رفيق شاميصفحات مميزة

رفيق شامي: الثورة السورية انتصرت على الخوف… وروايتها لم يحِن بعد وقت كتابتها

مانهايم – علياء الأتاسي

قبل أكثر من أربعين عاماً غادر الكاتب رفيق شامي دمشق ولم يعد إليها بعد ذلك. استقر به المقام في ألمانيا، وفيها بدأ رحلة حافلة على درب الكتابة الأدبية على رغم حصوله على شهادة الدكتوراه في الكيمياء. ولم يلبث خلال أعوام أن اصبح من الكتاب المعروفين بالالمانية وباتت اعماله من الاكثر رواجاً. من وحي حارات دمشق القديمة ألف شامي روايات كثيرة متقمصاً بلغة رفيعة، أسلوب الحكواتي الذي يتطرق في سرده الجريء أيضاً الى الجوانب المظلمة من حياة الانسان العربي.

بعد فترة قصيرة من وصوله إلى ألمانيا بدأ رفيق شامي في اقتحام عالم الأدب، وسرعان ما تبوأ مكانة بين الأدباء الأوروبيين بعدما اشتهر في الدول الناطقة بالالمانية. حاز عشرات الجوائز الأدبية والتكريمات ومن بينها التكريم الذي اعتبره رفيق شامي ايضاً تقديراً للمعارضة السورية واعترافاً بشرعية مطالبها لنيل الحرية والعدالة الانسانية، إذ اختارت مدينة فيينا العام الفائت روايته «يد ملأى بالنجوم» رواية العام ووزعت منها مئة الف نسخة مجانية في إطار مبادرة سنوية تقام تحت عنوان «مدينة واحدة تقرأ كتاباً واحداً».

خلال العامين الماضيين كرّس شامي الذي اصبح كاتباً ألمانياً كثيراً من جهده لدعم مطالب الشعب السوري، وفي هذا الإطار وجّه اخيراً رسالة مفتوحة الى الإعلاميين والسياسيين في ألمانيا، أعرب فيها عن استيائه من أسلوب تعاطيهم مع الازمة في بلاده. حول هذه الرسالة ومستجدات الوضع في سورية وموقفه ككاتب من الأزمة السورية، خص رفيق شامي «الحياة» بالحوار الآتي:

> وجهت اخيراً رسالة مفتوحة الى الإعلام الالماني تعرب فيها عن استيائك وخيبة املك من موقف الغرب سياسياً وإعلامياً من الازمة السورية، ما أكثر شيء أغضبك في هذا الشأن؟ وهل يعني ذلك أنك ستقاطع هذا الإعلام؟

– سياسة الغرب تجاه بلدان العالم الثالث لا تزال عنصرية استعمارية، على رغم كل الضباب الذي تثيره تصريحات أوباما، أولاند، ميركل أو كاميرون… الذين كرروا حتى الغثيان مناداتهم للأسد بالرحيل وكانوا يمدون نظامه بالمساعدات خفية وعلناً. فهم لا يتعاملون معنا كجيران لهم من المفروض أن تعنيهم حريتنا وحقوق الإنسان في بلداننا، كما عنتهم تلك الحقوق والحرية في بلدان أوروبا الشرقية قبل سقوط الستالينية. لا ابداً، همّهم الأول توطيد نفوذهم في المنطقة ونهب ثرواتها وازدهار تجارتهم بما فيها تجارة الأسلحة والسموم الكيماوية إلى جانب أمن إسرائيل. وتفكير كهذا يناسبه ويتماهى معه ديكتاتور همّه الأول الحفاظ على السلطة حتى ولو خرب البلد، أكثر من أي حكم ديموقراطي يحترم نفسه وبالتالي يجبر الآخر على احترامه. هذه الحقيقة المرة لا بد لكل سياسي سوري معارض من أن يتجرعها ليعرف كيف يتعامل مع الغرب من دون مبالغة في احترامه او احتقاره. هذا الموقف الغربي يغيظني، كما انني أغيظ سياسييهم وإعلامهم لأنني لا ألبي بموقفي الصورة السلبية التي يريدونها لأنصار الثورة، فأنا ارفض السلفية، وكمسيحي أهدم كل صرح كذبهم بوقوفي مع حرية هذا الشعب البطل من اجل مجتمع تعددي ديموقراطي تجاه كل شعبه. لهذا كان إعلاني مقاطعة إعلامهم الخطوة المنطقية الوحيدة الممكنة.

> إذا قاطعت الإعلام، هل ستعتمد بدائل أخرى للتواصل مع الرأي العام الألماني، حتى يبقى صوتك كأديب ومثقف في شأن الثورة السورية مسموعاً، بخاصة أن النظام يختزل حربه في كونها حرباً مع تكفيريين ذوي فكر متخلف؟

– لقد قمت خلال أربعين سنة بما أستطيعه للدفاع عن الحرية والديموقراطية في سورية. ومنذ اندلاع الثورة وحتى شهر آب 2013 قمت بأكثر من مئة مقابلة وكتبت عشرات المقالات التي تدافع عن الثورة وحق الشعب السوري بالتنفس بحرية والعيش بلا خوف وألا ينهب خيراته مجرمون بلا ضمير. مقاطعة الإعلام الألماني لا تعني الصمت، اقاطع الإعلام الألماني منذ مطلع أيلول (سبتمبر) 2013 ليس كحرد أو بأهوائية، إنما احتجاجاً ونقداً لهذا الموقف النذل من شعبنا وحقه في الحرية واحتجاجاً عنيفاً على تواطؤ هذا الإعلام بتمويه المذابح التي ذهب ضحيتها أكثر من 120 ألف إنسان والسكوت عن اعتقال – واختفاء – أكثر من 200 ألف مواطن. عبر محاضراتي وكتبي أصل مباشرة الى الجمهور بلا وساطة الإعلام، وقد نشرت دار للكتب في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه مقاطعتي للإعلام الرسمي كلمة ألقيتها، في طبعة كبيرة، والكتيب يعالج معنى أن يكون الإنسان الأوروبي جديراً بالحرية والكرامة، وذلك بأن يقف بلا قيد أو شرط مع حرية الشعوب وكفاحها من أجل كرامتها.

> ماذا يستطيع كاتب معروف تقديمه للشعب السوري، وهل يشترط في المثقف أن يكون وطنياً؟

– سؤالك هذا مهم جداً وقد يكون عنواناً ذكياً ومناسباً لمؤتمر عن دور المثقف وعن تعريف جديد للمثقف، فأنا لا أعتبر أي كاتب مثقفاً لنسبة عدد الكتب التي قرأها، المثقف في نظري هو الذي يضع كل معرفته في خدمة شعبه ليدفع تطلعات هذا الشعب إلى الأمام، ليعطيها صيغة دقيقة إن لزم الأمر، مرافقاً حركتها بفرحها وترحها، مسروراً بنجاحاتها، دارساً بصبر نكساتها لئلا تتكرر. لا ان يتربص بحركة الجماهير ليصطاد أخطاءها او هفواتها أو ليخترع مبررات تعلل تمرغه في وحل السلطة.

الكاتب يمكنه تقديم الكثير للمجتمع من دون أن يكون سياسياً محترفاً. اصلاً، كل الكتاب الذين لعبوا دوراً سياسياً فشلوا كسياسيين وككتاب في ما بعد. الكاتب السوري عليه اولاً ومن دون «سوف وعسى ولعل» أن يقف مع أمنيات شعبه بالحرية وألا ينتابه ذعر الأخطاء على طريق التحرير، كبيرة كانت ام صغيرة، بل ان يساعد بنقده لمسببي هذه الأخطاء على تقويم مسيرة الثورة. عليه ثانياً أن يشرح لكل من تصل إليه كلمته وبكل هدوء، حق هذا الشعب بالحرية والعدالة والديموقراطية. وعليه ثالثاً ألا ينسى الشهداء والسجناء والمشردين ويسعى بكل جهده لرفع إسم الشهداء عالياً وللنضال بلا كلل من أجل تحرير السجناء وأن يخفف بكل جهده الالم والعوز لدى المشردين. وكمثل بسيط ومتواضع جداً ويمكن لكل مثقف(ة) القيام به: قمت مع عدد قليل من الأصدقاء الموثوق بهم بتأسيس جمعية «شمس» لحماية الأطفال وأقوم بحفلات خيرية لمصلحة الأطفال المشردين، لأن الأطفال هم على أي حال الخاسرون في كل حرب. ونعمل جميعاً بلا مقابل وقد نجحنا خلال سنة ونيف في مساعدة مشاريع عدة للعناية بالأطفال. طبعاً هذه المساعدات قطرة ماء لعطشان، لكن الأنهار والبحار ليست إلا قطرات تجمعت.

> قلت في أحد الحوارات قبل نحو عام: «نحتاج الى عشر سنوات من إعادة الإعمار ومن الأيدي الممدودة للمصالحة لتضميد الجراح بين العائلات»، هل ما زال الحديث عن المصالحة ممكناً بعد كل ما شهدناه؟

– التسامح الذي كتبت عنه في مناسبات عدة وتفصيلاً في «صفحات سورية» لا علاقة له بتبويس اللحى والمصالحة العشائرية، بل نتج لدي من استقراء التاريخ. الثأر رجعي ومعادٍ للثورة وإن موه نفسه بألوان العزّة والشرف والثأر العربي… إنه عدو خطير يهدم كل اسس الدولة الديموقراطية والقضاء الحر النزيه لهذه الدولة التي ننشدها. طبعاً لست حالماً طوباوياً، ولم أنس بعد مدى عمق الأخذ بالثأر في عقولنا. نحن محكومون وملزمون على رغم هذا التراث بكبح جماح الثأر لنبني معاً دولة تسامح تزرع الثقة بالآخر بدل الشك فيه. إن بنيان ما ستخربه الحرب الأهلية من بنى تحتية وعمران وصناعة سيحتاج الى سنين وأموال طائلة… وكل هذا متوافر في البلدان العربية…

لكن بناء ما خربته هذه الحرب في أنفسنا يحتاج الى شجاعة كبيرة وصبر، والصبر في العربية صنو للشجاعة ومرادف لها. علينا أن نحذر من حبائل التشكيك بالآخر وتنصيب أنفسنا كقضاة إلهيين. هناك قلة مجرمة لا أصالح أياً من أفرادها. هذه الزمرة المجرمة يجب أن تقدم الى القضاء ولها الحق بالدفاع عن نفسها، لكن غالبية أتباع النظام لم يلوثوا ايديهم بدم الشعب. نعم أيدوا النظام بانتهازية أو نتيجة خوف أو طمع، لكنّ هذا لا يستدعي تكفيرهم وقتلهم. هنا يتطلب الأمر شجاعة أن نتعلم التسامح من دون أن ننسى كل شيء. أي أن نسمح لهم بإصلاح ما أخطأوا به وذلك بإعطائهم فرصة، من غير ان نلاحقهم ونذلهم ما داموا أحياء… التسامح يتطلب شيئاً من النسيان، الذاكرة الجيدة نعمة لكن الذاكرة التي لا تنسى شيئاً مصيبة. بناء سورية جديدة يتطلب منا جميعاً أن نبدأ معاً طريقاً جديداً وهذا الطريق لا يمكننا سلوكه من دون تسامح.

أيّ خوف؟

> كمثقف وكاتب سوري يتحدر من بلدة معلولا التي تزخر بمآثر مسيحية عريقة، كيف تابعت المواجهات التي شهدتها البلدة؟ وإلى أي حد أثرت هذه الأحداث في موقفك من الثورة؟

– معلولا فلذة قلبي ومنبع كل ما أقدمه. وكل من يعتدي على هذه البلدة الآمنة الشجاعة يعتدي علي شخصياً. لقد تابعت الأحداث عن كثب قدر الممكن وبتأنٍ شديد، وبالاستناد إلى مراجع كثيرة. وأنا اليوم اشكك بثورية من هجم على معلولا مدعياً تحريرها في وقت اجتماع رؤساء الدول الأوروبية لبحث موقفهم من سورية، إنما هجم ليؤكد دعاية النظام عن الخطر المحيط بالمسيحيين. فلا معلولا إستراتيجية إلى هذا الحد ولا إلحاق أي ضرر صغير، ولو بمبنى واحد، مفيد للثورة. ولا أوافق أي معارض مهما كان منصبه يقلل من خطر الأصوليين المسلحين، الذين يعتنقون التفرقة ويسيئون الى الثورة والدين. لم أر في حياتي صورة أوقح وأبشع من صورة نشرها أحد المواقع لمقاتل بليد الوجه يضحك بغباء منقطع النظير يرتدي ثوب كاهن سرقه ويحمل صليباً سرقه من كنيسة بيد وكلاشنيكوف بيد أخرى. وموقفي الرافض من هؤلاء المجرمين لا علاقه له بالثورة من أجل الكرامة والحرية والديموقراطية، فهي وحدها القادرة على وضع حد لهؤلاء وتقديمهم الى القضاء.

> كيف تنظر إلى خوف الغرب على الاقليات في سورية؟ ألا تتفق مع من يقول بأن موقف الغرب في هذا الشأن يدعم بقاء نظام بشار الأسد؟

– الغرب لا يهمه المسيحيون العرب ولا بمقدار قشرة بصلة. وهذا يعرفه رجال الكنيسة الشرقية اكثر مني. ما يهم الغرب مصلحته. وهؤلاء التماسيح الذين يذرفون الدموع المسبقة على مصير الأقليات، يمرحون بمشاهد ذبح الغالبية السنية. موقف الغرب من بشار الأسد لا علاقة له بالدين، هذا الموقف يبدو من السطح وكأنه لمصلحته، لكنه بعد إمعان النظر يظهر على حقيقته: فكل قرار اتخذوه بشأن سورية خلال اربعين سنة مضت وأيضاً منذ اندلاع الثورة كان وبكل برود، لمصلحتهم ومصلحة إسرائيل، ولذلك يسمحون لنوري العراق ولروسيا وإيران و «حزب الله» ان يمدّوا الأسد بالمساعدة… وأنا متأكد من انهم لو لم يريدوا ذلك لما تجرأ كل هؤلاء أن يدخلوا سورية. هل من المعقول كما يظن أبطال الممانعة أن يبني نظام الأسد سلاحه الكيماوي من دون معرفة إسرائيل التي تعمل يداً بيد مع الاستخبارات الفرنسية والألمانية؟ وقد تبين الآن أي معظم الأجهزة والمواد الكيماوية اللازمة لصناعة غاز السارين مثلاً استوردها النظام من المانيا وفرنسا. هل من المعقول أن تزيد مساعدة ثلاث دول حجماً وفعالية عن مساعدة كل أصدقاء الثورة؟ الأسد له دور يلعبه ويظن مع مستشاريه انه «فهلوي» (ما أسلم كلامك يا صادق جلال العظم) وأنه يلعب على الغرب. يظن فعلاً مع أتباعه أنه «دوّخ أميركا» ولا يفهم أن الغرب حدد له دوراً بتهديم سورية وإضعاف إيران و «حزب الله» على حساب الشعب والوطن السوري إلى اقصى حد ممكن لئلا يرتفع في السنوات الخمسين المقبلة صوت واحد ضد إسرائيل، ومتى انتهى دوره يسقط بين ليلة وضحاها… وماذا يأتي بعد هذا السقوط؟ أخشى السيناريو الآتي: سيصول الغرب ويجول كمحرر بعد ان يكون قد خنق الثورة ويأتينا بمنقذ على نمط عملاء الاستخبارات الأميركية…

> كيف أثّرت الأحداث التي مرت وتمر بها سورية منذ أكثر من عامين ونصف العام في كتابتك؟

– توقفت نهائياً عن متابعة الكتابة في روايتي التي أعدها منذ خمس سنوات. وسأعود إليها في أقرب وقت ممكن. أحداث الرواية تعالج أمراً مهماً في فترة زمنية تمتد من عام 1970 وحتى 2010. غير أنني لا أحب الحديث عن روايات لم تنته بعد. لكنّ سؤالك يتضمن سؤالاً حول الكتابة عن الثورة. الرواية لا تجاري الأحداث كالصحافة والشعر. فالشعر رد فعل الوجدان على الحدث لذلك لا تضيره الخطابية ولا النزعة التربوية، بينما الرواية تحتاج الى الابتعاد عن الحدث، تحتاج الى هدوء في البحث عن أسبابه الموضوعية والذاتية، وتنهار إن تحولت خطاباً. لذلك نصحت وأنصح زملائي ألا ينقادوا الى المناداة والتحريض عبر بعض مسؤولي الإعلام والثقافة: «أين رواية الثورة؟».

الثورة انتصرت انتصاراً تاريخياً كاسحاً على الخوف وقدمت أكثر من مئة ألف شهيد ثمناً لذلك. وهذا الانتصار وهؤلاء الشهداء هم من أهم أسباب فشل الأسد في كبح الثورة على رغم تدججه بالسلاح ومساعدة إيران وروسيا والصين و «حزب الله» والغرب له، لكن الثورة لم تنجح بإسقاطه لتبني سورية الحرة الديموقراطية التي خرجت جماهير الشعب الشجاعة من أجلها. هذا بحد ذاته كان درساً تاريخياً تختلف خبرته في سورية عنها في مصر وليبيا واليمن وتونس. لقد تابعت هذا التطور يومياً وعن قرب شديد وقد أثر في تفكيري وسينعكس على كتابتي. كيف؟ لا أدري اليوم.

الألمانية قدري

> ألّفت عشرات الكتب باللغة الألمانية، هل ما زلت تفضّل الكتابة بهذه اللغة؟

– لا ابداً، ليس هناك إنسان يفضل أية لغة على لغته الأم. انا أجبرت على ذلك وقبلت التحدي بصبر. لم أنشر في البداية أية نصوص بالألمانية. فتشت ولسنين عن دار نشر عربية لنشر ما أكتب في القصة، الرواية والعلوم. لم اجد طوال عشر سنوات دار نشر واحدة تنشر لي نصوصاً…90 في المئة لم تجب على رسائلي و10 في المئة وعدتني بنشر بعض منها إن حذفت هذا المقطع أو تخليت عن تلك القصة. رفضت، ترجمت كتاباً عن علم الكيمياء المخبري وهو كتاب موسوعي عملت عليه ثلاث سنوات، ورفضته دور نشر في 20 دولة عربية بإجماع لا مثيل له. ألّفت مع زميل عام 1980 الكتاب الأول في تاريخ العرب عن تطبيقات الطاقة الشمسية ويحوي الكتاب رفضاً علمياً مبرراً للطاقة الذرية. رفض الكتاب من كل دار أرسلناه اليها. ثم وبتوسط الصديقة اللبنانية سناء صاروط طبع الكتاب في دار الحداثة (بيروت) ولم نر إلى اليوم (والكتاب في طبعته الثالثة) أي قرش ولا حتى نسخاً من طبعاته على رغم مطالبتنا لسنوات… لذلك قررت بعد سبع سنوات من إقامتي ودراستي وإتقاني الألمانية عموماً أن أتعلم الألمانية الأدبية من جديد، لأن من يكتب أدباً بلغة غريبة، عليه أولاً أن يتعلمها لا لتيسير الحياة اليومية أو لدراسة ما، وإنما لاستخدامها في أعلى أشكال تجلياتها، ألا وهو الأدب الرفيع. هكذا أصبحت اللغة الألمانية وطني الثاني قبل ألمانيا الجغرافية.

> هل تفكر في العودة إلى سورية في مرحلة ما بعد الأسد؟

– سأعود بالطبع لأتنفس هواء معلولا ودمشق ولأزور كل ناحية من نواحي وطني العظيم. لكن لا يمكنني – وبتقدير واقعي – بعد اربعين سنة في المنفى أن أعود كلياً. فهنا اسست عائلة وهنا بنيت كل عملي الأدبي وهنا موطني الثاني… لكنني سأقسم وقتي بين سورية وألمانيا، وسأحاول دفع الحوار بين الثقافتين في الاتجاه الحر الديموقراطي، بين زملاء وزميلات متكافئين. فرفاهية أي مجتمع تسبب نوعاً من العنصرية تجاه الثقافات الأخرى وتتجلى بالتعالي عليها. وهذا ما ارفضه. فإما أن يكون الحوار بين أكفياء أو لا يكون.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى