صفحات سوريةمنذر خدام

عبد الرزاق عيد وإعلانه في الخارج وقضايا التغيير الديمقراطي في سورية

 


منذر خدام

في أي تحليل رصين لطبيعة النظام السياسي في سورية، وعناصر القوة التي يمتلكها في مواجهة الانتفاضة الشعبية الهادفة إلى انجاز قضايا التغيير الديمقراطي، وتحقيق قطع تاريخي مع الاستبداد، والتأسيس لدولة مدنية ديمقراطية عادلة في سورية(أنظر مساهمتنا في “بمثابة مبادرة وطنية…)، لا بد أن يلاحظ وجود تداخل بين عناصر القوة والضعف لكل من النظام، والانتفاضة الشعبية، سواء بصورة موضوعية، أو بصورة مباشرة. يحصل هذا التداخل دائما في حال الثورات السياسية التطورية، حيث لا يكفي توافق مصالح القوى الاجتماعية الفاعلة في الثورة في الاتجاه، بل لا بد من وجود وعي سياسي مطابق، وهذا ما لا يتحقق دائما إلا في نهاية المطاف وبصورة موضوعية. بمعنى أخر ثمة قوى اجتماعية أو سياسية أو ثقافية تشكل من الناحية الموضوعية جزءا لا يتجزأ من قوى الثورة، مع ذلك فهي تصطف مباشرة وراء النظام بما هو حامل لسلطة استبدادية طغموية أمنية مالية طفيلية وكمبرادورية شديدة التفارق مع مصالح هذه القوى. على سبيل المثال البرجوازية التقليدية في سورية متمثلة في فئة التجار والصناعيين هي من أكثر الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة حقيقية بثورة التغيير الوطني الديمقراطي في سورية، لأن الثورة ثورتها من الناحية التاريخية، مع ذلك فهي في دعمها للنظام، أو في صمتها ووقوفها على الحياد تخون مصالحها ودورها التاريخي. ينطبق الحال أيضا على الطبقة العاملة، وعلى الفئات الاجتماعية الوسطى، أي على أغلبية الفئات الاجتماعية. من بين جميع هذه الفئات الاجتماعية تبدو فئة المثقفين الأكثر حضوراً، لكنها الأكثر تذبذبا وتناقضا في مواقفها. ينطبق ذلك بصورة واضحة على أغلب المثقفين والناشطين في الخارج، لكنه ينطبق أيضا على بعض الفواعل في الداخل. لنأخذ مثلا مواقف الفنانين السوريين الذين أعلنوا في بيانهم الأول تأييدهم للتغيير الديمقراطي في سورية، لكن سرعان ما ارتد أغلبهم على ما جاء في بيانهم، معلنين وقوفهم مع النظام خوفا من سلفية مزعومة، أو صراع طائفي يتم التهويل به، أو تدخل خارجي وشيك يتم التحريض عليه… دون التفكير بحقيقة ذلك، ومن هي الجهة التي تقف وراء ذلك، وتروج له.

في ظروف سورية المعقدة، حيث تم تجفيف المجتمع من السياسة لعقود من الزمن، تحتل الهواجس والإشاعات موقع الأساس في بناء المواقف لدى أغلبية فئات شعبنا السوري، مع أن هذه المواقف، تكون على الضد من مصلحة أصحابها. ومما يعزز من هذه الهواجس والمخاوف لدى هذه الفئات الاجتماعية، ويدفعها للبقاء في وضعية سلبية، وبالتالي تعزيز جبهة النظام، مواقف وسلوك بعض ” المعارضين ” في الداخل والخارج.

لا جدال في أن انتفاضة الشعب السوري ضد الاستبداد، وفي سبيل نيل الحرية والكرامة، وبناء نظام ديمقراطي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية عادلة، تركت تأثيرات واضحة على جميع السوريين، كل بحسب مصالحه ووعيه لهذه المصالح. ومن الطبيعي أن تكون القوى السياسية أو الثقافية التي عانت من الاستبداد بصورة مباشرة خلال العقود الأربعة الماضية أكثر حساسية وتحمساً للتغير، وبالتالي أكثر استعدادا لدعم قوى التغيير على الأرض.غير أن هذا الحماس والاستعداد لدعم قوى التغيير من قبل بعض المثقفين، أو التعبيرات السياسية التقليدية، نتج عنهما -في حالات ليست قليلة – مواقف وسلوكيات جاءت بنتائج عكسية. فعندما يصرح أحد المعارضين في الخارج مثلا(وهو ليس واحدا) بتصريحات طائفية، أو يدعو إلى حمل السلاح، أو إلى انقسام الجيش…أو عندما يعيق بعض الأطر التنظيمية السياسية التقليدية عملية توحيد قوى المعارضة حول رؤية موحدة لعملية الانتقال من وضعية الاستبداد في السياسة إلى وضعية ديمقراطية بحجج واهية، من قبيل ضرورة قيادته للمعارضة…(أو إذا حضر فلان لا يحضر فلان)… فإن نتائج هكذا مواقف تصب مباشرة في خانة دعم النظام الاستبدادي، يوظفها في تحييد قطاعات واسعة من الشعب، ومنعها من الانخراط في الانتفاضة. للأسف لم تنجح المعارضة في تقديم البديل الديمقراطي، لأنها ببساطة ليست ديمقراطية في داخل تنظيماتها، ولا في العلاقة فيما بينها أومع الآخرين ، لذلك كان من الطبيعي أن تتجاوزها حركة الشارع رغم كل التشوهات التي طالت هذه الحركة، سواء من خلال التدخل المباشر للنظام(القمع والقتل والاعتقالات وترويج الإشاعات)، أو من خلال بعض القوى المتطرفة التي ركبت الموجة وعملت على تشويه طابعها السلمي الوطني الديمقراطي. وكمثال على إلحاق الضرر بانتفاضة الشعب السوري، دور الإعلام الوطني، أو الإعلام الخارجي في تعاطيه مع قضايا الانتفاضة، وتركيزه على إراقة الدماء.. ضمن السياق ذاته الخطاب المتشنج لبعض المعارضين في الخارج من أمثال وائل الحافظ، ومأمون الحمصي…وفي ذات الاتجاه سوف تصب- في حال إنجازها- الدعوة التي وجهها السيد عبد الرزاق عيد لعقد مؤتمر “التغيير في سورية”، في مدينة أنطاليا التركية خلال الفترة من 13/5 إلى 2/6 /2011.

من حيث المبدأ إن عقد هكذا مؤتمر لن يكون مفيداً للحراك الشعبي في الداخل، وسوف يشكل ذريعة لتعزيز فكرة المؤامرة التي يروج لها النظام ويتقبلها كثيرون، ويؤثر من خلالها على بعض الناس في الداخل فيدفعهم للاصطفاف خلفه، أو إبقائهم سلبيين. ثم أليس من الأفضل الانتظار حتى تبلور القوى المعارضة في الداخل، وممثلي حركات الاحتجاج في الشوارع(قوى الانتفاضة) رؤيتها للانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي ومن ثم تقديم الدعم لها. لننظر في تجارب الانتفاضات العربية جميعها فهي لم تحتاج لعقد هكذا مؤتمرات في الخارج، بل اكتفى المناصرون بتقديم الدعم الإعلامي والسياسي والمعنوي لانتفاضات الداخل.

أما من حيث مضمون الدعوة، وبعيدا عن مناقشة نص الخطاب المرفق بالدعوة، والمليء بالمغالطات المقصودة، أو غير المقصودة، فإن التفرد بالدعوة بالاسم الشخصي أو باسم أطر تنظيمية لم تعد موجودة، أو لم تعد فاعلة، مثل ” إحياء المجتمع المدني” و “إعلان دمشق”، وتجاهل أحزاب لها وزنها النسبي في الداخل والخارج، والكثير من المثقفين والأكاديميين والمواطنين الذين لا يشاطرون السيد عيد وبعض أصدقائه الرؤية السياسية لنظام المستقبل (الإسلام الحريري) وهو الشيوعي السابق بطبيعة الحال، ولا تزريره للمجتمع السوري إلى طوائف ومذاهب بذريعة ديمقراطيته الموسعة، ولا في رؤيته لطبيعة النظام ” الطائفي العائلي المافيوي..” ( أدعوه للتبصر في تشخيص الدكتور منذر حلوم لطبيعة النظام إذ يقول منذر: ليس للنظام طائفة! النظام بحد ذاته طائفة..هو طائفة من كل الطوائف والمذاهب والأديان..وليس للنظام عائلة، فعائلته عائلات من أقصى سوريا إلى أقصاها. وشبيحة النظام ليسوا من طائفة واحدة، إنما هم كل من يتبع أهواء النظام ويستخدم العنف لتحقيق مصالحه ولإثبات ولائه، من مختلف الطوائف والعائلات..وأخشى أن يكون في كل قول خارج ذلك انحياز ليس إلى الحقيقة وليس إلى الحرية..) .

ثم ماذا يبقى من حيادية السيد عيد وعدم رغبته في الوصاية على قضية المنتفضين في الداخل، وعلى دمائهم الذكية، عندما يطالب دول العالم بسحب الاعتراف الدبلوماسي بالنظام السوري وطرد السفراء.. هل استشار قوى الداخل في دعواه هذه، وهل من ضمانة أن لا يطالب بالتدخل العسكري مستقبلا كما فعل غيره من معارضة الخارج(الغادري مثلا). ثم كيف تستقيم دعوته الجميع(هل من بينهم عبد الحليم خدام الذي عرضت له التلفزة الإسرائيلية مقابلة مؤخراً)، إلى هذا “المؤتمر الوطني الكبير متضامنين داعمين ومؤيدين ومساندين لثورة الكرامة والحرية لشعبنا، لا أوصياء ولا أولياء..”مع البند الثاني من وثيقة المؤتمر المزمع مناقشتها والتي تنص على ” إنشاء هيئة وطنية مؤقتة مهمتها إدارة الأزمة..”، أو ما ورد في البند الثالث ” تقديم بديل مؤقت يساهم في نقل البلاد إلى حافة الآمان..”. أعتقد أن السيد عبد الرزاق عيد يميز جيدا بين ” الأزمة” و “الثورة” فهو من المشهود لهم في استنطاق المفاهيم، لذلك سوف نعتبر ما وقع فيه من تشبيه انتفاضة الشعب السوري بالأزمة هو مجرد هفوة. أما دعوته إنشاء هيئة وطنية مؤقتة، لتقديم بديل عن النظام الاستبدادي لا يمكن أن تكون هفوة، مثلها مثل مناشدته دول العالم لقطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، إنها عين القصد، وهي تنسف من الأساس ما بدا منه من لا وصائية على الانتفاضة في الداخل. للأسف ثمة في المعارضة من لا يهمه من الحركة سوى موقعه فيها، لذلك كثر الناطقون باسمها من غير علمها ولا أذنها. أذكر أنني قلت يوما لعبد الحليم خدام بعيد حركته التصحيحية، وكان في زيارة إلى بلغاريا حيث كنت طالباً،” إن ما يهمك يا سيد عبد الحليم خدام هو أن ترتفع حتى ولو حولت ورفاقك البلد إلى مزبلة “، وأخشى أن يكون جل هم بعض من يدعون المعارضة أن يرتفعوا ولو تحول البلد إلى ركام…..

لم أشأ مما كتبته أعلاه الدخول في سجال مع عبد الرزاق عيد، أو مع غيره، ولا المساهمة بأي شكل من الأشكال في تأزيم وضع المعارضة سواء في الداخل أو في الخارج أكثر مما هو مأزوم، وسوف أفترض أن ما تقوم به أغلبية قوى المعارضة في الخارج والداخل، ينطلق من حسن نية، ورغبة صادقة في تسريع انتقال سورية من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، وبالتالي تحقيق أهداف انتفاضة الشعب السوري. لكن عندما يحاول أيا كان المساهمة في تعقيد الوضع في سورية، وإعاقة انتفاضة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته، من خلال مواقف أو أنشطة غير مدروسة، وبالتالي غير مسؤولة لا يمكنني السكوت. Aمن هذا المنطلق أطالب بإلغاء مؤتمر انطاليا أو غيره من المؤتمرات في الخارج، لأنها لن تفيد قضية الشعب السوري، وسوف تساهم في تأزيم وضع المعارضة في الداخل.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أتفق تماماً مع حضرتك في ما قلته جملة وتفصيلاً
    وقد رأيت في وجوه البعض منهم على شاشات التلفزة
    محاولات لحجز بطاقة مقعد في الدرجة الممتازة على طائرة
    الشعب السوري الجريح
    مع احترامي لتجارب بعضهم ونضالات آخرين

    إلا أن الشعب السوري أذكى منهم هؤلاء جميعاً
    من ينزل كل يوم وهو متيقن أنه سيعود أو لا يعود لم يكترث أبداً
    لا لمؤتمر ولا لمعارضة خارجية

    برأيي أن الصوت النهائي والحاسم لمن بالداخل وهو يعاني سوء العذاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى