صفحات سوريةعلي جازو

ضمور الشعوب مرض ضميرها/ علي جازو

قد يتحوّل العجز، تحت قسوة المعاناة، إلى عكسه، فالصبر الذي يخسر أسنانه، يترك خلفه أنياباً. لم يعد للحقيقة شمسٌ تحميها، وإنْ كانت، فإن حريقها أقوى من دفئها.

تكاد الشعوب، حتى الديموقراطية منها، تختفي وتضمحلّ خلف أعمال زعمائها، الذين غدوا محض أدوات تنفيذية في جهاز بلا رأس وبلا ذنب. لم تعد الفكرة القائلة إن الشعوب تقرر مصيرها بفكرة مقنعة، فكيف الحال مع شعوب لا تأبه لمصير غيرها.

حتى في الغرب الديموقراطي، ثمة ضبابية في هذا الشأن. فهل يمكن القول بعد ما يجري اليوم، إن الروس مثلاً، كلّ الروس، هم مع التدخل العسكري الروسي في سورية، وهل يمكن تبعاً لذلك القول إن الأميركيين موافقون على سياسات رئيسهم أوباما، بخاصة تجاه ما يحدث في سورية؟

والحاصل هنا أن الشعوب تخلت عما يقرره رؤساؤها، أو هي موافقة عليه من دون التفكير في نتائجه، وفي الحالين، نكون أمام واقع سيء.

ها هنا تبدو فكرة الديموقراطية المباشرة ضرباً من الخيال، وما يحدث في البرلمانات العريقة لا يعدو كونه شأناً خاصاً بالبرلمانيين وحدهم، وعندما تكون القضايا العامة قضايا إجرائية خاصة، يكون التفويض الشعبي الذي جعل البرلمانيين برلمانيين محل شك.

ثمة في عالم القانون ما يُدعى بروح القوانين، ويقصد به الجوهر الذي على أساسه يبنى النص القانوني، وإن تغيرت تفاسيره يبقى هذا الجوهر العمود الذي يشد القانون إليه. وأمام العجز الدولي إزاء القضايا الملحة، تجري التضحية بروح القانون هذه، وهي أول ما يجدر التنبه إليه.

فإذا كان حق الحماية الدولية ثمرة جهد وتجربة بشريتين، وإذا كان خلاصة لروح القوانين الإنسانية والدولية، فإن التضحية به بمثابة تضحية بالجوهر نفسه، ومعها يتحول القانون إلى حبر على ورق كما يقال.

وطالما أن العالم كلٌ واحدٌ، شئنا أم أبينا، وأن البشر بالأساس متساوون طبيعة، يغدو الوقوف جانباً إزاء الهمجية ضرباً جديداً من الهمجية نفسها.

فإذا كان ملايين الروس والأميركيين، مثالاً لا حصراً، موافقين على موقف دولتيهما إزاء المعضلة السورية، فإن القادة غير ملامين في شيء حينها.

والأمر، طالما الحال على ما هي عليه، يتجاوز الفهم الحرفي للديموقراطية، ليصل إلى جوهرها الذي تحول إلى عَرَض لا غير. وفي هكذا حال فإن بضعة آلاف من المتطرفين لا يشكلون عبئاً ذا شأن أمام عشرات الملايين الذين لا يعنيهم مصير العالم بشيء.

ليس ما قيل سابقاً تبريراً للتطرف، لكن الخنق الذي يعض قلب الحالة الدولية اليوم، وهو خنق يكاد يطاول ضمير كل شيء، ليس سوى تعبير بسيط عن العمى الكلي الذي بموجبه توكل الشعوب ضمورها المخزي إلى قادة أقل ما يقال فيهم إنهم أقرب إلى مديرين حوّلتهم بلادة الضمير إلى دمى، وحوّلوا العالم من مسرح سرور إلى أرض مأساة بلا حد.

يبقى القول إنّ جموح القادة، حاله حال خمولهم، ما هو إلا نتيجة لضمور شعوبهم.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى