّز موقف إردوغان أكثر. وبدورها ستواصل تركيا “بعزم وإصرار” عملياتها العسكرية ضدَّ حزب العمال الكردستاني وتنظيم “الدولة الإسلامية”، مثلما صرَّح الرئيس رجب طيب إردوغان. وقال إنَّ التراجع “خطوة إلى الخلف” يعتبر أمرًا غير ممكن.

تشيديم أكيول

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de

 

 

 

السوريون والدور التركي: غياب العقل والسياسة/ نادر جبلي

حتى الأمس القريب، قبل العام 2002، كانت تركيا تصنف في خانة الأعداء من غالبية السوريين، بحكم تاريخها الاستعماري الطويل والقاسي والثقيل، ثم بحكم تعاملها الفوقي والجلف مع الشرق العربي، ومع سورية خصوصاً، وتركيزها عقوداً على خطب ود الأوروبيين مع إهمال المنطقة العربية، وبحكم عضويتها في حلف شمال الأطلسي، ثم، وهذا الأهم، بحكم علاقاتها المتميزة مع عدونا التاريخي إسرائيل.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002، بدأت عواطف سوريين كثيرين تجاه تركيا بالتغير، مبدئيا بحكم العامل الديني، فالعدالة والتنمية الذي تسلّم السلطة في ذلك العام حزب محافظ من أصول إسلامية، تم تشكيله من بعض كوادر حزب الفضيلة الإسلامي الذي حُلّ في العام 2001 بقرار من المحكمة الدستورية. ساعد على هذا الميل الجديد نحو تركيا صعود الإسلام السياسي في سورية والعالم العربي، والذي يرى في تركيا السنية صديقاً وحليفاً، وربما قائداً للأمة الإسلامية المنشودة. ثم تزايد التعاطف تدريجيا مع انفتاح الحكومة الجديدة نحو الشرق ومد يد الصداقة للعرب، والاشتغال الدبلوماسي المكثف والمدروس على تحسين العلاقات معهم، وخصوصاً مع سورية، مع خطاب تصالحي معتدل ومتعاطف، مع نظرية صفر المشاكل مع الآخرين… إلى أن جاءت الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة في نهاية العام 2008 لتعطي للعلاقة مع تركيا دفعة هائلة، فموقف تركيا من تلك الحرب وما تلاها فتح بوابة القلوب على مصراعيها، لأن موقف الآخرين من القضية الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، بالنسبة للعرب عموما، والسوريين خصوصاً، هو المعيار الرئيس الذي يعتمدونه في تصنيف الأصدقاء والأعداء، فكان الموقف التركي الذي انحاز بشدة إلى جانب الفلسطينيين، ودان بشدة حكومة إسرائيل واتهمها علنا بالعدوان وقتل الأطفال، كالرصاصة التي اخترقت قلوب الشعوب العربية من دون استئذان، ومن دون حاجة إلى التساؤل عن خلفية هذه الموقف وأسبابه وأبعاده، والتي قد يكون من بينها غضب الحكومة التركية مما اعتبرته غدراً إسرائيلياً وطعنة لئيمة لجهودها في مفاوضات السلام التي كانت تديرها بين سورية وإسرائيل، عشية العدوان على غزة، وقد يكون من بينها رغبة الحكومة التركية في إرضاء الشعب التركي المسلم المحافظ، المتعاطف عموماً مع الفلسطينيين، وقد يكون من بينها، وأنا أعتقد ذلك بشدة، استغلال فرصة ذهبية، بذكاء يُحسب لأردوغان، لكسر الحواجز مع العرب وامتلاك قلوبهم عبر نقطة ضعفهم التي يفهمها أردوغان جيداً، وهي الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية.

يعرف الجميع، وليس الأتراك فقط، هذه الخاصرة الرخوة لدى العرب، ويحاول الجميع استغلالها والنفاذ منها لتحقيق أهدافهم، فأنظمة الممانعة والمقاومة استغلتها أحسن استغلال، وعبر بوابة المقاومة والممانعة والتصدي لإسرائيل ومشاريع الهيمنة، حكمت شعوبها بالحديد والنار نحو نصف قرن. وكان نظام الأسد أكثرها نجاحا في ذلك، ولطالما استطاع تخدير كثيرين بهذا الموقف المقاوم المعلن، مع أنه كان واضحا لكل ذي عقل وبصيرة أنه نظام طغمة بوليسية مافيوية، تمعن في البلد والمجتمع، نهبا وتخريبا وتسطيحا وإفقاراً.

لعب قادة إيران أيضا على الوتر نفسه، واستغلوا نقطة الضعف هذه، واستطاعوا النفاذ منها إلى قلب المجتمعات العربية، والعبث بمكوناتها الطائفية، وتخريبها من الداخل، ما استطاعوا إليه سبيلا. فغالبية العرب، بمن فيهم السنة، كانوا مع الثورة الإسلامية الإيرانية في بداياتها، بغض النظر عن طابعها المذهبي الديني، وبغض النظر عن انقلاب الخميني على شركائه في الثورة وتصفيتهم، وبغض النظر عن أمور كثيرة، كالحرب مع العراق، والاحتفاظ بالجزر الإماراتية الثلاث… والتي كانت تشير، بوضوح، إلى تكريس نظام ديني إقصائي، له أجندات مريبة. وكان ذلك يهون أمام موقف العداء المعلن لإسرائيل ومساندة القضية الفلسطينية.

نعود إلى الدور التركي، فإضافة إلى الموقف من القضية الفلسطينية، جاء الموقف المؤيد بوضوح وقوة للثورة السورية عاملاً إضافياً مهماً لكسب قلوب السوريين، وإن لم يتعد هذا الموقف حدود التصريحات، وإن كانت هذه سببا رئيسا في توريط قادة المعارضة، ورفع سقوف مطالبهم بلا أساسات ولا أعمدة.

“إضافة إلى الموقف من القضية الفلسطينية، جاء الموقف المؤيد بوضوح وقوة للثورة السورية عاملاً إضافياً مهماً لكسب قلوب السوريين، وإن لم يتعد هذا الموقف حدود التصريحات”

تضاف إلى ما ذكر أعلاه عوامل أخرى ساهمت في ترسيخ هذه الاندفاعة العاطفية السورية تجاه الأتراك، منها استقبال تركيا مليوني لاجئ سوري على أراضيها، وفتح أبواب التعليم والعمل والإقامة أمامهم، ومنها الخوف من صعود المشروع الإيراني في المنطقة، وفهمه من الغالبية مشروعاً مذهبياً بالدرجة الأولى، وقناعتهم أنه ليس ثمة من يستطيع الوقوف في وجهه غير تركيا السنية القوية.

لكن هل العواطف متبادلة؟ وهل ينتصر الأتراك لقضايانا من المنطلقات العاطفية أو الدينية نفسها؟ بالتأكيد لا، فتركيا دولة إقليمية كبيرة وقوية وطموحة، تحتل موقعا جغرافيا استراتيجيا بالغ الأهمية، وهي من أهم أعضاء حلف شمال الأطلسي عسكرياً، ولها مكانة مميزة في العالم الإسلامي، وتتمتع بمقومات الدولة الوطنية الحديثة، ولديها مؤسساتها الوطنية المنتخبة، ونظامها العلماني المستقر، واقتصادها القوي، ولديها مجتمع مدني فاعل، وحياة سياسية نشطة ومتطورة، واستقرت فيها قواعد اللعبة الديمقراطية. تحكمها حكومة وطنية براغماتية واثقة وقوية، بحكم قاعدتها الشعبية الواسعة، وتؤمن هذه الحكومة بقواعد اللعبة الديمقراطية، ومبادئ العلمانية، وتعمل بهديها على الرغم من جذورها الإسلامية التي لا تعدو أن تكون مرجعية أخلاقية لها، وهي تفهم تماما لغة السياسة والمصالح، وتعرف موقع بلادها ومكانتها في المنطقة والعالم، وتدرك نقاط قوتها، كما تدرك نقاط ضعفنا، وتحرص على مصالح بلادها الوطنية، وعلى تقدمها، وعلى أمنها القومي.

ولا يمكن لحزب العدالة والتنمية، ولا لغيره، أن يحكم بأجندات إسلامية، كما يحلو لبعضهم أن يعتقد، ولا أن يتجاهل لحظة قواعد العلمانية التي يتوافق عليها جميع الأتراك، وما يبدو لبعضهم تراجعاً عن علمانية الدولة لصالح برامج إسلامية، إن هو إلا تخفيف من غلواء العلمانية التركية القاسية، وتحويلها إلى علمانية معتدلة متصالحة مع ثقافة مجتمعها المسلم وطبيعته لا أكثر، وأرى ذلك أمراً بالغ الأهمية لاستقرار تركيا، حيث يكون نظام الحكم أقرب إلى الناس، وأكثر انسجاما مع طبيعة المجتمع.

من هذه الخلفية المصلحية الوطنية، تنظر الحكومة التركية إلى قضايانا، وتبني مواقفها حيالها، وتعرف كيف تستغل حاجتنا وعاطفتنا ونقاط ضعفنا لخدمة مصالحها الحيوية، فلا بأس من الحديث عن العثمانية الجديدة، طالما أنها تشكل مدخلا جيدا للاختراق والنفوذ، ولا بأس من اتخاذ المواقف الجريئة من إسرائيل طالما أن ذلك يدغدغ مشاعرنا، على الرغم من أن علاقاتها بإسرائيل لم تنقطع يوما، مع الأزمات الدبلوماسية التي تعترضها، بل هي في تطور، ولا بأس من دعم الثورة السورية ضد نظام الأسد، طالما أن ذلك يدفعنا إلى محبتها والتسليم بقيادتها، ولم لا، طالما أنه لا مستقبل للأسد، وطالما أن الدعم لا يتجاوز عتبة الخطابات.

هكذا نحن السوريين، تطغى عواطفنا على عقولنا، وتجعلنا لا نبصر، أو نبصر ونتجاهل، عوامل أساسية حاسمة في قضايانا المصيرية وتحالفاتنا وصداقاتنا، إلى أن تأتي صدمة ما تعيدنا إلى صوابنا، ولكن، غالبا بعد فوات الأوان.

عمل نظام الطغمة على إفقارنا سياسيا وفكريا وثقافيا وحضاريا، وخرّب كل مقومات قوتنا، وشل مناعتنا وقدرتنا على المقاومة، وجلب لنا كل الأعداء والطامعين والطامحين، فأصبحنا كالغريق الذي يتعلق بقشة، نتهافت على كل قوي نتوسم فيه حمايتنا والحفاظ على شيء من حقوقنا وكرامتنا، ونسقط عليه كل أحلامنا وأمانينا، بعيدا عن العقل، وعن منطق السياسة وأدواتها.

لن تكون الحكومة التركية إلا مع مصالح شعبها، ولن يكون همها إلا الانتخابات المقبلة وصناديق الاقتراع، وهي ليست معنية بهواجسنا وأحلامنا وعواطفنا إلا بمقدار ما يساعدها ذلك على تحقيق مصالحها، وعدم إدراكنا هذه النقطة الحاسمة قد يدفعنا إلى التفريط بمصالحنا من دون مقابل، وقد يجر علينا إحباطات وخيبات جديدة، لا طاقة لنا على احتمالها.

ليس أمامنا سوى رَكن العواطف والرغبات جانبا، وإعادة الاعتبار إلى العقل والسياسة، وفهم منطق المصالح الذي يحكم تفكير الدول وسلوكها، وإلا فستكون الخيبات حصادنا الوحيد.

العربي الجديد

 

 

 

 

أيام حاسمة في تركيا/ سيركان دميرطاش

لم ينتظر الأتراك الكثير من اجتماع رئيس الوزراء داود أوغلو مع زعيم المعارضة كيليجدار أوغلو، ولم يتوقعوا أن يفضي إلى اتفاق على تشكيل ائتلاف حكومي. لكن استمرار الاجتماع لخمس ساعات والاتفاق على لقاء حاسم آخر بين الزعيمين بعد يومين، بعثا الآمال في أوساط كثر. وقد يشير صمت الرئيس أردوغان المفاجئ طوال الأسبوع الماضي وتركه إعلان رفض حكومة ائتلافية، إلى أنه قد علّق – ولو موقتاً– خطته لدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة والقبول، على مضض، بمشاركة الحكم مع المعارضة.

وتمر تركيا بمرحلة بارزة وخطرة في الأيام الثلاثة المقبلة إلى يوم الجمعة القادم، وهو الموعد المتوقع للإعلان النهائي عن مصير مساعي وجهود تشكيل الحكومة. ويتوقع أن يستغل داود أوغلو وكيليجدار أوغلو هذه المدة للمناقشة مع الكوادر الحزبية وسؤالهم رأيهم في الموضوع. ويدرك كلا الحزبين أنهما مسؤولان أمام الشعب عن تشكيل حكومة وأن الطرف الذي يرفض ذلك سيعاقبه الناخبون في الانتخابات القادمة. لذا، أعلن كل منهما أنه مدرك أهمية تأليف حكومة وعدم ترك البلاد من دون حكومة أشهراً طويلة في هذه الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة. وقيل أن أول لقاء بين داود أوغلو وكيليجدار أوغلو في 13 تموز (يوليو) الماضي، كان لقاء مجاملة وأن لا نية لدى الطرفين، الحكومة على وجه التحديد، لتشكيل ائتلاف حاكم. لكن ذلك اللقاء كان قبل انفجار الوضع الأمني ودخول تركيا في حرب مع ثلاث منظمات إرهابية دفعة واحدة على أرضها وفي سورية، وقبل عودة حزب «العمال الكردستاني» إلى القتال العلني وقتل رجال الأمن يومياً.

خلاصة القول إن تركيا اليوم هي غير تركيا الأمس القريب (13 تموز- يوليو الماضي). وأصدرت أحزاب المعارضة الأخرى، وبينها حزب الحركة القومية وحزب «الشعوب الديموقراطية»- وهما على طرفي نقيض (الأول قومي تركي والثاني كردي)- بيانات وتصريحات تطالب داود أوغلو وكيليجدار أوغلو بالتفاهم والاتفاق وتشكيل حكومة وتقديم تنازلات في سبيل ذلك. وهذه الدعوة قد تبعث على الاستغراب: دعم أحزاب المعارضة تشكيل حزب معارض آخر الحكومة من دونها. ولكن أوضاع البلاد اليوم حملت الجميع على هذا الخيار. وطبعاً الأهم من موقف أحزاب المعارضة هو موقف الرئيس أردوغان. فهو التزم الصمت منذ نحو 10 أيام، ولم يعلّق على ما يحدث من عنف وإرهاب ولا على مساعي تشكيل حكومة ائتلافية. وبدا كأنه ترك زمام الأمور لداود أوغلو.

فما وراء صمته؟ يقول بعضهم أن أردوغان لا يريد الظهور وكأنه هو من حال دون تشكيل الحكومة. لكنّ بعضاً آخر، وعددهم أكبر، يقول ان استطلاعات الرأي، إلى اليوم، لم تسعف أردوغان ولم تتغير كثيراً. وهي تشير إلى أن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم لن يحرز في انتخابات مبكرة نتيجة أفضل من تلك التي نالها في انتخابات حزيران (يونيو) الماضي. وعليه، ليس سيناريو العودة إلى الانتخابات مضمون النتائج، فهو قد يفاقم مشكلة الحزب الحاكم. ولا يخفى ان اللقاء التشاوري بين داود أوغلو والرئيس أردوغان حاسم. إذ لا بد أن يستشير رئيس الوزراء أردوغان حول ما اتفق عليه مع زعيم المعارضة وشروط تشكيل الحكومة. والرئيس أمام خيار صعب. فهو سيضطر إلى تسويغ رفضه المشاركة في الحكم مع المعارضة. ويدعم الشارع المعارضة في خلافها مع الحكومة على ثلاث مسائل: تغيير السياسة الخارجية، وفتح ملف صلاحيات الرئيس، وفتح ملفات الفساد. ويرفض داود أوغلو تعديل نهج السياسة الخارجية. ولكن 70 في المئة من الأتراك يطالبون بهذه المسائل الثلاث. ويوجه رفض تشكيل حكومة ائتلافية مع المعارضة إلى حزب «العدالة والتنمية» ضربة كبيرة في الانتخابات القادمة. ولا شك في ان الأيام الثلاثة القادمة في تركيا صعبة وحاسمة.

* كاتب، عن «راديكال» التركية، 11/8/2015، إعداد يوسف الشريف

 

 

 

 

 

تركيا إلى انتخابات برلمانية مبكرة.. ما الذي سيتغير؟/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ«القدس العربي»: تتجه تركيا إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد إعلان فشل المباحثات بين حزب العدالة والتنمية الحاصل على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات وحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، في ظل تصاعد المواجهات الدامية بين الأمن التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني، وسط تكهنات حول مدى قدرة التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة في البلاد على تغيير نتائج الانتخابات المقبلة.

رئيس الوزراء التركي المكلف أحمد داود أوغلو قال إنه لم يلمس إرادة صادقة لدى الأحزاب السياسية للمشاركة في تشكيل حكومة جديدة، مطالبا حزبه بالاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية من جديد، وذلك في خطاب لمؤيدي الحزب بمناسبة مرور 14 عاماً على تأسيسه.

وعقب لقاء مطول عقد الخميس بين داود أوغلو وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، الخميس، أعلن الطرفان فشلهما في التوصل لاتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية، ليكون ذلك بمثابة إعلان ضمني بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، حيث جدد حزب الحركة القومية رفضه المشاركة بحكومة ائتلافية مع العدالة والتنمية، وهو نفس الموقف الذي يتبناه حزب الشعوب الديمقراطي ـ غالبية أعضائه من الأكراد ـ .

وعلى الرغم من أن داود أوغلو سيلتقي غدا الاثنين دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، إلا أنه لا يتوقع أن يتوصل الطرفان لاتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية، فانهيار عملية السلام مع الأكراد بالبلاد لبت أحد شروط الحزب، لكن الشرط الآخر المتعلق بتحديد صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان ما زال غير مطروح للنقاش لدى حزب العدالة والتنمية.

وقد حصل حزب العدالة والتنمية ـ في الانتخابات التي جرت في السابع من حزيران/يونيوالماضي ـ على 258 مقعدا في البرلمان، في حين حصل حزب الشعب الجمهوري على 132 مقعدا، وحزب الحركة القومية على ثمانين مقعدا، وحزب الشعوب الديمقراطي (أغلب أعضائه من الأكراد) على ثمانين مقعدا أيضا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550.

وكان بهجلي أعلن في 17 حزيران/يونيو الماضي شروط حزبه للتفاوض بشأن تشكيل حكومة ائتلافية، منها إلغاء مسيرة السلام الداخلي مع حزب العمال الكردستاني، و»عودة الرئيس التركي إلى حدود صلاحياته الدستورية»، ومحاسبة من وردت أسماؤهم ضمن مزاعم الفساد في ديسمبر/كانون الأول 2013.

وفي رده على هذه التصريحات قال أردوغان إنه «لن يرد على بهجلي، لأنه تخطى حدود الأدب أكثر من مرة بخصوصه وخصوص عائلته»، في حين اعتبر داود أوغلو أن «البعض يطلق تصريحات طفولية أحياناً، ويريد أن يفرض على العدالة والتنمية ما يريد»، في تصريحات اعتبرها محللون تنذر بأن اللقاء بين الحزبين لن يسفر عن أي نتائج.

تأتي هذه التطورات في ظل التصاعد غير المسبوق في الهجمات الدامية ضد أفراد الجيش والأمن التركي من قبل حزب العمال الكردستاني «بي كا كا»، حيث قتل فجر السبت 3 جنود أتراك، وأصيب 6 آخرين، خلال مواجهات مع عناصر المنظمة، في ولاية هكاري، شرقي البلاد.

وبحسب مصادر رسمية تركيا، وصلت حصيلة الهجمات التي نفذتها «المنظمات الإرهابية»، خاصة في مناطق شرق وجنوب شرق الأناضول، إلى 35 قتيلًا من رجال الأمن الأتراك، و12 من المدنيين، خلال الـ 39 يومًا السابقين. كما أسفرت عن إصابة 144 شخصا. وتم قتل «43 إرهابيا».

ويتوقع مراقبون أن تؤثر هذه الأحداث ـ جزئياً ـ على نتائج الانتخابات المقبلة، لا سيما نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي، الذي ساهم فوزه الأخير وحصوله على 13٪ من أصوات الناخبين في عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده.

وبحسب مختصون تحدثت إليهم «القدس العربي»، فلن يكون حزب العدالة والتنمية الذي حصل على 41٪ من أصوات الناخبين بحاجة إلى رفع النسبة إلى الـ50٪، ليتمكن من تشكيل حكومة بمفرده، فالحزب بحاجة إلى 18 مقعداً إضافياً في البرلمان وهو ما يمكن الحصول عليهم إذا كسب الحزب قرابة 800 ألف صوت جديد من قبل الناخبين البالغ عددهم قرابة 52 مليون، وهي نسبة ـ معقولة وممكنة ـ بحسبهم.

وبحسب استطلاعات الرأي فإنه لا يتوقع أن يحصل تغير كبير في نتائج الانتخابات إذا جرت خلال الأسابيع المقبلة، فالتغير الأكبر يمكن أن يحصل في حال لم يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من تجاوز الحاجز الانتخابي ـ الحد الأدنى من الأصوات المسموح به لدخول البرلمان والبالغ 10٪ من أصوات الناخبين ـ وبالتالي حصول العدالة والتنمية على أكثر من 50٪ من الأصوات، لكنه أمر غير متوقع بحسب استطلاعات الرأي والمراقبون.

ويتوقع أن يخسر الشعوب الديمقراطي شريحة الموطنين الأتراك الذين صوتوا له رغبة منهم في دمج الأكراد في الحياة السياسية بشكل أكبر، مقابل كسب العدالة والتنمية شريحة من القومين الأتراك الذين لم يصوتوا له بسبب عملية السلام مع الأكراد التي باتت بحسب وصف الرئيس التركي «مجمدة في الثلاجة».

وإلى موعد إجراء الانتخابات ـ الذي لم يحدد بعد ـ تبقى للتطورات السياسية والأمنية داخلياً مع الأكراد، وخارجياً فيما يتعلق بمشاركة أنقرة بالحرب على تنظيم الدولة في سوريا والخشية من شن التنظيم هجمات واسعة داخل الأراضي التركية، دور كبير في توجهات الناخبين وقرارهم النهائي بالجهة التي سيصوتون لها.

 

 

 

 

 

 

عن تركيا وفوضى القوميات/ حسن شامي

بات العثور على خيط ناظم لتنـــاسل الوقـــائع القتــــاليــة والسيــاسية مهمة شاقة جداً على أي مراقب. الفــوضى العارمة والمصحوبة بأشكال تذرر لا حدّ لها، تضعنا أمام ترسيمة متاهة لا قعر لها ولا قرار. وحدهم أصحاب المواقف الجاهزة والأهواء المؤدلجة يجدون سياقاً ليس للجموحات العبثية الجارية فحسب، بل كذلك للجموحات القادمة. وقد تكون سورية اليوم، أكثر من غيرها، حقل تجارب لكل الأهواء التي يمكن تخيلها.

زحمة المبادرات واللقاءات والزيارات الواعدة باجتراح مخرج سياسي للأزمة السورية المستفحلة ومجازرها المتصلة صارت أشبه بعمليات رقص عبثي حول الذات، كي لا نقول جعجعة بلا طحين. إذا كان هذا التوصيف ينطبق على زيارة وزير الخارجية الإيراني لدمشق وعلى ما أشيع عن مبادرات روسية وإيرانية، فإنه ينطبق أيضاً على مناورات تركيا الأردوغانية. فسعيها الحثيث لانتزاع موقع حاسم في أي صيغة حل قد لا يفضي إلا إلى المزيد من الفوضى. وليس التفجيران الانتحاريان اللذان نفذهما «داعش» ضد فصيل «أحرار الشام» والإجهاز على عدد من قادته خلال اجتماع عسكري إلا أول الغيث. وقد فعل «داعش» هذا رداً على ترحيب الفصيل المذكور، ومعه جبهة النصرة، بالتوافق التركي – الأميركي على إقامة منطقة أمنية عازلة بطول 90 كلم وعمق 45 كلم.

مع أن التوافق الذي يطنطن به موظفو الخارجية التركية محاط بالغموض، فإنه يرفع كستارة على مقايضات ومناورات صعبة. هناك بالطبع مؤشرات على تصدع العلاقة بين «داعش» والسلطة التركية. وتسعى أنقرة إلى مقايضة ابتعادها عن «داعش» بتحجيم القوى الكردية الأكثر استقلالية وهي قريبة من حزب العمال الكردستاني. ما تريده حكومة أردوغان هو دفع الإدارة الأميركية، المتعاونة مع الأكراد في الحرب على «داعش»، إلى الموازنة بين تحالفها مع القوى الكردية البارزة وبين حليفها التاريخي والكامل العضوية في حلف الأطلسي. نحن أمام لعبة معقدة تحرج الجميع لأن رهانات الاحتواء التي يعقدها كل طرف، خصوصاً الطرفين الأميركي والتركي، قد تؤدي بمقتضى أفعال المواجهة ومنطقها إلى نتائج غير محسوبة.

يتجه الوضع في تركيا نحو تعقيدات وتشابكات لا تقتصر على البعد السياسي، إذ تطاول أيضاً الخطاب الأيديولوجي للفكرة القومية أو الوطنية. وتذكر هذه التعقيدات إلى حد ما بتلك التي عرفتها تركيا عشية الحرب العالمية الأولى مع صعود «جمعية الاتحاد والترقي» ذات الأيديولوجية الملتبسة والمترجحة بين مفهوم السلطنة العثمانية ومفهوم الأمة الحديثة. لقد قيل إن الجنود المقاتلين ذهبوا إلى الحرب حاملين ولاءهم للوطن العثماني وسلطنته لكنهم رجعوا بصفتهم أتراكاً قوميين متشبثين بالأمة الحديثة لا بالسلطنة. هذا التوصيف لا يخلو من صواب وإن كان تدبيجه جاء على صورة المثال القومي التركي الحديث والعلماني الذي جسده مصطفى كمال أتاتورك.

يبدو اليوم أن الأدوار والمواقع اختلفت، خصوصاً مع وصول حزب العدالة الإسلامي إلى قمة الجمهورية العلمانية، ومحاولته احتواء القضية الكردية. لكن تشابكات الخريطة الايديولوجية لتركيا الحديثة والتي شهدت ما يشبه الحرب الأهلية بين القوميين العلمانيين الأتاتوركيين وبين القوميين الدينيين الموالين للسلطان الذي وافق مكرهاً على معاهدة سيفر في أعقاب الحرب ودخول القوات البريطانية إلى قلب عاصمة السلطنة. بعض الفرق القتالية المؤيدة للسلطان حملت أسماء تشبه أسماء فصائل إسلامية تتكاثر اليوم في سورية وليبيا والعراق مثل «جند الخلافة».

وفي خلفية هذه التسميات تكمن قراءات وتمثيلات متعارضة ومتداخلة في آن لماهية الفكرة القومية والمبدأ الذي تنهض عليه والروابط التي ينبغي ترجيح كفتها بمقتضى هذا المبدأ. يرجح في الظن أن تركيا مقبلة على عملية خلط أوراق ستطاول حزب أردوغان بالذات.

في خاتمة كتابه المرجعي عن الفكر العربي في عصر النهضة، يرى المؤرخ الراحل والمرموق ألبرت حوراني أنه كان في منطقة الشرق الأوسط حتى 1939 وبداية الحرب العالمية الثانية ثلاثة أنواع من القوميات. «وهي أنواع متداخلة، وإن انبثق كل منها عن مبدأ يختلف عن الآخر». النوع الأول، وفق التسلسل الزمني، هو القومية الدينية القائلة بأن على جميع أتباع الدين الواحد أن يكونوا جماعة سياسية موحدة. النوع الثاني هو القومية الإقليمية وكان مألوفاً بالأخص في البلدان القديمة والمستقرة من أوروبا الغربية. ويحتمل هذا النوع من القومية معنى «الوطنية» في قسم بارز من الأدبيات الحديثة والمستجدة وسط الاضطراب المتزايد في المنطقة. ذلك أنه، وفق الترجمة العربية لكتاب حوراني، «كناية عن الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة من القاطنين رقعة محددة من الأرض والمتأصلي الجذور في حب هذه الرقعة». وكمثال على هذا الشعور الراسخ بالانتماء إلى جماعة مستقرة منذ زمن طويل في إقليم ذي حدود واضحة وتقليد متصل من الكيان الإداري أو السياسي القائم بذاته، يذكر حوراني مصر وجبل لبنان وتونس. وكان هذا النوع من القومية يستثير ذكريات البلد وسكانه في العصور القديمة، كالفراعنة والفينيقيين والحثيين. «وذلك لأن إعلان الانتماء إلى ماض قديم كان أحد السبل للتهرب من ماض أحدث، ولأن هذا الماضي الأحدث كان يمثل، في معظم أجزاء المنطقة، الاندماج في وحدات أوسع من القوميات، كالخلافة أو السلطنة العثمانية».

أما النوع الثالث والأقوى، وفق حوراني دائماً، فهو «القومية العنصرية أو اللغوية القائمة على الاعتقاد أن جميع الناطقين بلغة واحدة إنما ينتمون إلى أمة واحدة، وأن عليهم بالتالي أن يشكلوا وحدة سياسية مستقلة. وقد غدا هذا النوع، لحسن الحظ أو لسوئه، الفكرة السائدة في الشرق الأوسط، بحيث حلّ محل النوعين الآخرين، أو امتصّهما». ولم يغب عن بال المؤرخ المخضرم أن الأفكار السياسية لا تتصف غالباً بالنقاوة بل تكون ممتزجة بغيرها، بل حتى بنقائضها. ولم يفته أن يشير إلى أن «مضمون القومية لم يشتمل، في تلك الحقبة، إلا على القليل من الأفكار الدقيقة حول الإصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، مما يمكن تفسيره إما باللامبالاة، أو بأن معظم زعماء الحركة القومية والناطقين باسمها كانوا ينتمون إلى عائلات ذات مكانة وثروة أو ارتفعوا إلى هذه الطبقة بمجهودهم الشخصي. لكن يمكن تفسيره أيضاً بمناخ الزمن الليبرالي».

منظار المؤرخ حوراني يصلح لقراءة ظواهر صاخبة اليوم.

 

 

 

 

 

“حزب العمال الكردستاني” والحرب على سلاحه/ هوشنك أوسي

يوم أمس، 15 آب (أغسطس) الجاري، يكون مرّ على انطلاقة «حزب العمال الكردستاني» المسلّحة 31 سنة. خلال هذه العقود الثلاثة، حوّل «الكردستاني» سلاحه إلى أيقونة قوميّة ووطنيّة بوصفه سبب «انبعاث» الشعب الكردي في تركيا، وصار يحتفل بهذه المناسبة، حتّى في فترات الهدنات العديدة التي أعلنها من جانب واحد. على المقلب الآخر، تشكل العسكرة والسلاح جزءاً أساسيّاً من التكوين النفسي والاجتماعي للمواطن التركي، باعتبار العسكر هم سبب تشكيل الدولة السلجوقيّة وثم العثمانيّة، وبعد ذاك تحرير تركيا من الاحتلال الأجنبي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهوريّة سنة 1923.

مناسبة هذا الكلام أن سلاح «الكردستاني» صار العقدة الكأداء التي تعترض إبرام تسوية سلميّة نهائيّة بينه وبين أنقرة. فالأخيرة تشترط إلقاء السلاح، قبل إبرام أي اتفاق نهائي، بينما «الكردستاني» يريد ضمانات قانونيّة وتعديلات دستوريّة جديّة قبل إلقاء السلاح، بحيث لا يكون إبرام أي اتفاق سلام نهائي بمثابة استسلام مفروض على «الكردستاني». وتبدو مبررات الأخير أقرب إلى الإقناع، خاصة إذا ما تابعنا السيرة المريرة والدامية لتعاطي تركيا وحكوماتها المتعاقبة مع الكرد والقضيّة الكرديّة، منذ نشأة الجمهوريّة لغاية اللحظة. إلى ذلك، هناك حجم التنازلات التي أبداها أوجلان، زعيم «الكردستاني»، للحكومات التركيّة، قبل اعتقاله وبعده، بحيث وصل التنازل إلى مسألة إلقاء السلاح، وتوقّف عند ذلك.

الحقّ أن «الكردستاني» تمّ استخدامه كسلاح ضدّ تركيا من قبل النظام السوري، إبان عهد حافظ الأسد، بين 1984 حتى 1998. وحين أوشك هذا «السلاح» على إقحام سورية في حرب ضروس مع تركيا، سارع الأسد الأب إلى إلقائه، عبر إبرام اتفاقيّة أضنه الأمنيّة في خريف 1998، والطلب من أوجلان مغادرة سورية، ثم إرسال المخابرات العسكريّة السوريّة صورة عن جوازه المزوّر (قبرصي) إلى السلطات التركيّة كي تلاحقه!

كذلك استخدم كل من إيران واليونان وقبرص اليونانيّة وأرمينيا «الكردستاني» سلاحاً ضد تركيا. وبعد ان اكتشف أوجلان زيف كل الكلام المعسول الذي كان يسمعه من اليونانيين والأرمن والروس والإيرانيين والسوريين…، أراد لتوّه إقناع الحكومة التركية، وهو على متن الطائرة التي اختطفته، أنه «يريد خدمة تركيا». وأثناء المحاكمة، اعتذر من أمهات الجنود الاتراك القتلى، وألف كتباً داخل السجن ذكر فيها أنه يريد وضع «كل الإمكانات العسكريّة والسياسيّة والتنظيميّة لحزبه في خدمة تركيا، في حال إبرام تسوية نهائيّة. لكن كل الحكومات المتعاقبة لم تكترث بتنازلات أوجلان ومناشداته ونداءاته.

ويبدو أن «الكردستاني» وسلاحه، صارا «سلاحاً» خفيّاً بيد «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، بغية التلويح به للناخب التركي، وفق منطق بشار الأسد: «أنا أو الإرهاب»!. ذلك أنه لو كانت هنالك نيّة صادقة وجادّة لدى الحكومة التركيّة لحلّ القضيّة الكرديّة في شكل عادل ومنصف، وتفكيك «الكردستاني» وإجباره على إلقاء السلاح، في شكل سلمي وسلس، ومن دون إراقة قطرة دم واحدة، لما لجأت إلى الطريقة الفاشلة إيّاها، التي ثبت عجزها وإفلاسها على مدى عقود، ومؤداها تدمير وتصفية «الكردستاني» بالعنف والحديد والنار!. وما تمّ عكس ذلك، إذ إن استخدام الحل العسكري زاد «الكردستاني» صلابةً وتجذّراً في مجتمعه، وزاد من مشروعيّة بقاء سلاحه باعتباره «دفاعاً عن النفس». فكيف له أن يلقي السلاح فيما الطيران التركي يقصفه بوحشيّة؟!.

اللافت في تجربة «الكردستاني» وتعامل الدولة التركيّة معه، أنه كلما شارف على الاستنزاف أو التضعضع، أتى هجوم عسكري تركي واسع النطاق يعيد إليه الحيوية والنشاط والاستنهاض السابق!. واللافت أكثر أن الهجوم الأخير للحكومة التركيّة عليه لا يحظى بأي دعم أميركي أو أوروبي واضح وصريح، قياساً بالهجمات التركيّة السابقة على الحزب. فقد طالب حلفاء تركيا في أوروبا وأميركا بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات مع «الكردستاني». وهذه نقطة تسجّل للأخير، خاصّة أن «الكردستاني» منخرط، في شكل غير مباشر عبر «حزب الاتحاد الديموقراطي – PYD» و «وحدات الحماية الشعبيّة – YPG» في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. هكذا ملأ «الكردستاني» الفراغ الذي تركته تركيا في هذا التحالف!.

لا بل يتّفق الحلفاء الأميركيون والأوروبيون على أن الحليف التركي دعم «داعش» على صعد عدّة، وعرقل التحالف ضد التنظيم أيضاً، بينما «الكردستاني» المصنّف على لائحة المنظمات الإرهابيّة، قاتل «داعش» ببسالة!.

خلاصة القول إن سلاح «الكردستاني» هو الآن مصلحة أوروبيّة وأميركيّة في محاربة «داعش» والتنظيمات التكفيريّة الجهادية في سورية وتركيا، وهو مصلحة إيرانيّة – أسديّة في محاربة تركيا، ومصلحة لـ «العدالة والتنمية» إذ يجعله فزّاعة تجذب الناخب القومي التركي للتصويت للحزب الإسلامي الحاكم بوصفه «يحمي أمن واستقرار تركيا». ويرى الكثيرون من كرد سورية أنه لولا سلاح «الكردستاني» لفتك «داعش» بالمناطق الكرديّة السوريّة.

وسط هذين التداخل والتعقيد، والتصعيد التركي الجنوني ضدّ «الكردستاني»، ومع انعدام وجود أرضيّة مشتركة سياسيّة وقانونيّة مشجّعة وضامنة وموحية بالثقة بين الأكراد والحكومة التركيّة، سيكون صعباً التكهّن بقرب نزع سلاح «الكردستاني»، ولن ينفع القصف الجوي لمعاقله حتّى لو استمرّ لثلاثين سنة أخرى. فالنار لا تطفئها النار، كما أن جبال قنديل سلسلة شاهقة شديدة الوعورة من الهضاب والوديان والكهوف التي لن تنفع في تسويتها بالأرض عشرات القنابل الذريّة. وحتّى لو تمت تصفية «الكردستاني» بهذه الطريقة، فستظهر مئة «حزب العمال الكردستاني»، جديد، يحمل السلاح ضد أنقرة. وبالتالي، لا مناص أمام تركيا إلاّ التنازل الدستوري والجدّي والحقيقي أمام أكرادها، حتّى لو بعد مرور مئة عام آخر من الحرب عليهم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى