صفحات سورية

عبدلكي النقيّ

احمد بزون
هل أخطأ الفنان السوري يوسف عبدلكي عندما طالب بإسقاط النظام السوري والسلاح في موقف واحد لا ينفصل؟ أو ربما أخطأ لأنه كان مبدعاً وصاحب رؤيا، يفهم كيف يستشرف المستقبل، ويقيس على تجارب العالم، فيخلص إلى رأي يبعد به سوريا عن كأس الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر؟
لا شك في أن النظام كان طبيعياً عندما اعتقله في السبعينيات، وطبيعياً عندما اعتقله من خمسة أيام؟ فمثله، المتطلع إلى مستقبل أفضل لسوريا، يشكل خطراً على مستقبل نظامها، ومثله الفنان الرائي والناقد والمفكر والمثقف الشيوعي الطامح إلى معادلة جديدة بين الشعب والسلطة يشكل خطراً على الجميع؟
كان لا بد من اعتقال عبدلكي من قِبَلِ أجهزة النظام، التي لا تتحمل أي معارضة حتى لو كانت سلمية، أجهزة لا تزال تعيش زمناً ماضياً، تخشى فيه العقول النيّرة التقدمية التغييرية، في وقت تتكلم الصواريخ وتشيع لغة الرصاص.
لم يكن غريباً أن يرحب أعوان النظام باعتقاله، ويعتبر الذين تطربهم قرقعة السلاح من المعارضة بأن هذا الاعتقال لا يعنيهم. فالساحة السورية لم تعد، في ظل احتدام الصراع ودمويته، تحتمل أي موقف في الوسط بين شر وشر. لا مكان لمستقبل سوريا في المواقف التي تغلي بنيران الحرب، لا مكان سوى لصوت السلطة والتسلط وشهوة الحكم بالدم. لم يعد أحد يفكر في سوريا الشعب، إلا تلك الحفنة من اليساريين الذين لم يرتموا في أحضان السلطة رغم كل الترهيب الذي تعرضوا له، ولم تغرِِهم المرتبات والأموال التي تتدفق من أجل أن يكون القرار السياسي في سوريا لغير أهلها، أو يأتي معلباً مع شحنات الأسلحة والأموال المشبوهة.
لا مكان لعبدلكي النقي، لعبدلكي الذي قضى أكثر من عشرين سنة في منفاه الفرنسي حتى لا يلون لوحته برضى السلطة، وحافظ على الأسود والأبيض لما فيه من صفاء الموقف ونقاوته، وما فيه من فصل واضح بين الضوء والظلمة، الحق والباطل، القول الصريح الذي لا جدال فيه، العناد الذي لا تزحزحه وعود شخصية. وهكذا بقي عبدلكي يقول مواقفه بالأبيض والأسود، يرسم رأس سمكة يصرخ، وعصفوراً جريحاً، ورأس حصان، وسكينا مغروزاً بعنف، ليصل في ما بعد إلى إزاحة كل تلك الرموز، فيصرخ برأس إنسان مقطوع وجسد شهيد وأم تحمل صورة ابنها الضحية، والكثير من الأعمال التي تترجم وجع السوريين.
لن تطالب جبهة النصرة بالطبع بإطلاق سراح عبدلكي اليساري الماركسي، ثم لا يعني هذا الاعتقال الجيش الحر، كون المخطوف لا يبرر لغة السلاح وتسوله، وسوف يعير مثقفو النظام الأذن الطرشاء لكل الصرخات التي تطالب بالإفراج عنه… لكن الخطر على حياة عبدلكي هو خطر على حياة واحد من أهم المبدعين السوريين، وعلم من أعلام الفن التشكيلي السوري، ومن أهم رموز النقاء الثقافي، فلا بد بالتالي من إعلاء صرخة الفنانين والمثقفين في العالم العربي والغربي لإطلاق سراحه، من أجل الحفاظ على حياته وصحته واستمرار عطائه الذي تكبر به سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى