صفحات العالم

ضرورة المبادرة العربية


حسام عيتاني

منذ ان ظهرت السيدة بثينة شعبان على الصحافيين في الأسابيع الأولى للثورة السورية، تعلن حزمة اصلاحات وزيادة في الرواتب، وحزمة أعرض من الوعود، يسير الحكم في دمشق في الطريق ذاتها من الكلام المفضي الى مزيد من الكلام.

ويعلم كل من يستطيع جمع واحد إلى واحد، أن النظام في غير وارد القيام بإصلاحات تُبدّل من طبيعته الأمنية والعائلية وأنه لن يتراجع عن أساليبه القمعية الدموية في التعامل مع المتظاهرين. الأسباب وراء ذلك تداني البداهة. منها ما يتعلق ببلوغ النظام حداً من التكلس يجعله يدرك أن أي خطوة إصلاحية جدية تعني مباشرة الشروع في تفككه وانهياره، سواء في مجال رفع يد الأجهزة الأمنية الأخطبوطية عن المجتمع او في كف يد العائلة ومتفرعاتها عن الاقتصاد.

وهذا من دون أن تصل المطالب أو الإصلاحات المقترحة تخوم الحريات الفردية والسياسية وتعديل الدستور وفصل السلطات وضمان استقلال القضاء، ومن دون ان تصل أيضاً الى مرحلة وقف قتل المتظاهرين العزّل واقتحام القرى والافراج عن الآلاف من المعتقلين السياسيين الذين يسام أكثرهم سوء العذاب.

الإصلاحات التي تدعو اليها الخطة العربية والتي حملتها اللجنة المكلفة من الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية العرب بزيارة سورية، لن ترى النور. ما في ذلك ريب. وما ستفعله السلطات التي بدت «ايجابية وودودة» اثناء اللقاء مع الوفد العربي هو التسويف والمماطلة ودعوة «من يرغب» الى الحوار الذي يجري برعايتها والذي لن يؤدي الى شيء، من جهة، ودفع المجتمع وقواه المعارضة إلى اليأس من التغيير والثورة من خلال تكثيف العنف والقتل والاغتيالات والاعتقالات، من الجهة المقابلة.

ويتوقع النظام، بشكل غير بعيد من الصواب، أن يؤدي تصاعد العنف الذي يمارسه إلى رد فعل من النوع ذاته من المعارضة. فالانتهاكات الفظيعة التي لا يصل كثير منها إلى الإعلام، أو التي تمتنع وسائل إعلام عربية عدة عن الحديث عنها لقبحها وحساسيتها، مصوبة أساساً إلى هذه النقطة تحديداً: مراكمة الكراهية والقهر إلى الحد الذي لا يجد المُذلون والمُداسون ما يعيد لهم كرامتهم سوى العنف والقتل.

بساطة الخطة، التي تبرّع عدد من مؤيدي النظام (من غير السوريين خصوصاً) بشرحها وتفسيرها والترويج «لحلها الأمني»، لا تلغي فاعليتها. فالصدامات المسلحة بين الجيش والامن من جهة، وبين «المنشقين» من جهة ثانية، باتت شبه يومية.

ويعلم الوزراء العرب الذين زاروا دمشق هذه الحقائق من قبل أن تهبط طائراتهم في العاصمة السورية، لكنهم يضطرون إلى أداء هذا الدور لسببين: الأول هو عدم امتلاكهم ما يقدمون إلى الشعب السوري في وقت لم تنضج بعد ظروف التغيير الخارجية بسبب انشغال عدد من الدول المؤثرة في همومها الخاصة أو فقدانها للبدائل اللازمة للنظام الحالي، ووصول المواجهة الداخلية الى نقطة التوازن بين قوتين تبرهن كل منهما كل يوم قدرتها على الصمود في وجه الخصم. السبب الثاني أن الوزراء العرب مضطرون للقيام بأمر ما، مهما كان شكلياً وخاوياً، كنوع من «الحفاظ على النوع» أي الدفاع عن دوام المؤسسات العربية المشتركة والإعلان أمام الغرب (على ما في هذا الغرب من نفاق) أن الدول العربية وهيئاتها المعنية تراقب وتحاول علاج الوضع في سورية.

المبادرة العربية لا تحمل، على ما يعرف الجميع، أي قدرة على وقف سفك الدماء ناهيك عن إطلاق عجلة إصلاحات ذات مغزى. لكنها ضرورية ضمن المظاهر الشكلية للتحركات العربية والدولية. والنظام، بتظاهراته المليونية «العفوية» المؤيدة، لن يحل الاستعصاء السياسي الذي أوصل سورية اليه، سوى عندما يعترف باتساع وجذرية المعارضة التي يمثلها شباب شوارع البلدات والمدن السورية قبل غيرهم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى