صفحات العالم

طفل بنش

 

حـازم الأميـن

شريط الفيديو الذي يظهر فيه طفل محمول على الأكتاف في تظاهرة مؤيدة لجبهة النصرة في مدينة بنش في شمال سورية، والذي يُنشد فيه الطفل نشيداً طائفياً يلقنه إياه رجال ملتحون، هذا الشريط صادم بما يحمله من دلالات، وهو صادم لمؤيدي الثورة في سورية لا لخصومها، ذاك ان الأخيرين مثل الشريط لهم حجة مكينة يدعمون فيها خطابهم الركيك والهزيل.

لكن ليس هذا فقط مكمن ابتلائنا بجبهة النصرة، انما أيضاً العمق الرمزي لمشهد طفل أعطاه أقرباؤه سكيناً وراح يُمثِل، أثناء انشاده، فعل الذبح، محتفلاً بما يُخلفه هذا الفعل من ذعر. والطفل السوري هذا، كما يبدو في الشريط، وفي لحظة مباشرته تحريك يده على نحو ما يحركها الذابح والناحر، يظهر انه غير مفتعلها، فينقشع المشهد الفيديوي عن مفارقة شديدة القسوة. طفل، لم يغادر طفولته بعد، وفي حركة بدت منسجمة وغير مفتعلة، أدى دور الذابح!

والحال ان الأمر يتعدى وجهتي النظر اللتين انقسمتا حول الشريط، الأولى التي تقول إن النظام في سورية فعل كل شيء ليُنتج هذا المشهد، والثانية التي استعانت بالفيديو لتقول بعبثية الثورة. الأمر يتعدى في ارتداداته حدود الثورة في سورية. أي ان نكون معنيين في حقيقة ان فعلاً بشعاً، كالذبح، يمكن ان يُلقن لطفل بصفته طقساً معتمداً وفعلاً محموداً يُحتفى به.

قالت لي صديقة عندما شاهدت الشريط ان الطفل في اللحظة التي ينتقل فيها من الإنشاد الى إداء دور الذابح، انما استمد فعلته من حركة عفوية يؤديها الأطفال في أناشيد عيد الأضحى في الكثير من المدن. قالت لي ذلك في محاولة للتخفيف من وقع فعلة ما لُقنه الطفل.

اقتنعت مع الصديقة، لا سيما أنني من أصحاب وجهة النظر التي تقول إن النظام في سورية فعل كل ما في وسعه لينتج هذا المشهد، وإن الثورة ثورة حق على باطل وعلى مستبد. لكن فكرة أخرى راودتني وهي تتعدى الثورة في سورية بدلالاتها، وهي أن فعلة الذبح التي ألصقها تنظيم القاعدة في منظومة الأداء الجهادي، والتي جعلت من صورة المسلم في العالم أكثر قتامة، انما تجد لها أثراً في اداء اجتماعي وديني عام، يتمثل في أضاحي العيد، وفي طقوس مرافقة للولادة والنذور تُقدم فيها الخرفان أضحية، فتجعل من فعلة ذبح الخاروف أمراً ايجابياً ومستحباً.

فكرت هل ان “القاعدة” في عمليات الذبح المتنقل بين الجزائر والعراق وباكستان، قد أسقطت على نحو رمزي وغير واعٍ فكرة الأضحية على ضحاياها عندما أقدمت على ذبحهم؟ صحيح ان ذبح الخراف أمر تُقدم عليه كل المجتمعات، لكن الطقس الإحتفالي المرافق للذبح يقتصر على مسلمين (في الفيليبين يُقدم مسيحيون على صلب أنفسهم حتى الموت للاقتراب من مشهد صلب المسيح).

ما فعلته “القاعدة” من تشويه لمضمون الثقافة الإسلامية يجعل من مهمة مراجعة الطقس والأداء أمراً ضرورياً. فكرة الأضاحي ليست جوهرية في مضمون الدعوة الإسلامية. يمكن تفاديها اذا ما اقتربت (مشهدياً على الأقل) من فعل الذبح البشري، واذا ما اعتقد أحدهم ان طفلاً استعان بها ليُمثل الدور الذي أداه طفل بلدة بنش.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى