صفحات الناس

سوريات يتحايلن على واقعهن للصمود … وأخريات يحملن سلاحاً/ يحيى الأوس

 

تشهد ظروف العمل في سورية تردياً ملحوظاً يطاول العاملين والعاملات، لكن النساء يبقين دائماً أكثر تأثراً باختلال الشروط الأمنية. فقد وجدت آلاف منهن أنفسهن مرغمات على التخلّي عن وظائفهن، كما أجبرت مئات أخريات على نقل أماكن عملهن إلى مناطق أكثر استقراراً، خصوصاً اللواتي يعملن في مؤسسات حكومية تعنى مثلاً بشؤون التربية والصحة.

عموماً، شكّلت النساء نسبة متدنّية من القوى العاملة. وهي لم تتجاوز الـ16 في المئة وفق المكتب المركزي للإحصاء. وباتت اليوم في أدنى مستوياتها باعتراف خبراء ومهتمين، ما يجعل بالتالي من مشاركة النساء في الناتج الاقتصادي رمزية. وقد أعلن وزير العمل السوري حسن حجازي في أكثر من مناسبة أن مشاركة الإناث في قوة العمل لا تزال متدنية، وعلى الدولة أن تعمل على رفع نسبة مساهمتهن. في المقابل، أفادت تقارير اقتصادية مستقلة أبرزها تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الأسكوا»، تحت عنوان «1000 يوم على الحرب في سورية»، أن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السوري انخفض 45 في المئة، وبلغ عدد العاطلين من العمل 3 ملايين سوري من أصل 5 ملايين كانوا يشكلون مجموع القوى العاملة في القطاعين العام والخاص.

ولا يتوقف الأمر عند صعوبة تنقّلهن وحيدات، فالتحرشات الجنسية لا تزال عقبة متأصلة في وجه الفتيات العاملات في المناطق المحافظة اجتماعياً وفي إطار أماكن العمل، ما يدفع بكثيرات إلى ارتداء الحجاب تفادياً للتحرشات التي قد تواجههن.

تقول ليلى وهي موظفة في شركة خاصة: «ارتديت الحجاب إرضاء لأهلي وكحل وسط بيننا كي أتمكن من الاستمرار في عملي! لكن هذا لم يحل دون تعرّضي لتحرشات لفظية في الطريق من العمل وإليه».

وتتابع ليلى: «لا يتجاوز راتبي 10 آلاف ليرة شهرياً، وفي الأيام التي لا أتمكن فيها من الوصول إلى عملي بفعل الظروف الأمنية أو الانتظار على الحواجز، يحسم صاحب العمل من مرتبي فلا يبقى لي منه إلا فتات!».

أخطار من نوع مختلف

قبل نحو عام اقتحمت مجموعة مسلّحة معملاً للخياطة في مدينة عدرا العمالية، وبعد التدقيق في هويات العمال اقتادت المجموعة ثلاثاً من العاملات إلى مكان مجهول لأنهن ينتمين إلى أقلية دينية، ووفقاً لزميلاتهن، لم يطلق سراح الثلاث إلا بعد أشهر إثر عملية مبادلة مع معتقلات في سجون النظام. بالطبع الفتيات الثلاث لم يعدن إلى عملهن في معمل الخياطة.

أما فدوى (إسم وهمي) وهي موظفة في مؤسسة حكومية تقع في منطقة الكسوة، فترفض الامتثال إلى ضغوط تمارسها عليها عائلتها لترك عملها بعدما تعرض عدد من زميلاتها لحوادث خطيرة جداً. ويؤكد أصدقاء فدوى أنها تحمل في حقيبتها سلاحاً أسرّت لهم بأنها لن تتردد في استخدامه، فيما لو تعرّضت لأي حادث أو اعتداء.

وتدفع الحاجة إلى العمل أيضاً بمئات الفتيات للانخراط في إطار ما يسمى جيش الدفاع الوطني، حيث يتقلّدن أنواعاً مختلفة من الأسلحة ويتوزعن على حواجز ونقاط تفتيش، ويمارسن مهمات قتالية مماثلة لمهمات الرجال. وعلى رغم أن كثيرات منهن يعتبرن ما يقمن به واجباً وطنياً، إلا أن أخريات يفسرّنه على أنه أحد الخيارات التي يفرضها انسداد أفق سوق عمل النساء في سورية.

وتبدو التحديات أمام العاملات هائلة بعد ثلاث سنوات من قيام الثورة، خصوصاً مع التحول الكبير الذي نقل شريحة واسعة من النساء إلى موقع المعيلات لأسرهن في واحد من أحرج الأوقات التي عرفتها البلاد، سواء لندرة فرص العمل أو لجهة المجتمع الذي يمضي نحو مزيد من التضييق على حركة النساء، ويمارس مزيداً من السلوكيات العنيفة التي تدفع نحو تغييب النساء عن المشهد العام.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى