صفحات العالم

عسكر النظام.. وعسكر الوطن!

  

يوسف الكويليت

في العالم الثالث الذي يقع الوطن العربي في نطاقه، جُهزت الجيوش لتكون أداة انقلابات لا حماية وطن، ولذلك كانت النكبة بعد احتلال فلسطين، وجود جيوش أُعدت لتصل إلى السلطة وتهدم مؤسسات الوطن السياسية والأمنية، والاقتصادية حتى صار حلم كل ملازم أول، كيف يصل إلى القصر الجمهوري أو الملكي ليتوج الزعيم صاحب الصلاحيات المطلقة..

في إيران بنى الشاه أكبر سلاح في المنطقة، وخلفه أخطر جهاز (السافاك)، للتجسس والبطش، وإخفاء أي معارض، وأثناء الثورة كان يعتقد أن الجيش هو درعه الواقي من أي تطور يطيح بنظامه، لكن الجيش خيّب أمله وانحاز للشعب..

تكررت هذه العملية في دول الربيع العربي فقد بنى ابن علي سلطته على الأجهزة السرية والجيش، لكن سقط مثل ورقة في الخريف، وآثر الهروب وقبله كان صدام حسين هو من بنى الجيش الثالث في العالم من حيث التعداد، لكنه ذاب في الحارات والشوارع والهروب للخارج لمجرد أن تم الغزو الأمريكي، ثم حُل بقيته بسلطة، الحاكم الأمريكي، كذلك الأمر مع حسني مبارك الذي جعل الجيش وضباطه، تحديداً، مع ضباط الأمن، هم الطبقة العليا في الحصول على كل الامتيازات ولكنه خسر الجولة مع الأيام الأولى لانطلاق الثورة، ونفس الأمر جرى مع علي عبدالله صالح، الذي وإن كان هناك فصيل من الجيش ظل موالياً له، إلاّ أنه أُبعد بضغط الشارع..

الأسد هو وحده الذي قاتل جيشه إلى آخر ضابط وجندي، فهل هذا الجيش بني على ولاء طائفي بحيث لم يكن يسير باتجاه الجيوش العربية التي تنوعت فيها العناصر الوطنية بدون تمييز، وعاش عقيدة الأقلية التي يجب أن تحمي قيادتها وطائفتها، وبالتالي كانت هياكل تلك القوة تقوم على مبدأ المنظمة السرية بحيث شكلت الحزب والدولة والطائفة ووضعت كل الاحتمالات بأن قيام أي انقلاب أو ثورة يجب أن لا يُكتب له النجاح؟

لقد حُلت جيوش، وأعيد بناؤها في معظم الدول العربية، والسبب أنها قامت على مذهب حزبي، أو طائفي ولذلك خرجت من مهماتها الأساسية، إلى وظيفة الهيمنة على السلطة، وقد خرجت من الحروب بالهزائم إلاّ ما دار من معارك بين العراق وإيران كانت الغلبة للقوة العراقية في حرب عبثية دمرت البلدين، اقتصادهما ومواطنيهما، ولتعيد إيران عسكرة نظام ثورتها والوصول إلى أسلحة نووية كأكبر قوة إقليمية..

جيش ليبيا تحول إلى مليشيات تهدد وحدة الوطن، وصار شبيهاً بجيوش المرتزقة، وفي بلدان عربية أخرى، إن لم يتمزق، فهو لا يقوم بواجبه، عدا مصر التي أصبح جيشها، بالفعل والعمل، محايداً بين الخصوم، وهذه تحسب له ما بعد الثورة، حيث أراد حماية الوطن من أي انزلاق يؤدي إلى تردي الأمن..

البقية إن لم تكن أعباء، فهي انتقمت من شعبها كما جرى في سورية والذي قد تنتهي تشكيلاته إلى جيش جديد باسم الحر، لكن يبقى بلا أذرع قوة رادعة، وهذا سيريح إسرائيل من أنها ليست في مواجهة قوة تقلقها، وهذه إحدى منافع الأسد لها، لكن سورية هي من سجلت أعظم ثورة حقيقية في تاريخ العرب الحديث بصمودها وإصرارها..

الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى